كرّمت قيادة الجيش الجزائري، الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، كضيف شرف في الحفل السنوي لكبار الضباط بمناسبة ذكرى استقلال البلاد، واستقبل رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، الجنرال بن حديد، واضعاً حداً لأشهر من القطيعة مع رئاسة الأركان والخصومة المباشرة مع رئيس الأركان السابق أحمد قايد صالح، ويعتقد على نطاق واسع أن "المصالحة" مع عدد من بعض خصوم الفترة الماضية خيار مباشر للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وعلى عكس ما عايشه الجنرال المتقاعد حسين بن حديد طيلة السنة الماضية حيث سجن أشهراً عدة بتهمة "المساس بهيئة نظامية ومحاولة إحباط معنويات الجيش" قبل الإفراج المشروط عنه في يناير (كانون الثاني) الماضي، شارك بن حديد كضيف شرف في الحفل السنوي لكبار الضباط الذي تنظمه وزارة الدفاع الجزائرية يوم الخامس من يوليو (تموز) من كل سنة في ذكرى استقلال البلاد.
واستقبل رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق سعيد شنقريحة، شخصياً، بن حديد وهو على كرسي متحرك، وتبادل الرجلان بعضاً من الحديث قبل أن يأخذ بن حديد مكاناً بين الضيوف ومعظمهم عسكريون حاليون أو سابقون، واللافت أن قضية بن حديد لدى القضاء لا تزال سارية المفعول على أن يتم الفصل فيها بتاريخ لاحق الشهر الحالي، وكان تم الإفراج عنه بشكل مشروط مطلع العام الحالي على إثر طلب من هيئة دفاعه حول وضعه الصحي المتردي.
وبدأت متاعب بن حديد مع القضاء منذ خريف 2015 بعدما حكم عليه بسنة سجناً نافذاً وغرامة مالية، بتهمة "إهانة هيئة دستورية (الرئاسة) وإحباط معنويات الجيش"، قبل أن يطلق سراحه لدواع صحية، ثم اعتقل مجدداً في مايو (أيار) من العام الماضي على أثر رسالة وجهها لرئيس الأركان السابق الفريق أحمد قايد صالح، واتهم بـ "الحط من معنويات الجيش والتأثير فيها".
طي خصومات
ويتوالى الإعلان عن قرارات متناسقة صادرة عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بما يمهد لـ "مصالحات" مع خصوم كثر للمرحلة الماضية، لا سيما فترة ما بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ربيع العام الماضي وإلى غاية انتخاب تبون رئيساً جديداً نهاية العام نفسه.
وفي هذا السياق، يعلق عمار قداش العقيد المتقاعد من صفوف الدرك الجزائري أن "قرار دعوة حسين بن حديد إلى الاحتفالية لا يمكن إلا أن يصدر عن مسؤول في مستوى رئيس الجمهورية، لقد تمت شيطنة هذا العسكري السابق في المرحلة الماضية، وتم الربط بينه وبين الفريق محمد مدين (توفيق) قائد الاستخبارات السابق في أكثر من محطة (توفيق يقضي عقوبة 15 سنة في السجن العسكري)".
أضاف "أتصور أن تبون قد طلب من قائد استخبارات الجيش الجديد العميد عبد الغني راشدي، تقارير حيادية عن كثير من الملفات التي أعدها سلفه واسيني بوعزة، والذي حوكم قبل أيام بالمحكمة العسكرية بالبليدة، وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات"، لذلك "قد يعتمد تبون على فحوى التقارير الجديدة بعيداً من تصفية الحسابات، وقد نسمع عن قرارات أخرى بالعفو أو الإفراج أو إعادة محاكمة ناشطين أو عسكرين للمرة الثانية لكن بوقائع مغايرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ناشطو الحراك
واختار تبون رمزية ذكرى الاستقلال لتجاوز عقبات عدة في طريق مشروعه لإبرام "هدنة" مع خصوم المسار الانتخابي عموماً والذي أتاح له رئاسة البلاد، فقد عفا، بصفته رئيساً للجمهورية وبموجب ما تخوله صلاحيات الدستور عن دفعة أولى من معتقلي الحراك الشعبي وعددهم ستة، قبل أن تستجيب النيابة العامة في اليوم الموالي لطلبات الإفراج عن سبعة مسجونين آخرين من أبرز نشطاء المسيرات، أولهم الناشطان كريم طابو، وسمير بلعربي، كما تم الإفراج عن الناشطة السياسية أميرة بوراوي.
ومهدت رئاسة الجمهورية لهذه القرارات أسابيع عدة بعدما تولى رئيس حزب "جيل جديد" سفيان جيلالي التسويق للمشروع ناقلاً ما دار بينه وبين تبون من حديث خلال استقباله له في سياق المشاورات التي تمت حول مشروع تعديل الدستور، لكن عدداً من المحامين عن نشطاء الحراك يعتقدون أن كثيرين من النشطاء يستحقون البراءة في عدد من المحافظات الجزائرية، ويعدد المحامي الشهير بدفاعه عن مساجين المسيرات عبد الغني بادي، عشرات المحبوسين في المحافظات الداخلية منذ أشهر عدة بسبب "منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأوجدت حالة الصحافي خالد درارني بين كل هؤلاء جدلاً خاصاً، لا سيما أن المعني، وفق هيئة دفاعه، كان معنياً بتلميح سابق من الرئيس تبون نفسه حينما وصف أحد المحبوسين بـ "الخبارجي لسفارة غربية (كلمة عامية يُقصد بها ناقل الأخبار)". وقال المحامي عبد الغني بادي بخصوص وضعه إن جديداً قد حصل في اليوم نفسه "لقد تمت إحالة ملف الصحافي خالد درارني على قضاء الجنح بتاريخ اليوم، بانتظار جدولة القضية للمحاكمة"، ويُروّج في أوساط قضائية عن قرب استفادته هو بدوره من الإفراج.
نزع الألغام
وتتعدد القراءات في نوايا الرئيس عبد المجيد تبون بخصوص الشخصيات الرمزية المعنية بـ "رد الاعتبار" بين شملها للجنرال المتقاعد علي غديري المرشح السابق للرئاسيات (رئاسيات 2018 التي ألغاها الحراك) وبين ضمها أيضاً اسم الفريق (توفيق) قائد الاستخبارات السابق، وفي المجمل يقول مراقبون إن تبون يشتغل على "نزع الألغام" التي ورثها على أمل تحصيل "توافق" ولو محدود مع الطبقة السياسية والحراك الشعبي قبل إعادة عرض مسودة الدستور من جديد خريف العام الحالي.
ويذكر القاضي السابق والمحامي رشيد عدّي لـ "اندبندنت عربية"، حول رأيه في مساعي الرئيس تبون قائلاً، "بعد ستة أشهر من ممارسة الحكم، يكتشف تبون أنه من غير الممكن تجسيد مشروعه أو حتى مناقشته من دون تحقيق توافق داخلي، فكرة المرور بالقوة أو وفق النظرة السابقة نفسها لم يحقق هذا المغزى، بل أدى إلى تأجيل أهم مشروع سياسي راهن عليه وهو الدستور الجديد".
أضاف عدّي "محيط الرئيس الحالي بات مقتنعاً بأنه من غير الممكن مواصلة المشروع السياسي بالخصومات السابقة نفسها، الآن بدأت تتضح الصورة، ويمكن أن تتضح معها نوايا تبون الحقيقية بعدما وضع يده على مناصب مفصلية عدة في الدولة كانت تؤثر في خياراته، ومن غير المعقول وجود هذا الكم الهائل من سجناء الرأي في السجون".