Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

10 أفلام عربية ترسخ انفتاح "نتفليكس" على سينما جديدة 

أعمال قدمت في مهرجانات وعرفت نجاحا وتقدم صورة شاملة عن تحولات المجتمعات

من فيلم "صوفيا" للمغربية مريم بن مبارك (موقع نتفليكس)

منذ فترة، بدأت منصّة "نتفليكس" للبثّ التدفقي، عرض مجموعة من الأفلام العربية، ضمن استراتيجية الانفتاح على العالم العربي بدافع التنوع. في الآتي، مقاربات نقدية لهذه الأعمال الحديثة التي ننصح بمشاهدتها. 

"دشرة"

"دشرة" للتونسي عبد الحميد بوشناق هو عمله الروائي الطويل الأول وهو أيضاً كما قيل يوم عُرض في مهرجان البندقية، أول فيلم رعب تونسي. إنه فيلم "جانر"، لا يوجد مثله كثيراً في العالم العربي، حيث السائد هو إما السينما التجارية أو سينما المؤلف. بوشناق لم يتولَّ الإخراج فقط، بل أيضاً الكتابة والإنتاج والتوليف. الفيلم ليس تحفة سينمائية ولم يُنجَز لهذا الغرض، إنه عمل محدود الطموح. مع ذلك يمكن الجزم أننا أمام موهبة "تقنية" واعدة. شبّه البعض هذا العمل بـ"مشروع بلير ويتش"، الفيلم الذي صدر قبل أكثر من عشرين سنة وأصبح ظاهرة سينمائية. من الواضح أن بوشناق يستعير بعض العناصر منه ويدرجها في سياق تونسي، عبر حكاية ثلاثة طلاب جامعيين في كلية الإعلام يكشفون سرّ قرية تونسية. العمل غني بمكوّنات سينما الرعب التي تخاطب عادةً شرائح واسعة من الجمهور، ويُنصح هواة هذا النوع بمشاهدته.

"يلا عقبالكن"

فيلم للمخرج اللبناني إيلي خليفة الذي اشتهر بالكوميديا عبر مجموعة أعمال قصيرة. لا يمكن القول إنّ هذا الفيلم ينتمي إلى سينما المؤلف، بل إلى السينما التجارية المشغولة بشيء من الاحترافية، على الرغم من أن الإخراج هنا شكلي وتوظيفي، فصاحبة العمل الحقيقية هي نبال عرقجي، كاتبة السيناريو والمنتجة. الحكاية عن أربع فتيات لبنانيات (ندى أبو فرحات، نبال عرقجي، دارين حمزة، مروى خليل) تجاوزن منتصف الثلاثينيات ولا يزلن عازبات. ياسمينا وتالين وزينة وليان، فتيات عاديات مثل كثيرات غيرهن، لكن الفيلم يدخل في خصوصياتهن، من عائلة وأصدقاء وحالة اجتماعية، ويصف يومياتهن، لنكتشف مدى الضغوط الاجتماعية والعائلية التي يعانين منها نتيجة بلوغ سنّ معيّن وعدم الارتباط. المجتمع يجبرهن على ضرورة تأسيس عائلة والإنجاب، وإلّا أصبحن خارج الحسابات. خليفة أنجز فيلماً "عاماً" يخلو من التفاصيل، فيه القليل من كلّ شيء، يغرق أحياناً في مادة فضفاضة، ولكنه يُشاهَد ببعض المتعة.  

"في سوريا"

هذا الفيلم الفائز بجائزة قسم "بانوراما" في مهرجان برلين السينمائي يتحدّث عن المأساة السورية من خلال معاناة الأشخاص اليومية. الفيلم أنجزه البلجيكي فيليب فان لو، ولكونه غير عربي، فوقف على مسافة من الحوادث، الأمر الذي جعله ينجز عملاً هادئاً وعاقلاً لا ينجرّ إلى الميلودراما الركيكة أو فيض المشاعر المصطنعة. الفيلم عن عائلة سورية ولكن سرعان ما يتحوّل تحيّة إلى نضال المرأة وتضحيتها من أجل الصمود. الحكاية برمّتها تجري في شقّة "أمّ يزن" (هيام عباس)، التي تقع في منطقة مهجورة، فنكتشف الظروف التي تعيشها هذه العائلة المتوسطة الحال. نُحشر داخل جدران الشقة ليغلقنا فيها نهائياً، فيصبح المكان على محدوديته رمزاً للحرّية والاستقلالية والخلاص. إلّا أنّ الحكاية ليست فقط عن "أمّ يزن" وعائلتها، بل عن العائلة الحديثة المؤلّفة من سمير وحليمة (ديامان بو عبود) وطفلهما الرضيع، عائلة تستعدّ للهرب من جحيم الحرب… من الحرب لن نرى شيئاً، فكلها مجسَّدة صوتاً لا صورة. هذا أحد أقوى الأفلام عن المأساة السورية. 

"صوفيا"

أول أعمال المخرجة المغربية مريم بن مبارك، وقد عُرض في قسم "نظرة ما" (مهرجان كان) حيث نال جائزة السيناريو. ينطلق الفيلم الذي يحمل همّاً اجتماعياً واضحاً، من حقيقة هي أن كلّ يوم 150 فتاة غير متزوجة يضعن مواليدهن في المغرب تحت خطر الدخول إلى السجن في حال تم القبض عليهن. الفيلم يهتم بمصير واحدة من هذه الفتيات، صوفيا ابنة العشرين، التي تكتشف أنها حامل قبل ساعات قليلة فقط من لحظة الولادة. الفيلم اجتماعي هادف يحاول أن يضع النقاط على الحروف. حول صوفيا، نجد مجموعة شخصيات، منها ابنة عمتها لينا، ومن خلال هاتين الشخصيتين، ودّت المخرجة الكشف عن وجهين لمجتمع واحد: صوفيا وابنة عمتها التي تربّت في فرنسا والتي تأتي من بيئة مختلفة لتلقي نظرة غربية على المغرب، هي أقرب إلى وجهة نظر المخرجة التي تلقي على دولتها وناسها ومجتمعها نظرة سوداوية بالكامل. في الآخر، هذا الفيلم ليس عن ظروف المرأة في مجتمع أبوي، بقدر ما هو عن منظومة اجتماعية كاملة، فالناس "متواطئون" ضمناً ومتصارعون علناً.

"واجب"

هذا الفيلم للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، نال جائزة "المهر الطويل" لأفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي. "فيلم طريق" ("رود موفي") يعتمد على بناء سردي مكثّف، نمضي برفقة شخصيتين، أب وابنه (محمد بكري وصالح بكري) إلى رحلة عبر الناصرة، حيث نشهد على الأوضاع التي يعيشها أهل المدينة الفلسطينية. نراهما يطرقان أبواب بيوت الأقرباء والأصحاب لتسليم دعوات عرس. فالتسليم، وفق التقاليد الفلسطينية القديمة، يجب أن يتم باليد. يكمن جمال الفيلم في حميميته، في البيوت التي سندخل إليها والناس الذين سنتعرّف عليهم، وفي الصراع الذي يولد بين الأب والابن، اللذين اتّفقا على عدم الاتفاق، وهما مجبران على التعايش، على الرغم من الاختلاف الكبير في نظرتهما إلى الأمور، من أبسط قضية، وصولاً إلى الصراع مع إسرائيل. المأساة التي سنشهد عليها لن تمنعنا من الضحك من شدّة عبثية المواقف. هذا الضحك الذي يصبح ضرورة ملحّة في مثل هذه الظروف لتجاوز الحالة النفسية التي يعانيها الجميع. طوال الفيلم، لا نغادر الناصرة التي تغدو شخصية في ذاتها، وهي تبدو كسجن لمَن يعيش فيها. تبتلع البشر وتحدّ الأحلام من كلّ الجهات.

"بيك نعيش"

"بيك نعيش" للمخرج التونسي مهدي البرصاوي الذي عُرض في مهرجان البندقية وفاز بعدد وافر من الجوائز الدولية، آخرها جائزة النقّاد لممثّله سامي بوعجيله. هو بلا أدنى شك أحد أجمل الميلودرامات التي شاهدناها في الفترة الأخيرة. تجري الأحداث في تونس عام 2011. فارس وميريام (سامي بوعجيله ونجلاء بن عبدالله) زوجان يعودان برفقة ابنهما الطفل من رحلة في الطبيعة. طلقة نار مصدرها مجهول في اتجاه الصبي النائم في مقعد السيارة الخلفي، ستغيّر حياة الزوجين إلى الأبد وتكشف عن أسرار عائلية صادمة. السقوط الحرّ سيتحقق أسرع مِمّا نتوقعه. ومن هنا، سيطرح الفيلم علينا جملة تساؤلات، في مقدمها: هل نحن نعلم حقاً مع مَن نتقاسم حياتنا؟ يتبين خلال الفيلم أن خللاً ما يعتري علاقة الأبوّة، فهل ينبغي الركون إلى العلاقة الزمنية أو رابط الدمّ في مسألة تحديد الأبوّة؟ هذا السؤال ليس جديداً، وقد طرحه عدد من الأفلام، ولكن البرصاوي ينجح في وضعه في السياق التونسي. فيلمه يشهد على تغيير حاد في الشخصيات، ليصل بنا في النهاية إلى أن نتسائل: ماذا لو كانت الثورة الحقيقية هي في داخل الإنسان؟ 

"اشتباك"

الفيلم افتتح تظاهرة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي، وهو الفيلم الثاني للمصري محمد دياب. عدد من الأشخاص المشاركين في احتجاجات "الإخوان المسلمين" بعد الإطاحة برئيسهم المنتخب محمد مرسي، تعتقلهم الشرطة عشوائياً، وتلقي عليهم تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية. الفيلم برمّته يجري في شاحنة اعتقال، فتصبح مساحتها الضيّقة والمحدودة أقرب إلى "ميكروكوزم" ومختبر أفكار بين المحتجزين، لينتهي كلّ شيء على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". الاعتباطية التي يعامل فيها الأمن والعسكر المعارضين، تفضي إلى اعتقال أناس من شرائح مختلفة من المجتمع المصري. لكن، في لحظة، ينتبهون إلى ما يحلّ بهم، يفهمون أنهم ماضون بالشاحنة إلى الجهة المجهولة عينها، ما يستلزم أن يكونوا يداً واحدة في مواجهة الـ"عدو". داخل الشاحنة، حيث بؤرة ظلام وانغلاق، سيتعلّم بعضهم كيف يتعرّف إلى الآخر، من دون أن يعني هذا أن ينتصر بالضرورة لأفكاره، ومن دون أن يتراجع منسوب الكراهية لديه، وهذا هو أبرز ما يسعى الفيلم إلى تأكيده والدفاع عنه.

"فيلم كتير كبير" 

واحد من أغرب الأفلام العربية، أغوى كثيرين، ومنهم المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا يوم كان رئيس لجنة تحكيم مهرجان مراكش السينمائي، فأسند إليه الجائزة الكبرى. الفيلم هو الأول لمخرجه اللبناني ميرجان بوشعيا. كلّ شيء يبدأ بجثّة. اللقطة المعبّرة يتبعها استجواب في المخفر لمعرفة مَن القاتل. ثلاثة أشقّاء متورطون في الجريمة، إلّا أنّنا لا نعرف أيّهم القاتل. أحدهم سيعاقَب نيابةً عن الآخر. يأتينا المخرج بأفكار ذكية ولمّاحة ومبتكرة. هناك جبهات عدّة يتموضع حولها ، كلّها تحاول جعل الفيلم لبنانياً، على الرغم من نزعته لتقديم شيء أقرب إلى السينما الأميركية. الفيلم عن السينما، ولكنه أيضاً عن كلّ العيوب في المجتمع، ومنها ما يجعل الشخصية اللبنانية انتهازية ووصولية. نرى البُعد البيئي والطائفي والعشائري والسياسي والإعلامي في المجتمع اللبناني بلا رتوش. حكايته تنصهر في كلّ هذا، من دون أن يبدو مقحماً. باختصار شديد، هذا واحد من الأفلام اللبنانية الأكثر ابتكاراً في السنوات الأخيرة. 

"ليل / خارجي" 

ليلة مثيرة في قلب القاهرة النابض، هذا ما يقترحه على المُشاهد فيلم المخرج المصري أحمد عبد الله السيد، الذي نال  جوائز عدّة. نرى القاهرة على النحو الذي لا يعرفه السائح، العابر فيها. مدينة كلها حياة يملؤها الصخب والضجيح ويزنّرها العنف. نعيش مغامرة ليلية بصحبة ثلاث شخصيات لا توجد نقاط مشتركة كثيرة في ما بينها، إلّا أنّ الظروف تحكم عليها بأن تعيش معاً لحظة معينة تفضي إلى خطاب سينمائي جميل عن العيش في هذه المدينة العظيمة. الفيلم لم يحظَ بإمكانات تصويرية كبيرة، ما أعطاه هوية خاصة، هي هوية الفيلم المستقلّ، إذ إنّ الأسلوب يبدو عفوياً حتى لو أن كلّ شيء كان مكتوباً في النصّ منذ البداية. في هذا الفيلم، وجد عبد الله التوازن الصحّ بين سينما المؤلف والسينما التجارية، وربط إحداهما بالأخرى، متّجهاً نحو المتعة الأكيدة بدلاً من التأمل الجامد.  

"غداء العيد"

أول فيلم روائي طويل للمخرج اللبناني لوسيان بو رجيلي، نال عنه جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي. الفيلم يحمل همّاً: التعبير عن حالة اجتماعية وسياسية وثقافية معيّنة يرزح تحتها لبنان. إننا حيال عمل تتشكّل تفاصيله على مرأى ومسمع منّا، كوننا نجلس إلى مائدة عائلة لبنانية في يوم عيد. الأفواه لا تتوقّف عن المضغ، هي مصنع لكمية هائلة من الكلام المكرور الذي يتعرّض لما نعانيه في لبنان. الفيلم يتناول عدداً كبيراً من الشؤون التي تؤرق المخرج، ليغدو منصّة للنقد اللاذع للطبقة السياسية. يُحكى عن الأشياء بلا فلترة أو بلاغة. بمَشاهد غير مقطّعة وكاميرا مهزوزة لا تقيم أي اعتبار للحظات التغبيش في الصورة (تصوير أحمد طرابلسي)، يبدي الفيلم اهتماماً بالواقعية، ويتبنّى صيغة حكائية يقول عنها المخرج إنّها مُسْتَلْهَمة من الشخص الذي يمرّ أمام باب جاره، وفجأة تدهمه الرغبة في استراق النظر عبر ثقب الباب.

المزيد من سينما