Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحرك السفراء العرب في لبنان يواكب البحث عن مخارج حكومية

مشاورات بين باريس وواشنطن بعد القلق الفرنسي من التدهور الأمني

دياب مترئساً إجتماعاً في السراي الحكومي في بيروت السبت 4 يوليو الحالي (دالاتي ونهرا)

حين قال رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب "سكتنا كثيراً عن ممارسات دبلوماسية فيها خروقات كبيرة للأعراف الدولية والدبلوماسية، حرصاً على علاقات الأخوّة والانتماء والهوية والصداقات"، رأى مراقبون في كلامه ردّاً على السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي كانت هاجمت "حزب الله"، متهمةً إيّاه بالتسبّب بالأزمة المالية في لبنان، وتناغماً مع الحملة التي شنّها "الحزب" عليها نتيجة تصريحاتها.
واعتبر محلّلون أن دياب يسترضي "حزب الله" بمشاركته الهجوم على الديبلوماسية الأميركية حتى يضمن التأييد لبقائه في رئاسة الحكومة، بعدما نُشرت تكهّنات حول اتصالات تجري من أجل استبدالها، تشمل التواصل بين "الحزب" وبين زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري لجسّ النبض حول إمكان عودته إلى رئاسة مجلس الوزراء.
سرعان ما اعتبر الوسط السياسي اللبناني أن ما قاله دياب لا يقف عند حدود حملته على السفيرة شيا، بل أن عبارة "علاقات الأخوّة" تشمل أيضاً دولاً عربية.
وزادت قناعة أصحاب القراءة بأنه يقصد الدول العربية إضافةً إلى أميركا، بالاستناد إلى عبارة أخرى وردت في كلامه وهي "لكنّ هذا السلوك تجاوز كل مألوف في العلاقات الدبلوماسية والأخوية". وهو لم يكتفِ بذلك بل تحدّث عن "حصار سياسي - مالي لتجويع اللبنانيين، وفي الوقت ذاته، يدّعون أنهم يريدون مساعدة الشعب اللبناني".


تحركات السفراء العرب


وبدا أن دياب يستهدف دولاً خليجية على خلفية تحرّك سفراء الدول الرئيسة منها، السعودي وليد البخاري والإماراتي حمد الشامسي والكويتي عبد العال القناعي، إضافةً إلى النشاط الذي يقوم به السفير المصري لدى بيروت ياسر علوي. فالسفراء الأربعة يلتقون أقطاب السياسة اللبنانية ويتحرّكون منذ أسابيع في اتجاه الحريري ورؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وسائر قوى المعارضة، أي رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي أولم للسفراء الخليجيين الثلاثة قبل أسبوعين، ثم للسفير المصري. كما أن السفير بخاري التقى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل. حتى إنّ دارة السفير بخاري شهدت لقاءات ذات مغزى، فزارته شيا الأسبوع الماضي "للتنسيق" كما قالت، ثم التقى زميله الشامسي. لكن الأهم أنه استقبل "غريم" دياب، الذي كان ينوي إقالته، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والنائب السابق للحاكم الذي أصرّ "حزب الله" على استبعاد عودته إلى قيادة المصرف المركزي محمد البعاصيري، الذي يتمتّع بثقة الأميركيين والبيوتات المالية الغربية.

وكان آخر لقاءات السفراء، عشاء جمع علوي والقناعي والشامسي (بخاري اعتذر عن عدم الحضور لارتباط خاص) إلى مائدة جعجع بحضور قياديين من حزب "القوات"، فجرى التداول في الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان والمخارج الممكنة، في وقت كثُرت تكهنات ما لبثت أن تراجعت عن تبديل حكومي. واعتبر مطّلعون على تكثيف التحرّك الدبلوماسي العربي أنه يأتي لمواكبة المستجدات المحلية بموازاة تطوّرات الوضع الإقليمي.     

عزلة دياب العربية

لم يجتمع أي من السفراء الأربعة مع دياب طوال مدة ممارسته مهماته في الأشهر الخمسة الأخيرة. حصل لقاء يتيم بين السفير الكويتي القناعي ودياب بعيد تأليفه الحكومة، وآخر يتيم بينه والسفير المصري علوي للمناسبة ذاتها مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي، سرّبت مصادر رئيس الوزراء على الأثر أن السفيرين وجّها إليه الدعوة لزيارة الكويت ومصر. لكن مَن اتّصلوا بالسفيرَيْن في حينها، من السياسيين والصحافيين (ومن بينهم "اندبندت عربية") سمعوا نفياً قاطعاً أن يكون أيّاً منهما وجه أي دعوة إلى دياب.
عاش الإعلام المقرّب من رئيس الحكومة لأسابيع على التسريبات بقرب بدئه جولةً عربية، تنتج منها مساعدات مالية، كانت أقرب إلى التمنيات واستدراج العروض والزيارات، منها إلى الحقيقة. فالدول العربية المعنيّة بالوضع اللبناني قرّرت منذ استقالة الحريري في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2019 مراقبة عملية تأليف الحكومة الجديدة وسلوك دياب لتبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أنها لمست الدور الرئيس لـ"حزب الله" في تأليفها بعدما كان دياب وعد بأن تكون من المستقلين غير الحزبيين، بالتالي ألّا تخضع لإملاءات "الحزب"، فإذا بها تمارس السلوك ذاته للحكومات السابقة.

الموقف العربي والخليجي من خضوع السلطة في لبنان لنفوذ "حزب الله" عمره منذ عام 2014، أي منذ بدأ التدخل الإيراني الأمني في الأوضاع الداخلية العربية وحرق مبنى القنصلية السعودية في إيران وإفشال الانقلاب الحوثي في اليمن المدعوم من طهران و"حزب الله"، الحل السياسي الذي رعته الرياض هناك، فضلاً عن رفض وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل حليف "الحزب"، في حينها الموافقة على إدانة حرق القنصلية السعودية في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب. مرّت العلاقة مع لبنان بفترات صعبة مع محاولات لتحقيق انفراج فيها، بناءً على مراهنة الحريري على أن ترأب تسويته مع العماد ميشال عون على الرئاسة الصدع، إلّا أنّها لم تنجح بسبب استمرار تحالف عون مع "الحزب" وتناغمه مع سياساته الإقليمية، فضلاً عن مواصلة "الحزب" شنّ الحملات الإعلامية على المملكة ومن المنبر اللبناني، في وقت صنّفته دول الخليج منظمةً إرهابية.
يضاف إلى كل ذلك أن الدول الخليجية المعنيّة بدعم لبنان اقتصادياً شاركت المجتمع الدولي من خلال مؤتمر "سيدر" في باريس - عُقد في 6 أبريل (نيسان) 2018 - موقفه باشتراط تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية قبل تقديم أي مساعدات مالية. وهو شرط ما زال قائماً في ظلّ قناعة بأن تموضع لبنان الإقليمي إلى جانب طهران يسهم في الحؤول دون الإصلاحات، بالتالي في تدهور الوضع الاقتصادي اللبناني.
حتّم كل ذلك انسجاماً عربياً مع مطلب غربي أساسي جرى التأكيد عليه قبل أربعة أشهر: المساعدات المالية لبيروت مرتبطة باتفاقها مع صندوق النقد الدولي على برنامج الإصلاحات والخطة الاقتصادية.
وجاء أحدث المواقف الخليجية من هذه الزاوية في 25 يونيو (حزيران) الماضي، في تصريح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، حين قال إن "ما يشهده لبنان من انهيار اقتصادي مقلق للغاية والإمارات لن تفكر بتقديم الدعم المالي له إلّا بالتنسيق مع الدول الأخرى. إذا شاهدنا بعض أصدقائنا والقوى الكبرى المهتمة بلبنان يعملون على خطةٍ ما، فسنفكّر في الأمر. لكن حتى الآن، ما نراه هو تدهور لعلاقات لبنان العربية وعلاقاته الخليجية على مدار السنوات العشر الماضية، ولبنان يدفع الثمن". وأضاف "شهدنا تراكم المشكلات في لبنان، وتابعنا إملاءً للخطاب السياسي من حزب الله الذي يملك فعلياً جيشاً داخل الدولة... لطالما حذّرت الإمارات لبنان من تدهور العلاقات مع الخليج، وإذا أُحرِقت الجسور، فسيكون من الصعب جداً استخدام الرصيد الكبير من حسن النية ومن الدعم المالي الذي يحتاج إليه لبنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مشاورات غربية وعربية حول التدهور 

لكن التدهور السريع للأوضاع المعيشية في البلاد في الأسابيع الثلاثة الماضية وعودة التحرّكات الشعبية الاحتجاجية إلى الشارع والخلافات بين مكوّنات الحكومة والكيدية في التعيينات المالية والإدارية والتخبّط في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي لجهة الاختلاف في أرقام الخسائر والتأخّر في إقرار الإصلاحات البنيوية والتباينات في طريقة التعامل مع "قانون قيصر" للعقوبات على التعاون مع نظام بشار الأسد، كلها عوامل استدعت ارتفاعاً تدريجياً في الأصوات الداعية إلى رحيل الحكومة، ليس من القوى المعارِضة غير المشارِكة في الحكومة فقط، بل من بعض مكوّناتها أيضاً سواء تلميحاً أو تصريحاً.
 

الخوف الدولي من اهتزازات أمنية

من جهة أخرى، أقلقت الحوادث الأمنية التي ترافقت مع عودة الحراك الشعبي إلى طرح مطلب استقالة دياب عدداً من العواصم، لا سيما باريس التي تردّد أنها تواصلت مع الدول الخليجية للتشاور، بعد عقد اجتماع تنسيقي فرنسي - أميركي شاركت فيه دولة أوروبية ثالثة في باريس، لتبادل الأفكار بحثاً عن سبل تجنّب انفجار الوضع الاجتماعي وانعكاساته الأمنية.
هذا التشاور فرضه توصّل باريس منذ أكثر من شهر إلى استنتاج بأن فرصة حسن النية التي أعطتها إلى حكومة دياب كانت مخيّبة للآمال، بينما الجانب الأميركي كان توصّل إلى خلاصة مفادها بأنّ ما كان يُفترض بحكومة دياب أن تظهره من تصميم على إجراء الإصلاحات، كان مجرد سراب.

وتفيد معلومات متقاطعة بأنّ العواصم العربية المعنيّة قرّرت بعد التدارس مع الحلفاء الغربيين أن تكثّف لقاءاتها في بيروت من أجل تكوين صورة تفصيلية عن الخطوات الممكنة التي تتيح مخارج لتصاعد التأزم اللبناني على كل المستويات.
 

النصيحة للحلفاء

وعلمت "اندبندت عربية" في هذا المجال أن نصيحة أُسديت إلى حلفاء الدول الخليجية اللبنانيين (الحريري وجعجع وجنبلاط والكتائب) بوجوب توحيد موقفهم في إطار تنسيقي أو جبهوي لمواجهة الاحتمالات المقبلة، فالقوى الحليفة الرئيسة تكتفي في الظرف الراهن برفع وتيرة التنسيق، من دون الاتفاق على قيام جبهة موحدة، خصوصاً أنها تترك مجالاً للتفاهم ولو الظرفي، مع أطراف في تحالف "قوى 8 آذار" على المرحلة المقبلة، لا سيما مع رئيس البرلمان نبيه بري، غير المقتنع ضمناً بأن حكومة دياب قادرة على تلبية متطلّبات المرحلة.     

وفي اعتقاد جنبلاط مثلاً (والحريري قريب من هذه الفكرة) أن العودة إلى صيغة الانقسام بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار يؤجّج الوضع السياسي والمذهبي، فيما البقاء على تنسيق مع بري والوزير السابق سليمان فرنجية يحول دون العودة إلى صيغة الانقسام السابق، في وقت بري مضطر إلى مراعاة حليفه "حزب الله"، إذا أصرّ الأخير على بقاء الحكومة.


نفي وتكتم

في موازاة ذلك، تنفي أوساط مقرّبة من الحريري ومن "الحزب"  معطيات تتحدث عن اتصالات جسّ نبض جرت بين الجانبين حول فكرة تغيير الحكومة كي يعود الحريري إلى رئاسة الحكومة لأن علاقاته الخارجية قد تفكّ الحصار المالي، فيما لا تستبعد أوساط أخرى مقّربة منهما حصول تلك الاتصالات، إلّا أنّها تحجم عن قول المزيد، مشدّدةً على أنها إذا كانت قد حصلت، فإن فحواها سيبقى سرّياً. وتشير تسريبات تعذّر الحصول على تأكيدات بشأنها أن الحريري كرّر عرض شروطه القاضية بتشكيل حكومة من المستقلين، لا يشترك فيها أي من الأحزاب بما فيها "حزب الله" كي تتمكّن من تأمين انفتاح المجتمع الدولي على البلد لمساعدته في مواجهة الانحدار السريع في أوضاعه.

لكن أمام خيار من هذا النوع، يقف عائق أساسي هو رفضه من قبل الرئيس عون لأنه يعيد الحريري إلى الحكم ويبقي باسيل خارجه، الأمر الذي يشكّل حجةً لـ"حزب الله" كي يتجنّب هذه الصيغة التي تلبّي شرط واشنطن بإبعاده، فـ"الحزب" نفسه قد يفضّل بقاء الحكومة المطواعة في ظروف المواجهة مع الإدارة الأميركية على أن يتسبّب بخلاف كبير مع عون. وتقول الأوساط التي تلمح إلى هذه المعطيات، إن هذا ما يفسر قول الحريري الخميس الماضي إنه لا يفكر ولا يريد العودة إلى رئاسة الحكومة.
في هذا الخضمّ، تكثّف تحرك السفراء العرب والخليجيين على أنه استطلاع لما يجري في العمق ومواكبته. فإذا كان من تغيير حكومي في لبنان، وهو أمر مستبعد حتى اللحظة، فإنه سيأتي نتيجة تفاهمات خارجية أيضاً.

المزيد من العالم العربي