Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فورة "اكتشاف" العنصرية ضد السود قد تليها عودة إلى اللامبالاة

وصلت إلى 14 مليون تعليق شبكي في ليلة لكن لا داعي لاستعجال الفرح!

في لحظة متألقة اكتشف المجتمع العالمي شدة تغلغل العنصرية فيه (ديوككرونيكل.نت)

تنشط ريانا وولكوت في مجال مكافحة العنصرية منذ سنوات. وبصفتها مؤسسة شريكة في "مشروع حسر" (Project Myopia) الهادف إلى تنويع المناهج الجامعيّة وباحثة نسويّة من العرق الأسود، دأبت منذ زمنٍ طويل على تثقيف الأجيال المتعاقبة في العنصرية والحركات المناهضة للسود في المجتمع. لكن في غضون الشّهر المنصرم – أيّ منذ مقتل جورج فلويد واندلاع احتجاجات "حياة السّود تهم" حول العالم – الذي قد يبدو (من الخارج) وبنظر بعض المدرّسين أمثالها إنجازاً خارقاً، استنزفت وولكوت كلّ قواها لتُشارك في النّقاشات الدّائرة عبر الإنترنت.

وهذه ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها وولكوت، كما العديد من أصحاب البشرة السّوداء، مثل هذه الأحداث والأحاديث. "هناك شعور فظيع من حتمية انتهاء احتجاجات ]"حياة السّود تهُم"[ على هوى سابقاتها. وبصريح العبارة، هذه اللحظة تُقلقني جداً إذ قد تتطلّب منّي مجهوداً إضافياً"، تقول وولكوت للاندبندنت، "نحن نعلم أنّ الناس لن يلتفتوا إلينا إلا قليلاً وسرعان ما سيعودون إلى حالة اللااهتمام التي لطالما عاشوا فيها؛ ومتى حصل ذلك، لن يكون أمامنا سوى أن ]نحاول[ حثّهم على مراعاتنا من جديد".

وقد كانت الأسابيع القليلة الماضية صعبة على نحو خاص على ذوي البشرة السّوداء. فخلالها، وُوجهوا بحقيقة كونهم أكثر عرضة للوفاة بعدوى فيروس كورونا بواقع أربعة أضعاف من ذوي البشرة البيضاء؛ واستمرّوا في حزنهم على ضحايا العنف الذي تمارسه السّلطات الأميركيّة على أصحاب البشرة السّوداء، أمثال فلويد وبريونا تايلور؛ وتناقشوا مع رئيس الوزراء جونسون في عمق الوجود العنصري في المجتمع البريطاني. ويرى المؤرخ جايد بنتيل أنّ المعاداة المستمرّة للسود هي "الإطار الذي يُمكننا بواسطته أن نفهم واقع المجتمعات وتمحورها حول أصحاب البشرة السوداء الذين يعيشون تحت هاجس الموت"؛ فالعالم الذي نعرفه يدور فعلياً حول الاتجاه التعصبي العدائيّ ضدّ السود ويؤثر عميقاً في تفاصيل حياتنا اليوميّة.

وكأنّ صدمة استيعاب كلّ هذا وحدها لا تكفي، يجد أصحاب البشرة السّوداء أنفسهم مجبرين على مشاهدة غير السّود في طور "اكتشافهم" للتمييز العنصري الممارس ضدّهم، بعضهم للمرة الأولى على ما يبدو.

فهذه الحاجة الملحة لنشر الاكتشاف الجديد هي التي دحضت نشر المربعات السّوداء على "إنستغرام" تحت راية #BlackOutTuesday وهي التي فرضت سيطرتها على هاشتاغ #حياة السّود تهُم وهي التي أطاحت موارد المنظّمين السّود، إلى جانب النماذج النصيّة المتداولة لكيفية التّحدّث إلى أصحاب البشرة السّوداء في هذه الأوقات. تصوّروا أنّ العديد منّا تلقّوا رسائل تسجيل دخول من غير السّود – بعضهم لم نتحدث إليه منذ سنوات وبعضهم الآخر لم نتحدّث إليه قط – الذين يبحثون عن وسيلة يُكفّرون بها عن ذنوبهم أو يُطلعوننا من خلالها على المبالغ التي يتبرعون بها لصناديق الكفالة أو يسألوننا بواسطتها عن توصيات وقوائم قراءات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وبين ليلةٍ وضحاها، تحوّل المبدعون بيننا إلى محطّ إشارة في كلّ مقال وكلّ تعليق بعنوان "10 شخصيات سوداء لا بدّ أن تتبعوها"؛ وقد نتج من هذه الإشارات جحافل من المتابعين البيض الذين رأوا في كلّ واحدٍ فيهم مصدر إلهام. تزامناً، شهدنا في الوقت الحقيقي على تطوير المنظمات والماركات التجارية العريقة لإستراتيجياتها الرّامية إلى إبراز مساندتها اليائسة للمجتمعات والأصوات السّود؛ على أساس أنّ التّصادق مع "حياة السّود تهُم" هو الموضة الجديدة.

لكن في خضمّ كلّ هذه اللحظات والمناشدات التي ينبغي لغير السّود دعمها والتّدريب عليها والتّحلي بالصّبر لاستيعابها – أين المبادئ التوجيهية التي يُفترض بذوي البشرة السوداء اعتمادها في وجه التداعيات العاطفية والفكرية المحتملة للاهتمام المفاجئ بحياتنا؟ وأين دليل التّعامل مع الواقع القائل إنّ هذه الحاجة الملحة ستختفي من دون شك فور مرور "اللحظة"؟

فمنذ منتصف مايو (أيار) والطّلبات لإجراء مقابلات وإعداد برامج بودكاست وتقديم استشارات عامة – مجانية في غالبيتها، تنهال على الناشطين مثل وولكوت: "من الممكن أن تردك رسالة نصيّة خاصة من قبيل "لا شك في أنك مشغولة ومرهقة، ولكنني سأطلب منك هذا الطّلب في كلّ الأحوال" أو "لا بدّ أنك مشغولة، لكن هل لديك بعض الوقت لإجراء مكالمةٍ هاتفيّة؟" من الممكن أن نتكلّم في أغسطس (آب) ومن الممكن أن نتكلّم في أكتوبر(تشرين الأول) – لكننا سنظلّ أبداً ذوي البشرة السوداء في الأوساط الطبية والأكاديمية، فما حاجتنا للكلام الآن؟ هل عليّ أن أُخلي جدول أعمالي لأنك قررت توّاً أنّ العنصرية مسألة مهمة؟"

وبرأي وولكوت، يواجه أصحاب البشرة السّوداء حالياً أكثر من جائحة وهذا الاندفاع المذعور لتقديم الدّعم لهم والوقوف إلى جانبهم هو أكبر دليل على أنّ التطرق إلى أكثر من شكل لمعاداة السود غير ممكن في وقتٍ واحد: "لا العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء ستزول ولا فيروس كوفيد-19 سيزول؛ ولهذا السبب، يُقلقني توقّف الناس عن الكلام عن تأثر ذوي البشرة السّوداء بالجائحة أكثر من غيرهم. فهم يتكلمون عن العنصرية كما لو أنّ لها وجهاً مهماً واحداً، وهذا الوجه هو فظاظة الشرطة. أما وجوه التّمييز الأخرى، فلا أهمية لها بالنسبة إليهم مع انتفاء قدرتهم على النظر إليها بشموليّة".

وفي السياق ذاته، يؤكّد لي تشامبرز، وهو طبيب نفساني واستشاري في الرّفاه النّفسي، أنّ هذه الصدمة متعددة الطبقات تؤثّر في الصّحة العقلية والعاطفية لأصحاب البشرة السوداء "ولو اعتبرنا أنّ أزمة الصّحة النفسية التي يتوقعها العالم عمّا قريب ناجمة عن كوفيد-19 وحده، فاعلموا أنّ الضّغط المتعاظم للتعامل مع العنصرية هو بحدّ ذاته حمل ثقيل يصعب تحمّله. لكلّ واحدٍ منا تجاربه الشّخصية مع العنصرية والوضع الراهن يُعيد فتح جراح التّجارب الماضية"، على حدّ تعبير تشامبرز.

وما قد يزيد الاستنزاف العاطفي سوءاً وبلّةً هو انتماء الشخص منا إلى ذوي البشرة السوداء ونشاطه الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي واطلاعه الكبير على حالة "اليقظة" المؤقتة التي ألمّت بغير السود وحفّزتهم على التصدي للتمييز العنصري من دون أي معرفة مسبقة بالناقشات والحوارات الطويلة التي خاضها أصحاب القضية على مرّ التّاريخ.

ويضيف تشامبرز: يتضاءل "]الالتزام الحقيقي[ أمام العدد الهائل من غير السّود الذين قرروا الإعلان فجأة عن تعاطفهم ووعيهم الذاتي الزائد عن حدّه بقضايا الملوّنين. فهؤلاء يُسيطرون اليوم على النقاشات، ضاربين عرض الحائط بالناشطين والناس الذين يعيشون القضية، مع أنّ استنارتهم المفاجئة لا توائم أفعالهم وأسلوب عيشهم".

ويوضّح الاستشاري والمعالج النّفسي ريتشارد ستيفنسون أنّ الضغط الممارس على ذوي البشرة السّوداء في هذه الأوقات المليئة بالاضطرابات لا يُلقي بثقله على المجتمع ككلّ، بل على كلّ فردٍ من أفراده على حدة، إذ يُتوقع من الناس اتخاذ قرارات مستقلة في كيفية تحمّل الأضواء: "يمكن لعملية تفكير مشتركة (وإن غير واعية) أن تشمل الآتي: "في داخلي صراعٌ كبير: جزء منّي يريد أن يمضي قدماً فيما الزّخم هنا، وجزء آخر يريد لكلّ شيء أن يمسي طيّ النسيان بسبب خوفي من التهميش والرفض المحتمل".

وبالنسبة إلى العاملين غير المستقرين والموظفين المستقلّين، فقد يشعرون بأنّ العبء الإضافي للاستقرار المالي ومدى ارتباطه بالالتزام، هو الخيار الحقيقي الوحيد أمامهم. لكن كما تقول وولكوت، يُمكن للاهتمام الزائد في هذه المرحلة أن يضرّ أكثر مما ينفع: "أعتقد أنّه من المستحيل لأيّ أحد يعمل في هذا المجال على مدار السنة أن ينخرط في نقاشات فعالة. واللحظة الحالية لا تخصّنا إنّما تخصّ البيض الذين يشعرون بالارتياح لعلمهم بالقليل".

ومع الوقت، ستنتهي النّقاشات ويتلاشى كل أثر للتغريدات والتّعلقيات الدّاعمة لذوي البشرة السوداء وتعود الأمور إلى مجاريها الطّبيعية. "أحاول فصل نفسي عما يجري كي أحميها من الأذى الحتميّ الذي سيُصيبها بعد مرور هذه المرحلة، إذ إنّ أقل ما يقال فيها إنها: مؤذية"، تقول وولكوت، "وها قد بدأنا نشهد بالفعل انحراف النقاش عن مساره، حيث باتت محاولة أحدهم التّطرق إلى المسائل الخاصة بذوي البشرة السّوداء في غير محلها، مع أنّ هذه الأخيرة جامعة وواسعة الانتشار".

وفي حديثها، تسلّط وولكوت الضوء على عبارة "إعياء التّحالف" التي تُستخدم مبدئياً لوصف "الشعور بالتعب والإرهاق من المشاعر التي تصاحب عمل الحليف" قائلةً: "من المذهل كيف ارتبطت مثل هذه العبارات بحتمية توقف غير السّود عن الاهتمام بقضيتنا".

ومن أجل مواجهة التّداعيات الفكريّة والعاطفية لمجريات اليوم، يشدّد كلّ من تشامبرز وستيفنسون على أهمية حصول الواحد منّا على مساعدة محترفة، لو أمكن، والتواصل مع معالجين نفسيين من ذوي البشرة السوداء؛ فمشاريع على غرار "العقول السّود تهم" (Black Minds Matter UK) و"صندوق العلاج للمثليّات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسية”( (LGBTQIA+ Therapy Fund موجودة لتأمين خدمات الصحة العقلية لأصحاب البشرة السوداء.

وإلى جانب التأمل والتّمارين وتمضية أوقات على الإنترنت، يعتقد تشامبرز أنّه يجدر بنا، فوق كلّ شيء، الاختلاط بأقراننا السود بدل عزل أنفسنا عاطفياً: "تواصلوا مع جهات تفهمكم وتستوعب قلقكم. اعثروا على مساحات آمنة للتنفيس عن مشاعركم... لنفعل ما علينا فعله لنحافظ على سلامتنا".

لا خلاف على أنّ أصحاب البشرة السوداء يرزحون تحت ثقل الضغط الذي يفرضه التّعليم المناهض للعنصرية على مدار السنة، لكنّ الأوقات الحالية – المشحونة بأعمال عنف ضدّ المجتمعات السود التي تعجز الدولة عن حمايتها – قد تكون مرهقة بشكلٍ خاص. وصحيح أنّ دعم الأعراق المختلفة للسود قيمة نفيسة، لكنه لا يعني الكثير عندما يكون هناك ضغط إضافي على أصوات سوداء منهكة أو استغلال مؤقت للقضية.

© The Independent

المزيد من تحلیل