Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشويق ورعب على نتفليكس يطرحان أزمة السينما التجارية

رواج النموذج البوليوودي يبرز مأزق الصناعة السينمائية المصرية

مشهد من فيلم "يجب عليك الرحيل" (نتفليكس)

تُعد السينما أكثر الفنون ارتباطاً بمفهوم الصناعة؛ فمنذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر وهي تعتمد على عدة عناصر مجتمعة، أولها الآلة "الكاميرا ومعدات التصوير وخلافه"، ثم العنصر البشري من ممثلين أو فنيين. ومن هنا تشعب من هذا الفن الحديث العديد من التخصصات المختلفة في ما بعد؛ كعنصري الإنتاج أو التوزيع – وقد يخرج هدفهما عن الإطار الفني قليلاً - فاستلزم ذلك التعامل مع تلك "السلعة الفنية" وفق شروط التسويق التجاري وقانون العرض والطلب.

خلال رحلة الفن السينمائي خرجت العديد من التصنيفات التقييمية للأفلام؛ كالسينما النظيفة والسينما الجادة أو الهادفة، والسينما التجارية التي انقسمت الآراء حولها لفريقين؛ الفريق الأول وجد أنها مجرد توليفة تعمل بغرض الربح وتُخاطب أحلام ورغبات الجمهور على عدة مستويات منها الإبهار بالمؤثرات المختلفة والتي حققت خطوات ناجحة بتطور التكنولوجيا السمعية والبصرية وانصهارها مع الفن السينمائي، كما استخدمت هذه السينما العديد من نجوم الصف الأول ممن يحظون بحضور جماهيري عالمي.

أما الفريق الآخر فتعامل مع هذه المعادلة بالقدر الذي استطاعت تحقيقه من مستهدفها في الانتشار والوجود؛ فوزعت هذه الأفلام توزيعاً مثالياً على مستوى العالم بمختلف ثقافاته وجنسياته، وبالتالي حققت إيرادات طائلة في اختبار شباك التذاكر، كما حصل العديد منها على جوائز عالمية كالأوسكار وغيرها، حتى وإن لم تقدم سوى حالة المتعة فقط؛ لا سيما أن تلك المتعة تعتبر في حد ذاتها أحد مستهدفات الفن في العموم.

هوليوود وبوليوود

يمكننا وضع التجربة الأميركية (الهوليودية) مع التجربة الهندية (البوليودية) كوجهي عملة للسينما التجارية العالمية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الحكم ليس شمولياً على كلتيهما ولكن سمات التجربتين احتلت الصدارة في المشهد السينمائي العالمي، وبقيت لعقود طويلة قادرة على تحقيق الانتشار الدولي وجني الملايين، حتى خرجت تندرات من قبيل أن الاقتصاد الهندي الحديث قائم على أفلام "أميتاب باتشان"!.

اللافت للنظر في هذه السينما أنها ما زالت قادرة على حشد الجماهير بتطوير أدواتها كي تتماشى مع أدوات العصر الحديث، فثمة وعي جمعي جديد نشأ من خلال السوشيال ميديا، أصبحت قوانينه مختلفة عن مفهوم الوعي العام قديماً؛ وكان لزاماً في هذه الحال أن يُغير طهاة الوجبة القديمة الخلطة ويعدلون فيها بشتى الإضافات الحديثة (مؤثرات 3D. خدع حية. دراما الإثارة...)، وكلما ازدادت التتبيلات لذت الطبخة الفنية، وهنا يجب الوقوف عند كلمة "الفنية" قليلاً؛ حيث حرص صُناع هذه السينما على أن تحشد أكبر قدر ممكن من شغف أو استحسان الُمشاهد، مهما اختلفت عقليته، لذلك فثمة مساحة ثقافية وفنية لا تخلو منها تلك الطبخة الأجنبية، والتي تصب في النهاية في مصلحة المستهدف التجاري الرئيسي من هذه الأعمال. مع مراعاة أننا لم نُطلق مفردة "طبخة" أو توليفة إلا على هذه السينما التجارية، فليست كل السينمات عبارة عن طبخات وتوليفات مجمعة، وليست كل الطبخات أيضاً تراعي شروط الغرض التجاري/الفني. فحين نعقد مقارنة صغيرة بين السينما التجارية العالمية والعربية –المصرية على سبيل المثال- سنجد العديد من الفروق الجوهرية التي تُلزمك كمنتج أو كجهة إنتاج في التعامل مع الفيلم بمفهوم صناعة المحتوى وليس قانون المقاولة.

في الشهور الأخيرة احتلت منصة "نتفليكس" المشهد العالمي هي ومثيلاتها كمتنفس وحيد لعرض الأفلام السينمائية بعد توقف الحياة عالمياً إثر كورونا، شاهدت أخيراً فيلمين أميركيين إنتاج هذا العام، وعلى رغم أنهما ينتميان لهذه السينما التجارية السالفة الذكر، ويصنفان كفليمي (إثارة ورعب)؛ إلا أنهما مثالان لطرح هذه الإشكالية، وفرصة لعقد مقارنة مع الإنتاج السينمائي التجاري المصري، وليس هناك داع للتأكيد على أن ذلك على سبيل المثال لا الحصر؛ فليست كل السينما العالمية التجارية بهذا التوازن، ولا يقف الإنتاج المصري حكراً على المقاولين فحسب.

"المزرعة السعيدة" والمفهوم الجديد

فيلم "الصيد - The Hunt" سيناريو مشترك لـ دامون ليندلوف، نيك كوز، وإخراج الممثل والمخرج الأميركي كريغ تسوبيل، تصنيف الفيلم (رعب وإثارة)، وفيه تتعرض مجموعة من الأفراد إلى القتل واحداً تلو الآخر، أثناء وجودهم في إحدى المزارع المجهولة بأميركا بعد اتفاق تم بينهم وبين مجموعة أخرى عن طريق الإنترنت للاشتراك في مسابقة صيد. إلى هنا، الأمر لا يخرج عن مجرد فيلم تجاري معتاد يداعب مشاعر المشاهد بمستويات من الإثارة البصرية الزاعقة من خلال رؤوس تنفجر وأجسام تحترق وأطراف تطير على خلفية مطاردة مستمرة، بمصاحبة المؤثرات السينمائية الهوليودية، يستمر ذلك حتى الثلث الأول من الفيلم حين يتفاجأ المتبقون من المجموعة الثانية بتواطؤ من حولهم وهو ما تكتشفه البطلة، الناجية الوحيدة "كريستيال-بيتي غيلين" من أقرب الأفراد من فريقها.

هنا يبدأ سياق الأحداث في استحضار رواية "مزرعة الحيوان" لجورج أوريل، ويؤكد ذلك بذكر بعض أسماء الشخصيات في الرواية الشهيرة ثم عنوانها الصريح الوارد ضمن حوارات شخصيات الفيلم. فنحن أمام تجربة سوداوية جديدة تطرح مفهوم السلطة الشمولية وتأثيرها في الوعي الجمعي، كل ما تم مجرد تغيير على مستوى المسميات؛ المزرعة الجديدة تختلف عن مزرعة أوريل فقد وصفت بالسعيدة. الأمر عند أورويل كان ثنائي القطب، وعياً جمعياً في مقابل سلطة شمولية، أما هنا، فيشتمل الفريقان على ظالم ومظلوم، جلاد وضحية –وقد يكون الاثنين معاً- ومكان الصراع هو العالم الافتراضي ومستوياته المتعددة من سوشيال ميديا ومواقع تواصل اجتماعي وما إلى ذلك.

يُلخص الفيلم أزمة صراع بين قطبي المعادلة الجديدين: السلطة الشمولية المكونة من الإعلام والطبقة البرجوازية التي تُسخر القوانين وتصنعها، وتُطبقها على القطب الآخر؛ الجمهور الشعبي الذي اقترب كثيراً بفعل الحداثة وما بعدها من هذه السلطة خلف قصورها، التي لم تعد شاهقة كما كانت. إذ إن الخفايا السياسية قديماً كانت أعقد بكثير، بينما الآن ليست هناك سلطة قادرة على الحجب المطلق وإن ظلت تتمسك بآخر نفوذ لها وفق المعطيات الجديدة بالتحكم الأيديولوجي غير المباشر.

"الجريمة والعقاب" عُقدة ذنب

 فيلم "كان يجب عليك الرحيل - You Should Have Left" سيناريو وإخراج الكاتب الأميركي "ديفيد كوب"، تصنيف الفيلم "رعب نفسي"، وفيه تذهب أسرة صغيرة مكونة من الأب والأم وطفلتهما لقضاء إجازة استرخاء في الريف في أحد المنازل المنعزلة يقومون بتأجيره عبر الإنترنت، وهناك يكونون على موعد مع مفاجآت متوالية في هذا البيت الملعون.   

يفُصح الفيلم عن مضمونه النفسي منذ المشاهد الأولى، مستحضراً روح "هيتشكوك" من أول لقطة من خلال ظل لشبح يتسلل ليلاً لحجرة الطفلة "أيلا" ويحاول إرهابها. أثناء ذلك يُحدثها عن اللعنة التي تصيب الإنسان جراء الخطيئة: "هل تعرفين شيئاً عن الخطيئة يا أيلا"، ثم يدعوها لسماع شيء مثير للاهتمام يتعلق بوالدها "اللعين"، الذي يقوم مفزوعاً من النوم ليتضح لنا أن كل ما شاهدناه للتو كان مجرد كابوس في نوم الأب.

رحلة الأب في الفيلم ليست في المنزل المستأجر لقضاء عطلة، بل داخل متاهاته النفسية غير المنتهية، فكلما فتح باباً أفضى به إلى أبواب أخرى كلها تتشعب إلى ما لا نهاية، هذه الحالة النفسية عقدة ذنب خلفتها جريمة قتل لا يعلمها سواه، وتظل تلاحقه طوال الفيلم في تماس مع حالة الصراع النفسي لـ "راسكولينكوف" بطل رواية "الجريمة والعقاب-لديستويفسكي".

من الساطور إلى السينما

في منتصف عقد الثمانينيات قام الأخوان محمد وأحمد السبكي بفتح محل لتوزيع شرائط الفيديو أعلى محل الجزارة لأبيهما في منطقة الدقي –أشهر محلات بيع اللحوم في مصر- وبعد فترة وجيزة تطور المشروع، وفي بداية التسعينيات كونا شركة إنتاج سينمائي، سرعان ما وجدت طريقها في السوق السينمائية.قامت الشركة خلال عقدها الأول بإنتاج أفلام لا تدعي العمق ولا تخلو من السطحية في الوقت نفسه، ثم بدأت مرحلة مختلفة بمعطيات جديدة تستهدف شباك التذاكر في المقام الأول. مهدت هذه المرحلة لارتفاع خرافي في أجور الممثلين، وبدأت بسلسلة من أفلام محمد سعد؛ "اللمبي"  و"عوكل" و"كركر".

هل بات من المستحيل أن يعي المنتجون أن هناك طُرقاً عدة يمكنهم بها موازنة المعادلة بين "شباك التذاكر" والقيمة الفنية؟ أليست لحرفة التجارة أصول تضمن استمرار إقبال العميل على "المنتج"، واستهداف فئات أخرى؟ اسألوا أهل التجارة إن كنتم لا تعلمون!

المزيد من سينما