Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القضاء الجزائري يسترجع أموالا وعقارات بحجم دول في قضايا فساد "العصابة"

تبون يعتمد المسار القانوني في "استعادة الممتلكات المنهوبة"

ارتبطت الأحكام القضائية الصادرة أخيراً في الجزائر بحق مسؤولين سابقين كبار ورجال أعمال من محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بقرار يقضي بـ"مصادرة جميع الممتلكات"، ونالت المحجوزات المُعلن عنها حصة كبيرة من تعليقات الجزائريين قياساً إلى حجمها الضخم.


خارج عن المعتاد

ولم يعتد القضاء الجزائري إصدار أحكام قاسية بالسجن مرفقة بقرارات مصادرة الممتلكات في معظم قضايا الفساد التي عالجها في العقود السابقة، لذلك لفتت أحكام محكمة الجنايات في سيدي امحمد انتباه المراقبين في الأيام القليلة الماضية، إثر صدور حكمين متتاليَين على اثنين من كبار رجال الأعمال اللذين رافقا نظام بوتفليقة منذ بدايته وحتى النهاية.

وأصدر قاضي محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، حيث حوكِم رجل الأعمال علي حداد، وقبله بيومين رجل الأعمال مراد عولمي، حكمَين بالسجن النافذ 18 و12 سنة على التوالي، مع "مصادرة جميع الممتلكات". وشمل قرار المصادرة أيضاً ممتلكات أفراد من عائلتيهما، إذ صودرت ممتلكات أشقاء حداد الأربعة، والأمر ذاته حدث مع مقربين عائليّاً من عولمي.


خطة رئاسية

وارتبطت الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بوعد "استرجاع الممتلكات المنهوبة". وروّج الرئيس للمشروع على رأس وعوده الانتخابية، بل وأعطى انطباعاً أنه على عِلم بطبيعة الممتلكات التي حصل عليها المقرَبون من بوتفليقة بطرق غير شرعية.

في بدايات حكمه، تسرّب الشك إلى نفوس كثيرين، اعتقاداً منهم أن تبون سيأمر القوة العمومية بمباشرة عملية استرجاع الممتلكات بقرارات رئاسية مباشرة، إلى درجة جعلت الوزير الأول (رئيس الحكومة) عبد العزيز جراد يواجه سيلاً من الأسئلة أمام البرلمان حول تاريخ بدء "عملية استرجاع ما نُهب".

في نهاية المطاف، كشفت رئاسة الجمهورية عن "خطة تبون" على لسان الوزير المستشار الناطق الرسمي باسمها، محند السعيد أوبلعيد، الذي قال في أبريل (نيسان) الماضي، إن "العملية ستُجرى عبر القضاء، وبعد صدور أحكام نهائية".

وذكر القاضي السابق، المحامي تهامي بن علي لـ"اندبندنت عربية" أن "القضاء الجزائري اعتمد الطريقة القانونية وفقاً للمسار المتعارف عليه في استصدار أحكام بمصادرة الممتلكات. التحرّك الأمني مبنيٌّ على تقارير الضابطة القضائية التي أجرت جرداً للممتلكات خلال عام 2019".

وأضاف، "السلطة التي قادت الجزائر في الفترة المؤقتة ما بين استقالة بوتفليقة وانتخاب تبون عيّنت متصرفين إداريين لنحو عشرة مجمعات مالية كبرى، ومهمّاتهم مستمرة إلى اليوم. كانت تلك فكرة متقدمة (منذ يونيو 2019) في إحاطة الممتلكات بأعين متصرفين يتبعون الحكومة لمنع التصرّف بها".


عقارات بحجم دول

في أثناء محاكمة قائد جهاز الشرطة السابق، الجنرال عبد الغني هامل، تبيّن أن المسؤول السابق لم يكن يعلم شيئاً عن عشرات العقارات المسجَّلة باسمه في محافظات عدة، كما واجه القاضي، هامل بعشرات الحسابات المصرفية والشقق والفيلات والأراضي التي حصل عليها هو شخصيّاً أو أحد أفراد عائلته.

وعرض القاضي، الذي ترأس جلسة محاكمة رجل الأعمال مراد عولمي، قائمة بنحو 24 قطعة أرض وقصور فاخرة وحسابات مصرفية بالمليارات سُجِّلت باسم رجل الأعمال الذي حصل على عقد شراكة مع شركة "فولكسفاغن" الألمانية لتركيب سيارات هذه العلامة في الجزائر، إلى درجة جعلت من وسم "ممتلكات عولمي أكبر من مساحة دولة البحرين" يتصدّر مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد.

ولم تكن ممتلكات رجل الأعمال علي حداد أقل من صديقه عولمي، إذ شملت حسابات بنكية وعقارات في الداخل والخارج وأراضي في نحو 38 محافظة جزائرية، بينما جرى تعداد نحو 125 صفقة، حصل عليها الرجل بطرق غير قانونية، وإبراز استفادته من 452 قرضاً بطرق غير شرعية، إضافة إلى امتلاكه عقارات في الخارج تشمل "فندقاً فخماً ببرشلونة الإسبانية، جرى شراؤه في عام 2011 بقيمة 54 مليون يورو على أساس تحويل مالي مشبوه تمّ انطلاقاً من الجزائر".

وشرع القضاء بشكل فعلي في مصادرة ممتلكات عدد كبير من الوزراء السابقين، من بينهم أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، كما باشر بمصادرة ممتلكات وزير الدفاع السابق خالد نزار (هارب من العدالة، ومُلاحق بموجب مذكرة بحث دولية صدرت عن محكمة عسكرية). وتتسع القائمة لتشمل مشاهير ورياضيين استفادوا من عقارات من دون استغلالها على الرغم من وجود شروط استغلال مقيدة بفترة زمنية قصيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


آلية للتصرف بالأموال المنهوبة

في هذا الخصوص يذكر المحامي عمار خبابة أنه "لا يوجد إشكال بخصوص مصادرة الأملاك الموجودة داخل الجزائر، فالأموال المحجوزة على مستوى العدالة ستصبح ملكاً للخزانة العامة. الإشكال سيكون بالنسبة إلى الأموال في الخارج بما أنها تخضع لآليات واتفاقات دولية".

وعبّر خبابة عن اعتقاده بأن التصرّف في الممتلكات المسترجعة يستوجب إنشاء "آلية مستقلة قائمة بذاتها تابعة إلى الوزير الأول أو وزير المالية، لمتابعة هذا الملف المتعلِق باسترجاع الأموال المنهوبة والسهر على تنفيذه سواء في الداخل أو الخارج، وتقديم التقرير إلى الرأي العام".

العلاقات الدولية بمعيار التعاون

وما زال أمام السلطات الجزائرية الكثير لإنجازه، أملاً في تحصيل الأموال المهرّبة إلى الخارج، ويبدو هذا المسار قانونياً صرفاً، لكنه في أحيان كثيرة يخضع لتقديرات سياسية ودبلوماسية. وعلى هذا الأساس خاض الرئيس الجزائري في هذه المسألة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في آخر اتصال هاتفي جرى بينهما، على اعتبار أن فرنسا هي البلد الذي يسجِّل أكثر العقارات والحسابات باسم رجال النظام السابق.

وأفضى الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، أولاً إلى إقرار فرنسا بحق تاريخي للجزائر بإعادة 24 رُفاتاً لـ"شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية" (وصلت صباح الجمعة الثالث من يوليو الحالي)، وثانياً جرى إقرار تعاون وفق إنابات قضائية، سيُجرى ترسيمها في اجتماع للجنة المشتركة على مستوى رئيسي الحكومتين.

وبدأت الجزائر، الخميس الثاني من يوليو (تموز)، التحقيق في قضية مصفاة النفط "أوغيستا" بإيطاليا، التي أخذتها الجزائر عام 2018 من "إيكسون موبيل" في صفقة مشبوهة بقيمة ملياري يورو، وهي قضية جديدة تتطلب تعاوناً دوليّاً مع إيطاليا ولبنان.

وأعلن القضاء الجزائري إيداع نائب الرئيس المدير العام الأسبق لمؤسسة النفط الحكومية "سوناطراك" أحمد الهاشمي مازيغي الحبس المؤقت في سجن الحراش، مع إصدار أمر توقيف دولي ضد مدير المؤسسة السابق عبد المؤمن ولد قدور، الذي تتهمه الجزائر بالوقوف وراء صفقة مشبوهة، تفجّرت أخيراً في لبنان تحت عنوان "الوقود المغشوش".

المزيد من العالم العربي