Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المدينة المحرمة: داخل مركز قيادة نازي في ألمانيا

مخيّم عسكري شكّل مأوى لأربعين ألف جندي في السابق لم يتمّ المساس به لأكثر من 20 عاماً بعد مغادرة القوات الروسيّة

داخل "المدينة المحرّمة" في ألمانيا (أ.ب.)

يختبىء مجمّع عسكري مهجور ضخم شكّل في الماضي مقرّاً للنازيين وتلاهم السوفييت داخل غابة صنوبر مسيّجة في شرقي ألمانيا. ولكن رجلاً واحداً يبقي الذكريات حيّة.

يسحق "وارنر بورشرت" سيجارة بحذائه الجلديّ، يقفل سحّاب سترته ويفتح باباً يتآكل من الصدأ يحمل لوحة كُتب عليها "ممنوع الدخول". ولكنّه يدخل في كلّ الأحوال.

يطأ بورشرت قلب المدينة المحرّمة في حيّ وانسدورف في زوسن التي تقع على بعد 25 ميلاً جنوبي برلين.

يقول بورشرت البالغ من العمر 67 عاماً والذي يقدّم جولاتٍ في "هوس دير اوفيزير" (Haus der Offiziere) أو مجمّع الضبّاط: "القيصر وهتلر والسوفييت، كلّهم كانوا نشيطين عسكرياً هنا، الواحد تلو الآخر".

ينقر مفتاح الضوء في الظلام لتشغيل مصابيح الفلورسنت الباردة التي تضيء الممرات التي تبدو لامتناهية مع عدد كبير من الغرف المتفرّعة يميناً ويساراً.

وشكّل المجمّع الذي تمّ تدشينه عام 1916 مسكناً لجيش القيصر الألماني فيلهلم الثاني، كما كان مركز القيادة العسكرية النازية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها مقرّ القيادة العسكرية العليا السوفييتية لألمانيا الشرقية خلال الحرب الباردة.

أردف بورشرت، وهو الذي نشأ في المنطقة، قائلاً خلال إحدى الجولات: "كانت موسكو مصغّرة على أرضٍ ألمانية". كان هنالك مسرحاً ومتحفاً ومرافق تسوق وحمام سباحة والعديد من الثكنات للجنود البالغ عددهم أربعين ألفاً تقريباً كانوا متمركزين هنا. "شكّل المركز الثقافي للجيش السوفييتي في ألمانيا".

 

عام 1994، أي بعد مرور أعوام عدّة على سقوط الستار الحديدي وإعادة توحيد ألمانيا وانهيار الاتحاد السوفييتي، غادر آخر الجنود الروس المجمّع الممتدّ على مساحة 2,3 ميلاً مربعاً والواقع ضمن جدارٍ صلب بطول 10,5 ميلاً.

حالياً تقوم ولاية براندنبورغ بإدارة المجمّع ولكن لم يتمّ استثمار أيّ أموالٍ أو إيجاد أيّ مالكٍ جديد. وقد ألحقت الأضرار الناجمة عن الزمن آثاراً فادحة به.

فطبقة الجصّ الصفراء الباهتة تتهاوى عن الواجهة والنوافذ مكسورة وتتدلّى علبة الصمامات الكهربائية من الحائط كما أنّ مخلفات الحيوانات البريّة كالدلق موجودة على الأرضيات التي يغمرها الغبار.

اتّخذت المدينة المحرّمة اسمها خلال الفترة السوفييتية لأنّه نادراً ما كان يُسمح للمواطنين الألمان بدخولها. واليوم، يُمنع عموم الناس من دخول الموقع مع أنّه بالإمكان القيام بحجز جولة مع مجموعة بورشرت.

تستذكر بعض الغرف الخالية داخل مجمّع الضباط المكوّن من ثلاثة طوابق سنوات المجد التي عاشتها السلطة السوفييتية في ألمانيا الشرقية.

وتحتفي لوحة جداريّة واحدة بالشيوعية إذ تظهر محطة طاقة كهرومائية وعمّال مفتولو العضلات يقودون الجرارات. خارج بوابة مدخل المبنى الرئيسي، وما زال تمثال ضخم لرمز الثورة الشيوعية الروسية فلاديمير لينين صامداً.

يقصد وانسدورف حوالي عشرين ألف زائر سنوياً للتعرّف على تاريخ المدينة العسكرية. إلى جانب المدينة المحرمة، وما زالت المنطقة تملك آثاراً لحكم الرايخ الثالث النازي، بما في ذلك نظاماً متقناً وسرياً من المخابىء.

وبنى النازيون المنازل الريفية المزيفة التي عُرفت باسم مايباخ واحد ومايباخ اثنين من الصلب الذي كان من المفترض أن يخفي المخابىء تحت الأرض والتي أوت القيادات العليا للقوات العسكرية والجيش. في ذلك المكان جرى تطوير معظم التخطيط للحرب العالمية الثانية.

وقام السوفييت بتدمير قسم كبير من مجمّع مايباخ عقب نهاية الحرب، غير أنّه ما زال بالإمكان الوصول إلى مخبأ تحت الأرض الذي يُعرف بإسم "زيبلين"  (Zeppelin) والذي لعب دور مركز اتصالات.

كما يشكّل المجمّع موطناً للعديد من المخابىء الجويّة الواقعة فوق الأرض والتي يُطلق عليها إسم "سبيتزبونكر" (Spitzbunker)، ونادراً ما تمّ استخدامها ولكنها جذبت الهواة العسكريين إلى المنطقة.

وتقول سيلفيا رادماشير وهي مرشدة سياحية أخرى في معرض حديثها عن مخبأ زيبلين: "كان هذا سرياً بالفعل خلال العصور النازية. عرف الأشخاص الذين عاشوا هنا أنّه ارتبط بالجيش، ولكنهم لم يعرفوا مزيداً من التفاصيل." وتضيف قائلةً: "في ظلّ الروس، كان ذلك سرياً أو خارج حدود الدولة كما يمكن تسميته، فقد كانت الحدود الألمانية تنتهي عند الجدران"، مردفةً أنّ السوفييت أيضاً استخدموا المخبأ لأغراض التواصل خلال الحرب الباردة.

ولدى سؤالها عمّا يعنيه تاريخ وانسدورف بالنسبة إليها شخصياً، تصمت رادماشير لبرهة وتنظر إلى مخابىء مايباخ المدمّرة ثمّ تقول: "بالنسبة إليّ، إنّه نصب تذكاري، بمثابة تحذير أنّه يتوجّب على المرء أن يعلّم الأصغر سناً بضرورة عدم تكرار هذا مجدداً."

(أسوشييتد بريس)

© The Independent

المزيد من دوليات