Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفكيك دولة "الاخوان" في السودان كاف لإنهاء التطرف؟

فقدت الحركة الإسلامية في الخرطوم الرؤية والمقدرة والتنظيم

من تظاهرات 30 يونيو الأخيرة في الخرطوم (رويترز)

تختلف آراء مسؤولين وسياسيين سودانيين حول الإجراءات والآليات التي تتبعها الحكومة السودانية ممثلة في لجنة إزالة التمكين، لتفكيك الدولة العميقة للنظام السابق، وإنهاء أعمال التطرف الديني الذي كان يمارسه هذا النظام، ما أدى إلى وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب. فبينما يرى فريق أن هناك عملاً دؤوباً يجري لتجفيف مصادر وموارد أي عمل إرهابي يمكن أن يحدث، أكد آخرون أن تلك الإجراءات غير كافية لتفكيك هذا التنظيم، ناهيك عن بطئها، وأنه لا بد من إيجاد آليات فاعلة للقضاء على ما يحيط بالبلاد من مخاطر من خلال إبعاد العناصر المحسوبة على نظام البشير من دائرة صنع القرار.

لكنهم في المقابل، يشيرون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن الحركة الإسلامية في السودان فقدت الرؤية والمقدرة والتنظيم، وتبقى لها وجودها الفرضي في المجالين العسكري والاقتصادي، نظراً إلى تفشي الفساد المالي بين أفرادها، فضلاً عن أنها ما عادت ذات صفة أيدولوجية.

دعم لوجستي

يقول المتحدث الرسمي باسم لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال في السودان صلاح مناع "بدأت اللجنة عملاً دؤوباً، وقوياً جداً، لتفكيك الدولة العميقة للنظام السابق، لتجفيف مواردها ومنع تحركاتها وأي عمل إرهابي يمكن أن تقوم به داخل البلاد وخارجها، بخاصة أن لها ارتباطاً وثيقاً بالنظام العالمي للإخوان المسلمين الذي يتخذ من تركيا وقطر مقراً له، فضلاً عن إغلاق المنظمات التابعة لهذا النظام التي كانت ظاهرياً مسجلة في مجال العمل الدعوي، وفعلياً تغذي وتموّل الأنشطة الإرهابية، وكذلك القيام بحلها وتفكيكها، لمنع تدفق الأموال عبرها، والحد من حركتهم".

وأضاف "للأسف لا يدرك العالم الدور الذي تقوم به هذه اللجنة، وخطورة الأعمال التي كانت تمارسها الدولة العميقة في السودان وعناصرها والمتحالفون معها في الخارج، حيث كانت توفر لهم الدعم اللوجستي، وجوازات السفر، والأسلحة، فقد كانت كل تحركات الجماعات الإسلامية تنطلق من السودان في ذلك الوقت، لذلك نحن كلجنة نقوم بتفكيك أخطر منظومة إرهابية متداخلة ومتشابكة مع بعضها بعضاً، لكن القضاء عليها بشكل تام يحتاج إلى وقت وجهد وعزيمة".

ولفت صلاح مناع إلى أن اللجنة تقوم بهذا الجهد الكبير بإمكانيات متواضعة، وليس لديها تعاون مع أي جهة أو منظمة في الخارج، على الرغم من أن العديد من دول العالم تضررت من هذا النظام.

وتابع "عندما شعر عناصر هذا النظام بما حققته اللجنة من نتائج لامست مصالحهم، فكروا في التخطيط لإيقاف عمل اللجنة بكل السبل، وكان آخرها مخطط لحرق مقر اللجنة بواسطة 50 عبوة ناسفة ضبطت قبل انطلاق مسيرة 30 يونيو (حزيران) الماضي، فكانوا يريدون قيادة البلد الى حرب أهلية باستخدام إمكانات الدولة التي ما زالت في أيديهم، منها 7 آلاف سيارة لم تتمكن اللجنة من وضع يدها عليها، لكن نجاح المسيرة المليونية جعلهم يتراجعون ويعيدون حساباتهم".

 ويشير المتحدث الرسمي باسم لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال في السودان، إلى أن اللجنة تعمل في ظروف معقدة جداً، بخاصة من ناحية تعاون القوات النظامية في مسألة المداهمات الأمنية لأوكار هذا النظام، على الرغم من أن هناك شراكة بين العسكريين والمدنيين، لكن لأول مرة يصدر قرار بتخصيص قوة نظامية للعمل مع اللجنة في تنفيذ مهامها، وهو ما يتوقع أن يكون له أثر إيجابي في تسريع وإنجاز أعمال ومهام اللجنة بالصورة المطلوبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

بطء التفكيك

وفي سياق متصل، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور الحاج حمد "في نظري أن ما قامت به لجنة إزالة التمكين وتفكيك دولة الإنقاذ، في الجانب الاقتصادي لم يتم بشكل كبير، فقد كان عملاً إعلامياً أكثر منه حقيقياً، إذ ركز على فساد رموز النظام السابق في مجال العقارات، في حين كان التفكيك بطيئاً في مجال المصارف الذي ما زال يسيطر عليه عناصر النظام السابق، من الناحية الإدارية والسياسات المتبعة، ولم يتم استرداد أموال هذه المصارف التي حصل عليها المتنفذون ودولتهم الموازية بطرق غير شرعية وهي أموال ضخمة تعمل الآن في أسواق محددة، حيث يشكلون مافيا وما حدث في قضية الدواء ومحاولات عزل وزير الصحة تصب في هذا الاتجاه، فضلاً عن مشروع التمويل الأصغر الذي يمتلكه أغلب عناصر هذا التنظيم، ما يشير إلى أن استمراريته يعني وجود طبقة وسطى تتطلب التفكيك من خلال إيجاد طبقة وسطى موازية".

ويضيف "تتطلب مسألة تفكيك منظومة نظام البشير أيضاً تتبع ما حدث من تعيينات في المجالات العسكرية والمدنية خلال الـ 30 سنة الماضية، لما حدث فيها من تخطٍ للهيكل الوظيفي وتدخّل فاضح ومستفز، أدى إلى حرمان كثيرين من أبناء هذا الوطن من استحقاقاتهم الوظيفية، ما أحدث فقدان توازن مهنياً ومناطقياً وجهوياً، وهذا عمل خطير جداً، لأن ولاء هؤلاء الأشخاص سيكون للتنظيم وليس للوطن، ما أدى إلى ارتكاب جرائم قادت إلى وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن الآن العسكريين سواء في مجلس السيادة وغيره وعوا الدرس تماماً بعد مسيرة 30 يونيو التي حسمت الموقف وأنهت التمكين السياسي في القوات النظامية".

وفي ما يتعلق بالتربية الأيديولوجية، يوضح حمد أنها انتهت منذ زمن بعيد، و"ما عادت الحركة الإسلامية في السودان ذات صفة أيديولوجية، حتى ارتباطاتها بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بات لا تأثير له، لأنه كان عبارة عن "شحدة"، صحيح كان لديهم هيكل تنظيمي وحالياً أصبح الأمر مجرد أكل عيش، وانتشار الفساد بينهم، وما حصل شبيه بمشهد الدولة العباسية حيث قسمت الإمبراطورية إلى إمارات وهكذا، فالحركة الإسلامية السودانية التي كانت مخلب قط، وخطراً يهدّد العالم لأنها كانت تعمل لصالح التنظيم العالمي للإخوان بعد نجاح انقلاب 1989، فقدت منذ انقسامها في نهاية تسعينيات القرن الماضي، الرؤية والمقدرة والتنظيم، وتبقى لها وجودها الفرضي في المجالين العسكري والاقتصادي، لكنه ليس له ارتباط بالتنظيم، فما بني على باطل فهو باطل".

هوس ديني

في المقابل يرى القيادي في قوى الحرية والتغيير الحاضن السياسي للحكومة السودانية الانتقالية المحامي المعز حضرة، أن "ما يحدث اليوم من محاولات من قبل لجنة إزالة التمكين لإنهاء دولة الهوس الديني التي استمرت 30 سنة، ليس كافياً لتفكيكها، نظراً لما يصاحب عمل هذه اللجنة من بطء، ولكن هذا هو الإجراء القانوني ما دام ارتضينا بدولة القانون، وهو إجراء يأخذ وقتاً طويلاً، وكان يمكن أن يتم تطهير هذا النظام وعناصره بالشرعية الثورية إذا شرعنا منذ البداية في هذا الاتجاه، لكن ضيّعنا شرعية الثورة لأسباب عدة، والآن لا سبيل لنا غير الاحتكام إلى القانون، بالالتزام بما جاء في الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية".

ويضيف حضرة "على الرغم من ذلك نقول رب ضارة نافعة، فتقيّدنا بالقانون ساهم في إحباطنا مخطط النظام السابق الذي كان يريد إحداث فوضى وعنف في البلاد بالتزامن مع مسيرة 30 يونيو الماضي من أجل إسقاط حكومة حمدوك، لكن كانت هناك متابعة دقيقة من الأجهزة الأمنية ولجان المقاومة التي رصدت تحركات واجتماعات عناصر هذا النظام الذين ضبطوا وبحوزتهم مستندات وأدلة لهذا المخطط، فتم فتح بلاغات ضدهم ليتم اعتقالهم بالقانون". ويشير إلى أن هناك آليات تمكّن من محاربة دولة الهوس الديني، لكن تحتاج إلى وقت، بخاصة أن مشروع هذه الدولة ظل جاسماً في صدر الشعب السوداني 30 عاماً، ما أحدث إفرازات عدة، وهي أحد أسباب المسيرة الأخيرة التي كانت من أهم مطالبها التسريع في تكملة أجهزة الحكم، وبدء محاكمة رموز النظام السابق، وتعيين ولاة الولايات لأنهم جزء من النظام السابق، لذلك فإن دولة نظام البشير ما زالت موجودة، بالتالي لا بد من إيجاد آليات فاعلة للقضاء على ما يحيط بالبلاد من مخاطر من خلال إبعاد العناصر المحسوبة على النظام السابق من دائرة صنع القرار، والسعي إلى إحداث وعي وسط فئات المجتمع، فضلاً عن تغيير المناهج التعليمية التي كانت تحثّ على التطرف.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي