Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخوف من الناس بسبب دينهم أسهل مما تعتقد لكنه يجعل الإرهابيين ينتصرون

وإن كنت أجازف بقول ما هو بديهي، فإن ترسيخ ونشر الإرهاب هو الهدف الرئيس للإرهابيين، وما يخشاه العالم هو- كما يقول المثل -خلطة بيض مقلي من تحضيرهم، بحيث يكون الأبرياء الذين يُقتلون خلال عملية التحضير تلك مجرد كثير من البيض المكسور

الحزن يعم العالم جراء مذبحة كرايست تشيرش الإرهابية في نيوزيلندا (رويترز)

 

كنت أنوي كتابة عمودي اليوم حول (منظمة) كوميك ريليف، لكن، ها نحن مرة أخرى لا نصدق ما جرى غداة الفظاعات التي وقعت في كرايست تشيرش عندما تسبب الجانب المظلم من الإنسانية الحمقاء في مصيبة لأناس أبرياء على حين غرة وهم يمارسون حياتهم اليومية كالمعتاد.

لا ينبغي علينا فحسب التعامل مع صدمتنا وحزننا على ما لحق بأناس لا نعرفهم كما فعلنا بعد تفجيرات مانشستر، لكن لأن هذا كان هجوما على المسلمين، علينا كذلك أن نواجه القسوة الرهيبة التي يضمرها أولئك الذين وضعوا خطة عنيدة لتجريد أولئك الناس بالذات من إنسانيتهم.

بعيد المجزرة أصدر السناتور الأسترالي فرايزر أنينغ (Fraser Anning) تصريحا يدعي فيه أن: "السبب الحقيقي لإراقة الدماء في شوارع نيوزيلاندا اليوم هو برنامج الهجرة الذي مكن المتطرفين الإسلاميين من الهجرة إلى نيوزيلاندا في المقام الأول."

ومن البديهي أن انعدام الرأفة لدرجة التشفي ليس غريبا عن أي طيف من أطياف الإرهابيين، لكن من المفزع حقا رؤيته في سيناتور صوت عليه أفراد من المجتمع يقدرون حسن الجوار ويضعون القطع النقدية الصغيرة في صناديق الأعمال الخيرية.

ومن المحير أكثر بقليل أن تكتشف أن الرجل عجز عن إدراك الضرورة الملحة لأن يخفي اعتقاده السخيف بأن جميع معتنقي الدين الإسلامي  هم متطرفون، والأدهى من ذلك هو أن عقليته تلك لا يبدو أنها تعيق كثيرا انتخابه.

لكن دعونا نكون صرحاء، فهذه ليست مشكلة أستراليا فحسب. ففي لحظة من جلد الذات، وأنا أتصفح بتعجل قسم التعليقات في إحدى الصحف اليمينية وقعت عيني على تعليق لامرأة تشارك بفرح شديد بهذا التعليق: "الآن يعرفون كيف هو الشعور، ليس جيدا عندما تنعكس الآية."

فتعليق من هذا القبيل، يصدر من سيدة بريطانية لا تساورها أية مخاوف من نشر صورتها واسمها بجانب التعليق، يعد مفخرة لمروجي الكراهية على الأنترنت الذين يبتهجون لاحتمال وجود مهاجر يلام كلما وقعت فظاعة، ويفضحهم صمتهم عندما لا يحدث ما يتمنونه. وبلا شك سيزعمون أن (الإرهاب) متعلق كله بالدين وليس بالعرق. لكن فشلهم المعتاد في تحديد أية صورة من صور الإسلام المتعددة والمختلفة التي سيلومونها هذه المرة يجعل زعمهم خرافة ليس إلا.

بالطبع صدمتنا جميعا الهجمات التي ارتكبها المتطرفون الإسلاميون. وإن كنت أجازف بقول ما هو بديهي، فإن ترسيخ ونشر الإرهاب هو الهدف الرئيس للإرهابيين، وما يخشاه العالم هو كما يقول المثل خلطة بيض مقلي من تحضيرهم، حيث يكون الأبرياء الذين يُقتلون خلال عملية التحضير تلك مجرد كثير من البيض المكسور.

وقد أحسست أنا شخصيا بذلك الخوف، وشعرت به أول مرة في طفولتي عندما وجه المرشد الأعلى لإيران آيات الله الخميني المتطرفين الدينيين بهدر دم شاعر وأديب ساخر انتقد النظام، والذي لم يكن بالمناسبة سوى أبي أنا. وبسبب وضع اسمه على "قائمة الموت"، حصلنا على اللجوء في المملكة المتحدة.

سنة 1984، أخبرت سكوتلاند يارد والدي بمؤامرة جديدة لاغتياله على الأراضي البريطانية مما جعلنا نختبئ عقب ذلك فورا. كان عمري آنذاك  11 عاما وبصراحة، أصبت بالرعب الشديد. حتى بعد أن سمحوا لنا بالعودة إلى بيتنا، لم أشعر أبدا بالأمان. فكلما ركبنا سيارتنا، توقعت أن تنفجر علينا. وعندما كان يرن جرس الباب بصورة مفاجئة كنت أشعر بنوبة من الرعب من احتمال أن يكون الطارق رجالا يحملون بنادق آلية أتوا لقتلنا، حتى بعد أن أخبرني والدي بهدوء أنه لا يعتقد أن القتلة المحترفين سيطرقون الباب قبل الدخول.

وأقتبس بقلق شديد من ليام نيلسون، وأقول إن هذا ليس من الشيء الذي أعترف به بسهولة - كنت لفترة عندما أرى نسوة يرتدين الحجاب، أعتقد للوهلة الأولى أنهن "يكرهنني، يكرهن والدي. ويتمنين الموت لنا جميعا." كنت أخاف منهن. أليس ذلك فظيعا؟ لكني كنت طفلة، والإرهابيون أنجزوا مهمتهم.

ولحسن الحظ كان لدي والدان عرفا كيف يخرجاني من ذلك النسق الفكري وساعداني على فهم الفرق بين الإسلام المُسيَّس وبين أولئك الذين يتبعون الدين بحثا عن السكينة الداخلية.

درست في ثانوية في غرب لندن حيث يجلس الأطفال المسلمون يتعلمون الفرنسية جنبا إلى جنب مع زملائهم الذين ينتمي آباؤهم إلى الحزب القومي البريطاني. كنت في هذه المدرسة عندما عندما أصدرت الحكومة الإيرانية فتوى ضد سلمان رشدي، وكان الأطفال المسلمون، ومعظمهم من أصول باكستانية وبنغالية، يمازحونني بسبب كوني "إرهابية" لأنني أتيت من إيران. فهم لم يدركوا أن ما كانوا يؤمنون به  كان ذا صلة بصور حرق الكتب (كتب رشدي) والتحريض على قتله، تلك الصور التي كنا نشاهدها في النشرات الإخبارية. ولم يكن متوقعا منهم أن يدركوا ذلك. إلا أن ذلك كان مؤلما جدا بالنسبة لي.  

عودة إلى المرأة التي كتبت في قسم التعليقات، بالتأكيد ستعتبر نفسها شخصا جيدا، وربما هي كذلك من جوانب عديدة.  وأنا أعتقد أنها ومعظم المعلقين الآخرين يحبون الكلاب ولن يترددوا في مساعدة شخص جريح في الشارع، لكن ها هم يتلذذون بالعنف وبالشقاء الفظيع. لكن، إنها تعيش في عالم حيث يمكننك بشكل عرضي إهانة المسلمين صباح يوم جمعة من دون أن تفقد أصدقاءك. ونحن كلنا نفعل ذلك.   

 

  

© The Independent

المزيد من دوليات