Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صعود اليسار في الحزب الديمقراطي قد يغير من حظوظ ترمب الانتخابية

قدرة الرئيس الأميركي التنافسية لا زالت قوية وقاعدته الشعبية صلبة

عكست نتائج الانتخابات التمهيدية لأعضاء الكونغرس التي جرت منذ أيام في عدد من الولايات الأميركية تقدماً للتيار التقدمي اليساري وأنصار حركة "حياة السود مهمة" الذين استفادوا من الزخم الذي ولدته التظاهرات المناهضة للعنصرية وعنف الشرطة خلال الأسابيع الأخيرة. وطرح هذا التغيير المفاجئ الذي أطاح عدداً من الديمقراطيين المخضرمين في مجلس النواب، تساؤلات حول مدى تأثير ذلك في حظوظ الرئيس دونالد ترمب الانتخابية وما إذا كان سيستطيع أن يحول هذا التطور لصالحه، في وقت بدت فرصه للفوز بفترة رئاسية ثانية مهتزة بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة. فكيف سيستخدم ترمب فزاعة اليسار المتشدد لترهيب الناخبين المعتدلين من خطرهم؟ وهل سيكون ذلك كافياً ليتغلب على منافسه جو بايدن الذي يدرس اختيار نائبةً له تمثل هذا التيار؟

اليساريون قادمون

مثلت خسارة إليوت إنغل النائب الديمقراطي المخضرم في مجلس النواب لصالح اليساري التقدمي جمال بومان في الانتخابات التمهيدية للدائرة 16 في نيويورك، ضربةً قاصمة للحرس القديم من كبار قيادات الحزب الديمقراطي، ونجاحاً مدوياً للتيار الجديد الذي بدا أنه يتمدد بقوة داخل شرايين الحزب الديمقراطي الأميركي بعد سنتين فقط من فوز أليكساندرا أوكاسيو كورتيز بمقعد في مجلس النواب، ما حمل دلالات قوية على صعود متواصل للتيار اليساري التقدمي الذي عبّر عن نفوذه بقوة عندما خرج إلى شوارع المدن الأميركية للاحتجاج والتظاهر طلباً للعدالة العرقية.

لم يكن بومان هو الوحيد الذي حقق تقدماً للتيار التقدمي في دوائر نيويورك، فهناك موندير جونز الذي يُتوقع فوزه بدعم من السناتور بيرني ساندرز وعضو مجلس النواب كورتيز، كما ينافس آدم بونكديكو وهو يساري آخر بقوة في دائرة ثالثة، ما يعني بوضوح المدى الذي يمكن أن يبلغه هذا التيار ضمن الحزب الديمقراطي.

وفي وقت لا يزال بايدن في حيرة من أمره حول مَن يختار من نساء الحزب نائبةً له، ينصح مستشارون في حملته باختيار مَن يمثل هذا التيار اليساري، بخاصة إذا كانت من السود، كي يضرب عصفورين بحجر واحد، ويرضي قطاعاً مهماً من الشباب اليساري التقدمي، كما يرضي أيضاً الأميركيين الأفارقة المتلهفين لتمثيلهم في هذا المنصب بعدما لعبوا دوراً حاسماً في فوز بايدن بترشيح الحزب الديمقراطي.


فرصة ترمب الذهبية

ويعكس هذا التغير داخل الحزب الديمقراطي فرصةً ذهبية للرئيس ترمب من شأنها أن تساعده في كسب مزيد من أصوات الناخبين المترددين، حيث لوحظ أن حملته ركزت على القضايا التي ترضي قاعدته الانتخابية وعلى رأسها مواجهة الأفكار اليسارية المتنامية بين المرشحين الديمقراطيين، والتصدي لمحاولاتهم إزالة تماثيل ضباط وقادة الكونفيدرالية خلال الحرب الأهلية الأميركية، ورفض مطالبات الديمقراطيين اليساريين بخفض تمويل الشرطة، وإصدار أوامر تنفيذية رئاسية تتعلق بتشديد شروط الهجرة وتأجيل منح تأشيرات للعمل في الولايات المتحدة ، وإبراز القضايا السياسية والدينية التي ترضي الناخبين الإنجيليين مثل اعتراف واشنطن بضم إسرائيل للضفة الغربية، فضلاً عن التركيز على إعادة فتح الاقتصاد، بدلاً من الانغماس في الحديث العلني عن وباء كورونا.

كما حوّل ترمب انتباهه هذا الأسبوع إلى مَن وصفهم بـ "الغوغاء اليساريين" الذين أطاحوا تماثيل قادة وجنرالات الكونفيدرالية، وزار الحدود الجنوبية للبلاد لتسليط الضوء على التقدم الذي حققه في وعد حملته في عام 2016 ببناء جدار حدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك.

ويصوّر ترمب الديمقراطيين على أنهم يدافعون عن الاشتراكية ويهينون الأسرة والإيمان والوطنية. ويفتخر بأن أميركا كانت تتمتع قبل أن يضربها الوباء، بأفضل اقتصاد على الإطلاق، ويتعهد الآن أنه سيعيد إنتاج هذا النجاح في ولايته الثانية. كما اكتسبت تغريداته الهجومية ونظريات المؤامرة والتضليل قوة تأثير بالغة، فوضع معارضيه الديمقراطيين في موقف دفاعي وشغلهم بتفسير مواقفهم أمام العامة معظم الوقت.


السر في المُخلصين

غير أن ذلك لا يكفي وحده للفوز بالانتخابات الرئاسية، لذا كثف ترمب خلال الأيام الماضية تركيزه على قاعدة أنصاره المتحمسة لإعادة انتخابه بعد تزايد القلق داخل حملته الانتخابية حيال تراجع مكانته في الولايات الحاسمة التي ستحدد مصير نتيجة انتخابات 2020 في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وبينما تجاهل ترمب نصائح خبراء الصحة العامة بضرورة تجنب التجمعات الكبيرة مع تزايد حالات العدوى لفيروس كوفيد-19 عبر مشاركته في تجمعين انتخابيين في ولايتي أوكلاهوما وأريزونا، ألهب بخطاباته حماسة قاعدته المخلصة له التي ساعدت في تحفيز انتصاره على هيلاري كلينتون عام 2016 متجاهلاً القضايا الأكبر التي تهز البلاد، مثل وباء كورونا وعدم العدالة العرقية، كما قلل من شأن الاقتصاد على الرغم من أن الاستطلاعات تظهر أن أداءه جيد نسبياً في هذا المجال.

ويقول دان شنور، المستشار السابق لحملة سناتور أريزونا الراحل جون ماكين وحاكم كاليفورنيا بيت ويلسون، إن "معظم تيار الوسط لا يؤيده الآن ولهذا فإن مسار تحفيز قاعدته الانتخابية قد يكون الخيار الوحيد بالنسبة إلى الرئيس ترمب في هذه المرحلة".

ويعتقد مستشارو ترمب أن هناك عدداً قليلاً من المترددين الذين لم يحسموا قرارهم بعد بشأن مَن سينتخبون، ومع وجود إمكانية لتغيير رأي شريحة صغيرة من الناخبين الذين قد يميلون لانتخاب ترمب، يصبح التوظيف الأمثل للموارد هو التأكد من أن المتحمسين لانتخاب الرئيس سيدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع.
 

ما أشبه الليلة بالبارحة

ويستشعر ترمب قدراً من الراحة استناداً إلى أنه يجد نفسه في وضع مماثل لما كان عليه قبيل انتخابات عام 2016، حين أظهرت استطلاعات الرأي تراجعه أمام هيلاري كلينتون، تماماً مثلما تشير غالبية استطلاعات الرأي الآن، ولذلك فهو يراهن على قدرته في أن يغلق تلك الفجوة في الأيام الأخيرة من الحملة، كلما نجح في جمع قاعدته الشعبية المخلصة حوله.

ويأمل ترمب في الحصول على أكبر قدر ممكن من هذه القاعدة في حين يقنع الناخبين الذين أظهروا دعماً فاتراً لبايدن بالبقاء في المنزل مما قد يؤدى إلى تلاشي الفارق الذي تظهره استطلاعات الرأي لمصلحة نائب الرئيس السابق.

ويشعر فريق ترمب بالثقة إذ إن حوالي 40 في المئة على الأقل من الناخبين ظلوا يدعمونه بشكل دائم وثابت طوال فترة ولايته وهو أمر غير معتاد، ما يمنحهم الأمل في العمل بكثافة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة من أجل استعادة معظم الذين يحتفظون بقدر من المحبة للرئيس لكنهم خرجوا من قائمة المتحمسين له بعد الانتكاسات التي سببتها جائحة كورونا، مع اقتناع المجموعة الأكبر التي تُظهر دعماً فاتراً لبايدن بالامتناع عن التصويت.

صوت المنسيين

وما يجعل هذه الإستراتيجية أقرب إلى الواقع، ما قاله السناتور ليندسي غراهام أحد أقرب حلفاء ترمب في الكونغرس من أن الرئيس يمكنه الفوز بدورة رئاسية ثانية "بقليل من انضباط رسائله" والتركيز على السياسات التي تميزه عن بايدن بدلاً من التركيز على المقارنة بين شخصية كل منهما.
وتنبثق قوة ترمب الدائمة من كونه رئيساً شعبوياً، يتواصل منذ توليه السلطة في البيت الأبيض مع المواطنين العاديين الذين يعتقدون أن مصالحهم واهتماماتهم لم تعالجها الحكومات السابقة والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة، بينما يتعهد هو باستمرار أن يكون صوت المنسيين من الرجال والنساء، بخاصة المنتمين إلى الطبقة العاملة ومن غير خريجي الجامعات في المدن الصغيرة والمناطق الريفية، والمسيحيين الإنجيليين، والمحافظين ثقافياً واجتماعياً، وكذلك الجمهوريين المحافظين، وهي إستراتيجية نجحت في معظم الأوقات.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إن بي سي" وصحيفة "وول ستريت جورنال" قبل بضعة أسابيع، أن نسبة دعم ترمب في العموم بلغت 46 في المئة، وبين المعتدلين كانت 36 في المئة، بينما بلغت بين الجمهوريين 89 في المئة، ما يعكس أن الاستطلاعات العامة لا تكشف القصة الكاملة للدعم الذي يحظى به ترمب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


عيوب معروفة

كانت العيوب في شخصية ترمب وسلوكه الهجومي معروفة للجميع قبل انتخابات عام 2016 ، لكن ذلك لم يثن الناخبين عن اختياره. وفي الأشهر الأخيرة، خيّمت إخفاقات خطيرة ومدمرة على قيادته في التعامل مع وباء كورونا وعلى جبهة عدم تحقيق المساواة العرقية، لكن تغيير المواقف والسياسات العامة من فترة إلى أخرى، يجعل انتخابات نوفمبر تبدو بعيدة جداً.

ولا تزال القراءة العامة لأرقام "الكلية الانتخابية" أو ما يُسمى "المجمع الانتخابي" الذي يحدد الفائز في الانتخابات مَن يحظى بـ 270 من إجمالي 538 ناخباً رئاسياً موزعين على الولايات الأميركية، تضع ترامب في موقع تنافسي للغاية، إن لم يكن فائزاً بالفعل، حيث تميل أرقام الكلية الانتخابية لصالح المرشح الجمهوري، لأن الولايات المحافظة بشدة في الجنوب والجنوب الغربي وولايات السهول وأعلى الغرب الأوسط تصوت لصالح الجمهوريين بغض النظر عن طبيعة المرشح الجمهوري للرئاسة، بينما تصوت ولايات الساحل الغربي والولايات الشمالية الشرقية لصالح المرشح الديمقراطي.

ويسمح هذا الوضع لمجموعة الولايات المتأرجحة أو ما يُسمى "ولايات ساحة المعركة الرئيسية" أن تحدد الفائز في النهاية وهي ولايات أريزونا وميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، فضلاً عن ولايات تشهد تنافساً قوياً، مثل أوهايو وأيوا وفلوريدا ونورث كارولينا. ولكن بحلول يوم الانتخابات، يُرجح أن يعيد تكوين الأغلبية المحافظة لمعظم هذه الولايات التنافسية والتحسن المتوقع التدريجي في الاقتصاد، إلى الحظيرة الجمهورية.


مواهب شعبوية متميزة

يتمتع ترمب بمواهب متميزة خلال حملاته، فهو مثل قادة شعبويين كثر، متفوق في ابتداع الصفات والتعريفات السلبية بحق خصومه ومعارضيه، ويستخدم بشكل فعّال، حسابه على "تويتر" ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى ووسائل الإعلام وإعلانات حملاته الانتخابية للترويج لهذه الروايات، حيث وصم خصمه جو بايدن بأنه "جو نعسان" وبأنه يتعثر في خطواته ولا يتذكر ما يقول، وبأنه مقرَّب من الصين وفاسد مع ابنه هانتر.

وما يجعل ترمب في وضع جيد هو أن بايدن مرشح تحيطه عيوب كثيرة، إذ خرج للتو من الحجر الصحي الذاتي الذي أظهر أنه غير قادر على التواصل بشكل فعّال عبر التكنولوجيا أو وسائل التواصل الاجتماعي. كما ستستمر حكايات تارا ريد التي اتهمته بالتحرش، وما تردد عن نجله هانتر بايدن في ما يسمى "فضيحة أوكرانيا"، في إلحاق الأذى به بغض النظر عن مدى صحة هذه الروايات. أكثر من ذلك، فشل بايدن في خوض نقاشات قوية ومقنعة خلال المناظرات الانتخابية التي ضمت المرشحين الديمقراطيين للرئاسة، إذ بدا في حالة من عدم التركيز والغموض بل وتلعثم أكثر من مرة.


عيوب في الجسد الديمقراطي

في المقابل، فإن ترمب هو رجل المناظرات القوي، القادر على المنافسة، وسيتفوق بالتأكيد على بايدن الذي تشير الاستطلاعات إلى أن الناخبين الشباب وبخاصة التقدميين، والذين خرجوا منهم إلى الشوارع للتظاهر قبل أسابيع، يريدون تغيير النظام ككل، ولن يصوّت كثر منهم لمرشح ساندته المؤسسة الديمقراطية مثل بايدن الذي لا يشكل لهم أي نوع من الإلهام ولا يثير لديهم حماسة تماثل أو تقارب السيناتور بيرني ساندرز الذي حاربته المؤسسة الديمقراطية بكل قوة.

وسيستفيد ترمب من عوامل أخرى، أهمها أن الحزب الديمقراطي لم يعمل على بناء ائتلاف قوى يُمكّنه من الفوز بسهولة، فالحزب في حاجة ماسة إلى دعم انتخابي أوسع وأكبر من الطبقة العاملة والمتوسطة وبين غير خريجي الجامعات. كما يُعاب على الحزب الديمقراطي أنه أصبح حزباً سياسياً ليبرالياً يهتم بالقضايا ذات الطابع الاجتماعي والثقافي، ويركز على قضايا العولمة والاقتصاد الرقمي والتحفيزي ومساعدة الفقراء في الدول النامية، وحقوق الإجهاض والاحترار العالمي والبيئة، وهي قضايا انشأتها النخب المثقفة في الحزب ولا تعكس ثقافة وأهداف الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة التي تُعنى بتوفير وظائف بأجور مناسبة للعيش، وهذه ليست الصيغة التي تجذب أصواتهم وتعكس أن الديمقراطيين النخبويين فقدوا ببساطة التواصل مع الطبقة الوسطى العاملة في وقت يحتاج الديمقراطيون إلى إعادة إنشاء قاعدة صناعية في البلاد.

المزيد من تحلیل