Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عروض مصرية "أونلاين" في مواجهة إغلاق كورونا للمسارح

سلسلة تشيخوف تتواصل و"المغفلة" عرض يستعين بالمسرح الغنائي على استحياء

من مسرحية "المغفلة" المصرية التي تعرض أون لاين (اندبندنت عربية)

في سبيل استمرار العمل المسرحي في ظل جائحة كورونا، التي تسببت في إغلاق المسارح ضمن ما أغلقت من منشآت أخرى كثيرة، يقدم "المسرح القومي المصري"، متعاوناً مع "فرقة المواجهة والتجوال"؛ التابعة ل "البيت الفني للمسرح" (مؤسسة رسمية)، مشروعاً يتضمن عشر مسرحيات قصيرة مأخوذة عن قصص للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، يتم بثها، تباعاً، كل أسبوع عبر قناة وزارة الثقافة على "يوتيوب".

المشروع الذي يشرف عليه مسرحيون لهم تجارب مهمة مثل سمير العصفوري، جلال الشرقاوي، فهمي الخولي، عصام السيد، سناء شافع، علاء عبدالعزيز، وغيرهم، قدم حتى الآن عملين مسرحيين، الأول "أبو عطسة جنان" إخراج هشام عطوة، عن قصة "موت موظف"، والآخر "المغفلة" للمخرج سامح بسيوني، عن قصة بالعنوان نفسه.

وإذا كان العرض الأول قد مرَّ من دون أن يلفت الأنظار إليه، لابتعاده كثيراً عن مغزى قصة تشيخوف، واستناده إلى الكوميديا اللفظية بديلاً عن كوميديا الموقف، فإن العرض الثاني حاول أن يختطَّ لنفسه طريقاً مغايراً، وأعمل كاتبه وملحنه (محمد مصطفى) خياله، محافظاً على الخيوط الأساسية للقصة، ومضيفاً إليها تفاصيل جديدة تعمل على إيصال المغزى، وتلح على ذلك، فضلاً عن قدرته على تحويل القصة إلى عمل غنائي، ما أضفى على العمل قدراً ملحوظاً من البهجة والحيوية.

السيد و"المغفلة"

بهجة العمل ما كان لها أن تكتمل من دون التفاصيل الأخرى التي شكَّلت الفضاء المسرحي، وعلى رأسها الديكور (سماح نبيل) وهو ديكور واقعي، عبارة عن حجرة مكتب السيد الذي تعمل المربية "المغفلة" لديه. اهتمت مصممة الديكور بأدق التفاصيل التي تعكس مكانة هذا السيد وتشير إلى وضعه الاجتماعي، وأتاحت مساحة واسعة لحركة الممثلين بخاصة أننا أمام عرض غنائي يتطلب الكثير من الحركة، وإن شكَّلت الملابس، شبه العصرية، نوعاً من التناقض مع هذه الأجواء الكلاسيكية التي عكسها الديكور.

وجاءت إضاءة إبراهيم الفرن المهتمة أيضاً باللمسات الصغيرة لتتضافر مع هذه الأجواء التي بها من الجدية والعراقة بقدر ما بها من البهجة والمرح المتمثل في أداء الممثلين الستة الذين قدموا العرض (إيهاب فهمي، نورهان أبو سريع، نورهان حافظ، محمد دياب، أشرف فؤاد، ومحمد إبراهيم). نحن أمام سيد يسعى إلى تحفيز المربية "المغفلة" على المطالبة بحقوقها، وعدم استسلامها لما يفرضه عليها الآخرون ظلماً، وذلك من خلال حيلته التي يلجأ إليها عندما حان موعد استلام راتبها، هي عملت لمدة شهرين، ولكنه يخبرها بخصم مبالغ كبيرة من أجرها بحجج مختلفة، مرة لأنها لم تعمل أيام الآحاد، ومرة لأنها كسرت كوباً غالي الثمن، وحتى عندما تركت أحد أطفاله يتسلق الشجرة ما أدى إلى تمزيق ثوبه، حمَّلها السيد ثمن الثوب. وهكذا إلى أن تخرج في النهاية بأقل من ربع مستحقاتها من دون أن تعترض أو حتى تتذمر، ثم تكتشف بعد ذلك أن السيد يمنحها أجرها كاملاً، ويمنحها معه درساً بألا تتغاضى عن المطالبة بحقوقها، وينهي الراوي قصته بعبارة: "ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا".

هي واحدة من أبسط وأجمل قصص تشيخوف، التي يمرر من خلالها أفكاره، ويوضح انحيازه إلى الطبقات الفقيرة والمعدمة، وانتصاره لها ضد طبقة الملاك والمتحكمين عموماً في مصائرها. ودعك من عبارة النهاية التي تعد بالمقاييس الحديثة، زائدة لا لزوم لها، فهي عبارة مهمة بمقاييس الكتابة في عصرها ، نهاية القرن التاسع عشر.

مأساة شخصية

المربية في المسرحية حملت اسم "راضية"، وهو اسم له دلالته التي تتوافق وطبيعة الشخصية. أضاف الكاتب تفاصيل جديدة للقصة، أو بمعنى أدق شخصيات جديدة، ففضلاً عن السيد والمربية، هناك الجزار والبقال ومعلمة الأطفال، وكل منهم يطارد المربية في صحوها ومنامها للمطالبة بديونه لديها، وهي مع  ذلك لا تستطيع أن تطالب السيد بحقوقها وترضخ تماماً لما يفرضه عليها من مستحقات. وهناك كذلك المحاسب الذي يعمل لدى السيد ويجاريه في لعبته.

إضافة هذه الشخصيات كان لها أثرها في تعميق مأساة المربية من ناحية، ومن ناحية أخرى كسرت رتابة السرد. فالقصة كلها على لسان الراوي، ومن هنا نجحت مسرحتها بفهم ووعي لطبعية كل وسيط يعمل عليه الكاتب.

اجتهد الكاتب، وكذلك المخرج في محاولة تقديم عرض غنائي بسيط يؤدي الغرض، لكنه لم يتجاوزه إلى عمق المسرح الغنائي بتفاصيله كافة. هو لامس هذا المسرح ولكن على استحياء. نحن أمام كوميديا غنائية خفيفة، ربما كانت المساحة القصيرة للقصة، وعدم وجود صراعات كبرى تتخلق بواسطتها دراما أكثر احتداماً وعمقاً، هو ما جعل صناع العرض يكتفون بهذا القدر، على أمل تقديم تجارب أخرى حيَّة على المسرح عندما تتوافر الظروف. لذلك يمكن اعتبار العرض إرهاصة أو عتبة للولوج إلى مسرح غنائي مكتمل الأركان، تتعدد أصواته، وتتعمق صراعاته، وتحتدم أحداثه.

ثمة مشكلة أخرى واجهت العرض، فيبدو أن المخرج أراد إضفاء بعض التفاصيل عليه لجعله أكثر جودة، فلجأ إلى المونتاج السينمائي في المشهد الأخير، حيث مزج بعض المشاهد التي تداخلت معاً، وهو ما لا يمكن تصوره مع عمل مسرحي، وهي سقطة ما كان يجب أن يقع فيها المخرج المشهود له بالكفاءة.

أياً كانت الملاحظات، فنحن أمام تجربة فيها قدر من الجرأة والشجاعة والمغامرة، وإن كان يجب لفت أنظار صناع العمل، إلى أن الوقت القصير الذي استغرقه العرض (حوالي اثنتي عشرة دقيقة) هو ما جعله يمر خفيفاً ويحظى بقدر من القبول، لكن ماذا لو كانت مساحة العرض أكبر واستمر على المنوال نفسه من الحوارات والمونولوغات المغناة؟ المؤكد أن المشاهد سيصاب بالملل، لأنه سيكون أمام حالة واحدة متكررة، ربما أخذوا ذلك في الاعتبار خلال عروضهم القادمة.

المزيد من ثقافة