Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إخفاقات جونسون العديدة تحمل الناس على التهكم من خططه

تشبه الادعاءات المبالغ فيها في المؤتمرات الصحافية اليومية في مقر رئاسة الحكومة في داونينغ ستريت "حماقات الساعة الخامسة" أثناء حرب فيتنام 

"لقد أصبحت رؤية جونسون وهو يسعى إلى التغلب على الوباء أشبه بمشاهدة الكوميدي بيتر سيلرز في دور المفتش كلوزو" (رويترز)

لُقبت الإحاطات الصحافية العسكرية الأميركية الشهيرة خلال حرب فيتنام بـ"حماقات الساعة الخامسة" التي ذاع صيتها السيء بسبب ما كان فيها من إعلانات عن انتصارات وهمية، وأعداد مبالغ فيها في شكل كبير للقتلى في صفوف العدو.

استغرقت إحاطات الحكومة البريطانية حول جائحة كوفيد-19 فترة أقصر، ونالت تبعاً لذلك سمعة مريبة تشبه الإحاطات الأميركية تلك لجهة تقديم ادعاءات مفرطة في التفاؤل. فما أن تحظى أوجه التقدم الحاسم المفترضة في المعركة ضد فيروس كورونا بحفاوة كبيرة حتى تتبخر هذه النجاحات بشكل غامض أو يجري التقليل من شأنها خلال بضعة أسابيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان أحدث حل سحري، عُلّقت عليه آمال كبيرة، يتمثل في تطبيق يهدف إلى توفير المعلومات اللازمة لتتبع سريع لأي شخص خالط شخصاً مصاباً. قدم مات هانكوك وزير الصحة بفخر في إحدى الإحاطات الصحافية التي تجرى في الساعة الخامسة، التطبيق الذي من المفترض أن يكون ركيزة أساسية في حرب بريطانيا ضد المرض.

لكن اُختُبِرَ التطبيق في جزيرة "آيل أوف وايت"، وكشفت بحوث أنه لم يكن ناجحاً. ونُقل عن أحد كبار المسؤولين الحكوميين ممن يلمون بشكل سخيف بما هو بديهي، قوله "لا يوجد تطبيق أفضل من التطبيق السيّء".

وعلى نحو غريب، لا تعبر البلاد عن غضبها الشديد بسبب فضيحة التطبيق، والإخفاقات الأخرى التي كانت الحكومة قد وصفتها ذات يوم بأنها قادرة على إنقاذ الحياة، قبل أن يتضح أنها فاشلة. لذا، ربما يشيع حالياً التهكم بين الناس الذين لا يصدقون مطلقاً التوقعات، والوعود المتفائلة التي تصدر عن الوزراء لكونها لن تتحقق أبداً.

 مع ذلك، كان من الممكن أن يساعد هذا التطبيق، الذي لا يعمل، على إنشاء شبكة للبحث والاختبار والتتبع تعتبر ضرورية إذا أرادت بريطانيا الخروج من حالة شبه الإغلاق. فقد استُعملت طرق مماثلة من قبل لمكافحة أمراض مثل السل، وشلل الأطفال، والزهري، وفيروس نقص المناعة المكتسبة، ولن يكون العمل بها مرة أخرى أمراً في غاية الصعوبة.

والحال أنني أصِبتُ ذات يوم من عام 1956 بشلل الأطفال خلال الوباء الذي ضرب مقاطعة كورك الإيرلندية. وفي صباح اليوم التالي كان موظف من وزارة الصحة الإيرلندية، التي كانت تعاني من نقص الموارد، يزور بنفسه المزارع المجاورة الخالية كلها آنذاك من أي هاتف، لإخبارهم بما حدث وأنه يجب عليهم الدخول في ما يسمى الآن العزل الذاتي. ومع ذلك، فإن ما تحقق في إيرلندا الريفية الفقيرة في خمسينيات القرن الماضي يتجاوز نوعاً ما قدرات الدولة البريطانية الأكثر ثراءً وتطوراً اليوم.

لقد أصبحت رؤية بوريس جونسون وهو يسعى إلى التغلب على الوباء أشبه بمشاهدة الممثل الكوميدي البريطاني بيتر سيلرز في دور المفتش كلوزو في أفلام "بينك بانثر". فالجمهور يعرف سلفاً أن كلوزو يسير دائماً على الطريق الخطأ وأنه قاب قوسين أو أدنى من الكارثة التالية.

وعلى الرغم من أن التشبيه بين جونسون وسيلرز في محله، إلا أنه من الصعب أن تضحك منه، لأن القائمة الطويلة على نحو كريه من الأخطاء التي لا مبرر لها من قبل الحكومة قد أسهمت في مقتل ما يصل إلى 40000 شخص إضافي. ولا يجوز مقارنة هذه الحالة الفريدة إلا بوضعية الجنرالات البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، الذين أدت حماقاتهم الجماعية إلى تكبيد قواتهم خسائر فادحة.

ولولا أن أعداد القتلى كانت فظيعة للغاية، لكانت التصرفات الغريبة للحكومة مادة مسلية من النوع الفج. وللوهلة الأولى لا يبدو الحجر الصحي لمدة 14 يوماً للأشخاص الذين يدخلون بريطانيا كما لو أنه قد يكون أمراً قد يثير الضحك. فالنُظم صارمة والعقوبات قاسية بالنسبة إلى من يخالفون القواعد التي تؤدي عملياً إلى ما يشبه الإقامة الجبرية، فالحجر المنزلي أكثر صرامة من حالة الإغلاق الذي فرضته المملكة المتحدة في الأصل.

ولا يتّضح العبث العقيم لما يُقترح إلا عندما يقرأ المرء قائمة الاستثناءات الهائلة للحجر الصحي الخاصة بالأشخاص الذين يمكنهم الذهاب حيث يشاؤون. وتشمل هذه الاستثناءات مهناً محددة مثل مهندسي الطيران وعمّال المزارع وكذلك فئات عامة واسعة النطاق مثل أولئك الذين لديهم "مهارات فنية متخصصة" أو الذين اعتادوا التنقل مرة واحدة في الأسبوع بين المملكة المتحدة وأي دولة أخرى.

في الواقع ليس هناك حجر صحي حقيقي، ولكن لماذا تورط الحكومة نفسها في هذه المشاكل وتجلب لنفسها الكثير من النقد من أجل التظاهر بأن هناك حجراً؟ هل هذه ببساطة هي عقلية بريكست في أسوأ تجلياتها والاستثناء البريطاني في أسخف حالاته؟ لذا ربما يتحول مشروع بريكست برمته إلى إعلان مدوٍ للاستقلال متبوعاً بقائمة طويلة من الاستثناءات.

عندما يواجه جونسون ووزراؤه مثلاً أزمة حقيقية مثل كوفيد-19، يبدو أنهم يشعرون بالحنين إلى الأيام التي يمكنهم فيها تغطية كل قضية بعلم الاتحاد. وقد انزلق جونسون بسهولة إلى دوره القديم من خلال الادعاء بأن احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" تتحدى بطريقة ما تاريخ بريطانيا وتقاليدها، وأن تمثال ونستون تشرشل في ساحة البرلمان معرض بصفة خاصة للخطر، على الرغم من ضآلة الأدلة على ذلك. ويعتبر هذا النوع من المبالغة في وصف التهديد الذي يتعرض له رمز وطني، مناورةً قذرة لكل قومجي ديماغوجي من ساو باولو إلى بودابست ومن واشنطن إلى مانيلا.

بالنسبة إلى جونسون، يعتبر استخدام اللهجة القومية الضحلة لتبرير دمج وزارة التنمية الدولية مع وزارة الخارجية موقفاً افتراضياً أوتوماتيكياً. ومن الغريب أن مثل هذه الخطوة يجب أن تحظى بالأولوية في خضم الأزمة، لكن جونسون زعم ​​أن وزارة التنمية الدولية أصبحت "ماكينة صرف نقدية عملاقة في السماء" للعديد من البلدان التي لا تستحق المعونة، وأن المساعدات البريطانية ستوجه في المستقبل  إلى دعم مصالح البلاد في دول تعتبر نماذج للنزاهة المالية مثل أوكرانيا.

يؤدي التغيير المفاجئ من هذا النوع بهدف إعادة التنظيم الحكومية في الأحوال العادية إلى الارتباك، ولا يعود بفائدة تُذكر على أحد. وهو يمثل علامة أخرى على أن حكومة جونسون لا تفكر إلا في الشعارات وعناوين الأخبار، وليست لديها استراتيجية حقيقية للتعامل مع فيروس كورونا. لذا قد يسعى جونسون إلى تقليد تشرشل وإلقاء خطابات محرجة تتشبّه بخطابات رئيس الوزراء الأسبق، بينما هو في الواقع "معادٍ لتشرشل" نوعاً ما، ويفعل تماماً عكس الرجل الذي يتخذه قدوة بطولية.

كان تشرشل مدركاً تماماً أن بريطانيا لم تفز في الحروب، أو تمارس نفوذاً كبيراً في أوروبا إلا عندما أنشأت، أو انضمت إلى تحالف قوي من دول أوروبية. وكان يعلم أن بريطانيا لا يمكنها الصمود وحدها طويلاً وكرّس جهداً كبيراً في الحرب العالمية الثانية لبناء تحالف مع الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية.

في المقابل، لم يبدِ جونسون أبداً كثيراً من المعرفة بالتاريخ البريطاني، أو الأوروبي بعيداً من التبجح. وهذا هو الوضع الطبيعي لأنصار بريكست الذين يتمتعون بثقة في النفس تبعث فيهم الراحة بأن كل شيء سيكون على ما يرام بحلول الليل، ويمكن بريطانيا العالمية أن ترتقي مرة أخرى، من دون أن يعرفوا الكثير عن بقية العالم. ويعتبر وزير الخارجية دومينيك راب أحد الأمثلة التي يتجلى فيها هذا النوع من الثقة في النفس المرتبطة بالتعصب الإقليمي، إذ بدا أنه تمكن بطريقة ما من البقاء جاهلاً لسبب "الركوع على الركبة" كبادرة تضامنية مع الحملة العالمية المناهضة للعنصرية.

يختلف جونسون اختلافاً كبيراً عن تشرشل، ومن الصعب التفكير في أنه يشبه تماماً أي زعيم في التاريخ البريطاني. فمعظم الذين يُقارن بهم هم شخصيات خيالية مثل روفوس تي فايرفلاي، زعيم فريدونيا في فيلم "حساء البط" من إنتاج ماركس بروذرز. ويعتقد البعض الآخر بأن مثل هذا القائد الضعيف لا يمكن أن يستمر طويلاً في مثل هذه الأزمة الخطيرة، وأنه يشعر مع اضطراب الأحوال مثلما شعر مكبث بأن "لقبه فضفاض عليه، كثوب عملاق على جسم لص قزم".

© The Independent

المزيد من آراء