Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستسلم المكتبات الخاصة في حضرة العصر الرقمي؟

مع التحول إلى المجال الإلكتروني والإنترنت وتراجع عدد جامعي الكتب

رواد إحدى المكتبات العامة يتابعون آخر الاصدارات (بي أكس هير)

مضي بعض الأشخاص معظم حياتهم في جمع الكتب، إما بهدف القراءة أو لهواية الجمع بحد ذاتها، فتتشكّل لديهم مكتبة كبيرة تسمى المكتبة الخاصة. وتحوّلت منازل بعض الكتاب والأدباء والباحثين إلى مكتبات، أكثر من كونها مساكن، بسبب انتشار الكتب على كل جدرانها من الأعلى إلى الأسفل. وغالباً ما تكون هذه المكتبات متخصصة بنوع معين من الموضوعات بحسب مزاج صاحبها وجامعها. وكانت هذه الظاهرة منتشرة في ما مضى حينما كان خير جليس في الأنام كتاب، وقبل أن تتحوّل الكتب إلى المكتبات الإلكترونية وعلى صفحات شبكة الإنترنت. ويُقال أن تحدياً كان يجري بين هواة جمع الكتب أو القرّاء النهمين أو الباحثين والأدباء، في جمع أكبر عدد من الكتب، ومَن يتمكّن من إضافة مخطوطات قديمة إليها. وهناك مَن تخصّص في البحث عن المخطوطات أينما وجِدت، في الأسواق القديمة أو في المكتبات الخاصة المنسية أو التي لا يعرف أصحابها قيمة المخطوطات التي يملكونها. وجرت العادة أيضاً على تبادل الكتب بين أصحاب المكتبات الخاصة، فيتساعدون في إكمال سلسلة من الكتب والمجلدات.
 

 

موت الكتاب الورقي؟

هناك مَن يعتقد أن الكتب الورقية في سبيلها إلى الأفول، أولاً بسبب تناقص عدد القرّاء وبسبب توافرها إلكترونياً، وهذا ما أصاب الصحف الورقية في معظم أنحاء العالم. لكن هذا الرأي يجد مَن يعارضه، إذ يرى البعض أن القراءة في الكتاب الورقي ما زالت مرغوبة لدى عدد كبير من القراء، خصوصاً كبار السن منهم، وأن عدد الكتب التي تُباع في معارض الكتاب التي تُقام في العالم العربي تؤكد هذه المقولة، خصوصاً أن قطاع الكتب الإلكترونية لم يزدهر في العالم العربي بعد. أما بخصوص القراءة نفسها، فإن شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أعادت الاعتبار إليها، بحسب محللين كثر، بل وأعادت الاعتبار إلى الكتابة، إذ إن كل متواصِل عبر الإنترنت، هو قارئ بالضرورة لما يكتبه الآخرون وفي الوقت عينه هو كاتب لما يريد أن يقوله للآخرين.
أما بخصوص المكتبات الخاصة الموجودة أصلاً، فهذه تصل غالباً إلى الورثة الذين يعرف بعضهم قيمتها وأهميتها، فيقومون ببيعها إلى مكتبات أكبر أو بتقديمها إلى مكتبات عامة جامعية أو رسمية بغية استفادة أكبر عدد من القرّاء منها. وهناك بعض الورثة الذين يرون الكتب التي تركها لهم أهلهم مجرد حمل ثقيل يجب التخلص منه، فيقومون ببيعها إلى الباعة المحليين الذين بدورهم يفتتونها ويحوّلونها من كتلة واحدة إلى كتب تُباع على الأرصفة. بل ويرمي بعض الورثة الكتب مع سائر الأثاث المتروك والمنفي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إهداءات المكتبات الخاصة

على سبيل المثال، أهدى ورثة المفكر الراحل عبدالرحمن بدوي مكتبة والدهم التي تضم نحو 12 ألف كتاب في الفلسفة والتراث والنقد الأدبي الحديث إلى مكتبة الاسكندرية. أما "دار الكتب والوثائق المصرية" فحظيت بالحصة الكبرى من الإهداءات، ومنها مكتبة الإمام الشيخ محمد عبده التي تُعتبر بالغة الأهمية في تاريخ مصر والعالم الإسلامي. ومكتبة المؤرخ الشهير عبدالرحمن الرافعي التي ضمّت كتباً في التاريخ والعلاقات ما بين الشعوب والآداب. ومكتبة وزير الاقتصاد المصري الأسبق الدكتور حسن عباس وضمّت 11 ألف كتاب في الاقتصاد الدولي والسياسة ومختلف العلوم. ومكتبة الكاتب محمد عفيف التي احتوت على علوم اللغة وآدابها وفنون كثيرة اعتنى بها الكاتب في حياته، ومكتبة الدكتورة عائشة عبدالرحمن الملقبة بـ "بنت الشاطئ" التي كتبت كثيراً في التاريخ الإسلامي والتراث وعلوم الشريعة (3700 كتاب).

أما مكتبة أمير الشعراء أحمد شوقي بقيت على حالها، إذ أصدرت الحكومة المصرية قراراً في عام 1972 بنزع ملكية "كرمة ابن هاني" وهي دار الشاعر، وتحويلها إلى متحف. وافتُتح متحف شوقي عام 1977، وهو يضم مكتبة الشاعر التي تحتوي على 335 كتاباً، ومسودات بعض قصائده وكتاباته النثرية و713 ورقة عليها كتابات بخط يده.
وكان للجامعات حصة أيضاً من الإهداءات، فأهدى يحيى حقي مكتبته التي تضم نحو 10 آلاف كتاب إلى جامعة المنيا بصعيد مصر، وأهدى كل من لويس عوض وإبراهيم المازني وحسين مؤنس مكتبته الخاصة إلى كلية الآداب في جامعة القاهرة. أما مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت فكان عمودها الفقري المكتبة الخاصة التي امتلكها نعمة يافث وضمّت نحو 40 ألف كتاب.
إلا أنه خلال المعارك التي شهدها لبنان على مدى 17 سنة، دُمّرت مكتبات خاصة وعامة عدة، من بينها مكتبة المؤرخ والأديب السعودي حمد الجاسر التي كانت تقع في أحد مباني وسط بيروت وأتى حريق عليها بالكامل. والتهمت النيران أيضاً مكتبة الأمير حافظ شهاب وكانت تضم نحو 300 وثيقة تاريخية تتعلق بتاريخ لبنان ومراسلات أمرائه خلال القرون الماضية. كما أدى تدمير مبنى "الكوليدج هول" في الجامعة الأميركية ببيروت إلى ضياع مجموعات نادرة من مكتبة الدكتور محمد يوسف نجم.

الحروب والكتب

في معرض حديثه عن المكانة العلمية لمدينة طرابلس عاصمة محافظة لبنان الشمالي، يؤكد المؤرخ ابن الفرات أن عدد الكتب والمجلدات التي كانت في مكتبة بني عمّار المعروفة باسم "دار الحكمة" فاق الثلاثة ملايين. ولكن هذه المكتبة أُحرقت برمتها على أيدي الصليبيين الذين غزوا المدينة. غير أن فترة الحروب الصليبية نفسها شهدت بداية اهتمام الغربيين بالثقافة العربية. وبدأت عمليات نهب كبيرة للكتب العربية النادرة التي باتت اليوم تملأ المكتبات الأوروبية الكبرى. فسجلات المحاكم الشرعية في القدس تشير إلى وجود مكتبات خاصة كثيرة تعود إلى العصر المملوكي والعثماني. ومن هذه المكتبات على سبيل المثال، مكتبة القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله التي أوقفها على مدرسة الخانقاه في المدينة، وتضم هذه المكتبة نحو 10 آلاف مخطوطة في الفقه وعلم الفلك. ومكتبة الشيخ برهان الدين بن جماعة خطيب المسجد الأقصى. ومكتبة مفتي القدس الشيخ حسن بن عبداللطيف الحسيني، والعشرات لا بل المئات غيرهم. كل هذه المكتبات لم يعد لها أثر اليوم، لأسباب كثيرة لكن غير محددة وعلى رأسها الاحتلال والحروب والنزاعات التي تصبح المكتبات فيها عرضةً للنهب والسرقة أو للضياع والتلف.

المزيد من منوعات