Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما لا نعرفه عن جحيم المهاجرين السريين إلى إيطاليا عبر ليبيا

شبان من الجزائر وتونس وسوريا علقوا في سجون صبراتة

شبان من الهلال الأحمر الليبي في صبراتة يتعاملون مع مهاجرين أفارقة (صفحة الهلال)

في خضمّ احتجاجات محدودة في محافظة ورقلة، عاصمة النفط الجزائري لشباب عاطلين عن العمل، يطالبون بأشغال في منشآت النفط القريبة، ارتفعت شكاوى عائلات مهاجرين سرّيين من جنسيات جزائرية ضد اعتقالات للعشرات في منطقة صبراتة الليبية، في مستجدات تفيد بعودة الظاهرة انطلاقاً من محافظات جزائرية شرقية عبر ليبيا، وصولاً إلى إيطاليا.

نعيش الجحيم

يصرخ شاب مصري ويشكو سوء المعاملة في رسالة صوتية عبر تطبيق "ميسنجر" أرسلها هذا الأسبوع إلى عائلة صديقه الجزائري في محافظة ورقلة، جنوب شرقي البلاد.

في أقلّ من دقيقة، يحاول الشاب إعلام العائلة الجزائرية أنهم معتقلون من قبل قوات ما في صبراتة، خشية انتباه الحراس لامتلاكه هاتفاً نقالاً.

في الرسالة الصوتية التي استمعت إليها "اندبندنت عربية"، يخاطب المعتقل المصري شخصاً جزائرياً اسمه وليد، هو شقيق مرافقه في رحلة الهجرة السرية الفاشلة "لقد اعتُقلنا، نحن في سجن بمنطقة اسمها صبراتة، من فضلك يجب أن تكلم أي أحد (يقصد السلطات الرسمية)، أخبرهم أنني ومنذر (الشاب الجزائري) موجودان هنا. أما صديقنا ملك، فقد تمكّن من الهرب. أرجوك تكلم مع أحدهم ليخرجونا من هذا المكان، نحن نعيش الذلّ. هذه الرسالة من هاتف شخص معنا، لقد أخذوا هاتفي وأموالي".

لم يكن منذر الوحيد ضمن قوافل لشباب من الصحراء الجزائرية حاولوا الوصول إلى "جنة أوروبا" عبر صحراء ليبيا، إذ تشهد موجة التنقل برّاً عبر حدود الدولتين انتعاشاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بعد "هدنة" كان سببها الرئيس وفقاً لإجماع مراقبين، الحراك الشعبي طيلة 2019.

في المقابل، يقول العياشي بن موسى وهو ناشط جمعوي متابع لملفات مهاجرين جزائريين فُقدوا في تونس وليبيا لـ"اندبندت عربية"، إن "نسق الهجرة السرية باتجاه إيطاليا عبر الأراضي الليبية عاد إلى الارتفاع أخيراً. في العادة، يتّجه الشباب إلى هناك عبر المنطقة الحدودية الدبداب بمرافقة شبكات من البلدين".

قانون الغاب

تدفّق جزائريين على ليبيا ولو بعدد ضئيل قياساً لاستمرار إقفال الحدود البرية بين الدولتين، يشكّل مصدر صداع للسلطات المحلية، نظراً إلى فتور التواصل الدبلوماسي سواء مع حكومة الوفاق أو الحكومة في بنغازي.

ويوضح بن موسى أن "السفارة الجزائرية في ليبيا التي تمارس مهماتها انطلاقاً من تونس، تكتفي بالحدّ الأدنى من العمل القنصلي. لذلك ثمة صعوبة كبيرة في التواصل مع الجانب الليبي بخصوص حالات مهاجرين سرّيين جزائريين".

ومعلوم أن السلطات الجزائرية قرّرت في 2014 إغلاق سفارتها بطرابلس ونقل المقرّ والإقامة إلى تونس، إذ عملت قوات من نخبة الجيش على إجلاء السفير ونحو 50 موظفاً على خلفية تهديدات من تنظيم "داعش" بخطف الطاقم الدبلوماسي وتفجير المقرّ.

طريق الهلال الأحمر

ويذكر بن موسى أن المسلك الدبلوماسي المتاح في مثل هذه الحالات يتم عبر الهلال الأحمر الليبي، "نتواصل منذ فترة مع الهلال الذي يسخّر فرقاً للمهاجرين السرّيين في صبراتة خصوصاً، ونبلَّغ من حين إلى آخر بوجود جثث لضحايا بملامح مغاربية على أمل معرفة هوياتهم قبل دفنهم هناك".

ويأمل في أن "يعود العمل القنصلي الجزائري إلى معدّله الطبيعي على الأراضي الليبية، أي إعادة فتح السفارة في طرابلس مجدداً وعدم الاكتفاء بالحدّ الأدنى من الخدمة المخصّصة للوثائق الإدارية. ليبيا بلد جار وهناك حركة مستمرة للبشر ولو بشكل يخرق القانون إثر إغلاق المنافذ البرية".

العمل في عاصمة النفط

تتغذى مظاهر الهجرة السرية شرقاً انطلاقاً من محافظة ورقلة من مطالب اجتماعية تقليدية في عاصمة النفط الجزائري، فقد عادت مظاهر الاحتجاج ضد واقع التنمية والمنادية بتحسين ظروف المعيشة إلى البروز بقوة قبل أسبوع، وهي التظاهرة الأولى التي ترفع مطالب اجتماعية في المحافظة منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للجزائر، نهاية العام الماضي.

وعلى بعد مئة كلم فقط عن ورقلة، تقع آبار حاسي مسعود للنفط، المورد الأول لمداخيل الجزائر من العملة الصعبة منذ استقلال البلاد، ويتّهم سكان المحافظة السلطات العليا باتّباع سياسة توظيف مجحفة. ففي احتجاج 14 يونيو (حزيران) الحالي، رفع المتظاهرون لافتة لآبار البترول والغاز في الولاية وشعارات عن فرص التوظيف "المنعدمة".

وتتقاطع مشكلات العمل ونقص فرص التوظيف في ورقلة والمحافظات الجنوبية مع مشكلات التنمية عموماً. ومع ذلك، فإنّ طبْع سكان الجنوب "الهادئ" حجب عن المحافظات الجنوبية أية أعمال قد تحوّل الاعتصامات المتكرّرة إلى مظاهر عنف.

قصص تعذيب

يُضطر أعيان من محافظات جنوبية جزائرية، لا سيما في محافظة إليزي الصحراوية حيث معبر "الدبداب" الحدودي إلى التدخل في بعض الأحيان للبحث عن مهاجرين جزائريين مفقودين في صبراتة، غريان أو الزنتان، وغيرها.

 ويعتمد الأعيان على وساطات قبلية في العادة تملك نفوذاً بين شبكات تهريب البشر أو جماعات إرهابية أو بين "مرتزقة".

في السياق ذاته، يشرح بلحات أحمد، أحد شباب محافظة إليزي لـ"اندبندت عربية" أن "شهادات كثيرة عايشتُها عن قرب تتحدث عن ظروف اعتقال غير إنسانية في مدن ليبية، ما يتطلّب وساطات قبلية أو حتى بين مسلحين ووقتاً طويلاً لمعرفة الجهة التي تعتقل المهاجرين الجزائريين".

موجة مغاربة بعد السوريين

ويضيف "في وقت سابق، كانت منطقة الدبداب ممرّاً للاجئين سوريين يصلون إلى الجزائر جواً، ومن ثم يحاولون الانتقال إلى إيطاليا عبر ليبيا. أما الآن، فالعدد الأكبر للمهاجرين داخل ليبيا من أصول أفريقية، وهناك أيضاً مهاجرون عرب من الجزائر والمغرب وتونس ومصر".

واضطُرت الجزائر قبل سنوات إلى فرض مراقبة على دخول السوريين إلى أراضيها بعدما استقبلت عشرات الآلاف، واختار كثر منهم الانطلاق منها بسبب عدم فرض التأشيرة على الوافدين، ومن ثم محاولة الهجرة إلى إسبانيا عبر المغرب أو إلى إيطاليا عبر ليبيا.

في المقابل، تتطابق هذه الشهادات مع ملخّص تقارير دورية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تتحدث عن تقطّع أحلام مئات المهاجرين السرّيين الأفارقة بحياة جديدة في أوروبا وانتهائها في مركز احتجاز في الصحراء النائية بليبيا.

المزيد من العالم العربي