Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما تبدأ طهران بخسارة حلفائها العراقيين

القيادة الجديدة لقوة القدس لم تكن تتوقع أن تصل الأمور إلى مستوى التنصل

عناصر من قوات "الحشد الشعبي" في العراق (أ ف ب)

ما تشهده الساحة العراقية، خصوصاً داخل المكون الشيعي، وتحديداً داخل الجماعات التي نمت وترعرت وتوسعت وسيطرت تحت مظلة الدور والنفوذ الإيراني في عراق ما بعد 2003، مفاجأة قد تصل إلى حد الصدمة لدى القيادة الإيرانية وجهاز قوة القدس التابعة للحرس الثوري، المعني بالتعامل مع هذه الساحة، بسبب مستوى التشرذم والتناقض لدى هذه الجماعات بين حاضرها وماضيها القريب والبعيد.

ويبدو أن هذه القيادة الجديدة لقوة القدس التي يمثلها الجنرال إسماعيل قاآني لم تكن تتوقع، وبناءً على علاقة كانت تعتبر إستراتيجية بينها وبين قيادات سياسية وعسكرية وأمنية، أن تصل الأمور إلى مستوى التنصل الذي بدأ هؤلاء يمارسونه في ما يتعلق بالعلاقة بإيران وحتى في ما يتعلق بالموقف السياسي المستجد على الساحة العراقية بعد مجيء مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، خلفاً لعادل عبدالمهدي، وهم كانوا شركاء مع الإيرانيين في وصوله إلى هذا المنصب. إضافة إلى دورهم السلبي في إفشاله، فضلاً عن القصور الذاتي الذي ظهر منه والذي تحول إلى عامل مساعد لهؤلاء لممارسة عمليات ابتزاز سياسي ومالي واقتصادي وأمني وحتى أخلاقي من أجل تعزيز وتحقيق مصالحهم الضيقة واستمرار فسادهم وإفسادهم للدولة والمؤسسات وحتى المجتمع العراقي، وتحويل العلاقات داخله إلى علاقات زبائنية ومصلحية على جميع المستويات.

وقد شكل اغتيال قاسم سليماني ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في بغداد، منعطفاً أساسياً وحساساً في طريقة التعامل بين قادة الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية المحسوبة على إيران، مع الوصي الجديد عليها إيرانياً أي الجنرال قاآني. فبالإضافة إلى حالة الاشمئزاز لدى قاآني بعد أول لقاء له ببعض قيادات هذه الجماعات والأحزاب والمستوى غير المسؤول الذي ظهر منها في تعاملها مع تداعيات عملية الاغتيال، وانحصار مطالبها بالحصول على الدعم الإيراني لتعزيز مواقعها داخل السلطة وضمان الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها، فضلاً عن تقديم بعض هذه القيادات نفسه كبديل "وفي ومخلص" لطهران في رئاسة الوزراء خلفاً لعبد المهدي. ومحاولة ابتزاز القلق والهواجس الإيرانية من نتائج الفراغ الحاصل في إدارة الملف العراقي بعد سليماني، ما دفع خليفة الأخير إلى إبلاغ هؤلاء مباشرة أو عبر وسيط معني بالعملية بحسم طهران خيارها بتبني ترشيح ووصول الكاظمي وضرورة التزام هذه الجماعات بهذا الخيار الذي يشكل وفق تعبير أحد قادة الحرس خطوة تكتيكية بالتراجع إلى الوراء قليلاً، بانتظار التطورات وإعادة تنظيم الأوراق والملفات بما يسمح بالتعامل مع الساحة العراقية بشكل أكثر واقعية، يتيح استيعاب الهبة الأميركية ويساعد على العودة إلى قواعد الاشتباك القديمة ما قبل عملية الاغتيال.

غياب سليماني عن المشهد الإقليمي وخصوصاً العراقي، أخرج إلى الضوء كل التناقضات والمساومات التي كانت مغيبة بفعل الأسلوب الذي كان يتبعه في حل المشاكل والعقبات التي كانت تواجهه في عملية ترتيب البيت الشيعي العراقي تحديداً، إن كان بتوظيف العلاقة التاريخية التي كانت تجمعه مع بعض قيادات هذه الجماعات منذ عقود، أو عبر استرضائها وتمرير ابتزازها له للحصول على مكاسب ومصالح وحصص داخل السلطة والدولة. ووجدت هذه القيادات نفسها في العراء بعد إخراج "مهندس" العلاقات والتوازنات بينها، وبالتالي بات عليها الدفاع عن مصالحها مباشرة حتى ولو كانت على حساب مصالح ودور الحليف التاريخي الذي صنعها وأوصلها إلى السلطة، بعدما قرأت السكوت الإيراني وتمرير الكاظمي على رأس السلطة التنفيذية علامات ضعف حقيقي في موقف طهران، ومؤشراً إلى تراجعها أمام الضغوط الأميركية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب منها التخفيف من أعباء التزاماتها الإيرانية والتفتيش عن قنوات للتواصل مع الطرف الأميركي وأطراف إقليمية أخرى معنية بالساحة العراقية، خصوصاً أن الأميركي عاد إلى ممارسة دوره الفاعل بعدما رفع البطاقة الحمراء لطهران ومسؤولي إدارة الملف العراقي وحتى الإقليمي.

وقد يكون الكلام الإيراني عن أن غالبية من كانوا يحسبون على أنهم حلفاء لطهران لم يعودوا كذلك، وأنهم باتوا أقرب إلى الخيار الأميركي منه، يعني أن المرحلة المقبلة لن تشهد حماسةً إيرانية في الدفاع عن هذه القيادات وأحزابها وجماعاتها، في حين ستلجأ إلى إعادة ترتيب أوراق حلفائها وجماعاتها والتركيز على مستويات جديدة من العمل مع جماعات بعيدة من السلطة ومغانمها وتعود في قيادتها وقراراتها إلى طهران مباشرة، من دون أن تعرف لها قيادات محلية. وهذا ما سيجعلها أكثر طواعية والتزاماً بالمصالح الإيرانية، من دون التخلي عن التعامل البراغماتي مع الفصائل الأخرى، التي رعتها سابقاً ومهدت لها الوسائل لفرض نفسها شريكاً في العملية السياسية.

ولعل أبرز محطات الصدمة الإيرانية على الساحة العراقية، حالة الفتور السلبي القائمة بينها وبين زعيم منظمة بدر وزعيم تحالف الفتح هادي العامري، الذي بدأ مساراً واضحاً بالابتعاد عن الخيار الإيراني، بعدما اعتبر أن "فرض الكاظمي" رئيساً للوزراء كان على حسابه، فضلاً عن حرمانه من تولي الموقع الذي شغله المهندس كنائب رئيس هيئة الحشد أو حتى رئيسها بدلاً من فالح الفياض. وقد بدأ العامري مسار التمهيد لتولي رئاسة الوزراء قبل تكليف عبدالمهدي، عندما عقد سلسلة من اللقاءات السياسية والتنسيقية مع السفيرين الأميركي والبريطاني بعيداً من الإرادة الإيرانية.

ويبدو أن العامري بعد غياب الرعاية الإيرانية ومظلة الراعي المباشر يعاني من أزمة داخل المنظمة التي يقودها، وبدأ يلوم نفسه أيضاً لدفعه قيادات من الصف الثاني في هذه المنظمة لتولي مناصب وزارية مفصلية وسيادية داخل الحكومة أيام الرئيس حيدر العبادي من خلال توزير محمد الغبان وقاسم الأعرجي في وزارة الداخلية، وهما يريان أنهما أحق منه في تولي رئاسة السلطة التنفيذية لما يملكانه من مؤهلات تفوق مؤهلات العامري. ولم يقف الأمر عند حدود التنافس مع العامري على رئاسة الوزراء، بل تعداه ليصل إلى الصراع على الاستحواذ على منظمة بدر، بما ينذر بإمكانية حصول انشقاقات داخلها لتتحول إلى ثلاث منظمات، واحدة للعامري وأخرى للغبان وثالثة للأعرجي، ما سيعني أن العامري لم يخسر فقط المظلة الإيرانية التي تراجعت بشكل واضح وكبير، بل سيخسر المنظمة التي فرضته جزءاً من العملية السياسية العراقية. أي أن الأمور في المستقبل لن تكون سهلة على العامري مقارنة بالفترة التي شغل فيها منصب وزير النقل في حكومة نوري المالكي، عندما أصدر أمراً من بغداد يفرض على طائرة إحدى الخطوط الجوية التي كانت متجهة إلى العاصمة العراقية بغداد بالعودة إلى مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة اللبنانية بيروت لنقل نجله "حسن" الذي تأخر في الحضور إلى المطار اللبناني مع أصدقائه ولم يلتزم بمواعيد إجراءات المغادرة، لتأكده بأن هناك من يدوس على كل الإجراءات من أجل تنفيذ رغباته، حتى وإن كانت على حساب حقوق الآخرين من البشر العاديين، الذين لم يقدر لهم أن يدخلوا في نعيم السلطة والإمداد الغيبي.

المزيد من آراء