Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المتر الأخير في الباغوز... أكراد سوريا يدفنون أعداءهم ويواجهون المجهول

يحافظ الأكراد على أعلى مستويات القلق من الإستراتيجية التركية، التي لا تفتقد لأدوات التحرّك ضد المشروع الكردي

السلام السياسي السوري العمومي الوطني وحده القادر على أن يحفظ للأكراد ما حققوه من "مكاسب" (اندبندنت عربية)

يبدو المقاتلون الأكراد وكأنهم يتمهلون في إنهاء وجود تنظيم "داعش" في الأمتار الأخيرة لهم في بلدة الباغوز في محافظة دير الزور شرق سوريا، إذ يتحسسون بصمت ما يُحيط بهم من قوى سياسية محلية وإقليمية، وحتى دولية، تتهيأ للحظة إعلان نهاية المعركة ضد "داعش"، لتُعلن أن الأوضاع الراهنة في شرق الفرات، حيث تهيمن قوات سوريا الديمقراطية بقيادتها وغالبيتها الكردية على الحياة السياسية والعسكرية هناك، أن أوضاع تلك المنطقة غير صحية وسليمة، وأنها كقوى دولية ومحلية أكثر شرعية وتوازناً وقدرة للسيطرة على تلك المنطقة الحيوية.

الخشية من الحليف

يخشى الأكراد حليفهم الأميركي أكثر من أي طرف آخر، هذا الحليف الذي منحهم فرصة استثنائية لأن يتحولوا من جماعة أهلية مقموعة في الشمال السوري إلى قوة عسكرية وسياسية تحكم قرابة ثلث سوريا، وتغدو جزءاً حيوياً معترفاً به ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. لا يخشى الأكراد مزاجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب وميله لاتخاذ قرارات فجائية من دون حسابات عميقة وترتيبات مسبقة، بل يخشون استمرار الولايات المُتحدة من دون أية رؤية وإستراتيجية سياسية للدور الأميركي في المسألة السورية، ويخشون أيضاً أن تطيح الولايات المتحدة علاقتها ومظلة حمايتها للأكراد في ظل أي توافق يمكن أن تقيمه في أية لحظة مع تركيا أو روسيا، أو حتى مع النظام السوري نفسه، بالضبط مثلما فعلت في ملف جنوب سوريا، قبل قرابة العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قلق من الإستراتيجية التركية

على المنوال نفسه، يحافظ الأكراد على أعلى مستويات القلق من الإستراتيجية التركية، التي لا تفتقد لأدوات التحرك ضد المشروع الكردي، حتى لو أبقت الولايات المتحدة بضع مئات من جنودها في منطقة شرق الفرات، واستمرت في تنبيه تركيا إلى مغبة هجومها على الأكراد السوريين. ويعتقد الأكراد بأن مستوى التداخل بين تركيا وقوى المعارضة السورية، ولا سيما التنظيمات الإخوانية والإسلامية المقاتلة، الخاضعة للإملاءات التركية، والمتلهفة لمماحكة القوات الكردية شرق الفرات، آملةً في أن تتحول إلى صِدام كردي عربي، يُفقد الأكراد سمة التنظيم العالي والقدرة الاستثنائية على مسك الأرض في المناطق التي حاربوا فيها تنظيم "داعش" الإرهابي.

النظام السوري... في دائرة القلق

يشكّل النظام السوري الجزء الثالث من مروحة القلق الكردية، فصحيح أن الطرف الكردي الحاكم راهناً توافق مع النِظام السوري في بداية الثورة، لكنه مع ذلك بقي متيقناً بأن ذلك التوافق الأولي الذي وافق عليه النظام في ظرف ضعفه الشديد في العامين الأولين من الثورة السورية، وسمح بتسليم معظم المناطق ذات الغالبية الكردية من سوريا لهذا الطرف الكردي، أي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات سوريا الديمقراطية التي كانت وقتها وحدات حماية الشعب الكردية، لكن الجانب الكردي كان ولا يزال متيقناً من استحالة تحوّل ذلك التوافق الأمني مع النظام السوري إلى توافق سياسيّ بين الطرفين.

العداء أو الخضوع المطلق

جرّب المحاورون الأكراد ذلك مع النظام السوري طوال جولات المفاوضات التي جرت بين الطرفين أكثر من مرة طوال السنوات الماضية، واكتشفوا أن النظام السوري لا يقبل ولا يملك أية قابلية لأن يشارك أحداً أيّ جزءٍ من سلطته المطلقة على البِلاد، وأنه سيبقى يناصب الأكراد العداء المطلق على الدوام، إلى أن يعودوا للخضوع المطلق لسلطته الشمولية.

ويعتقد الأكراد بأن الميليشيات الطائفية الإيرانية ونظيرتها السورية المسمّاة "الدفاع الوطني"، يمكن أن تواجه المشروع الكردي لصالح النظام السوري، بالطريقة نفسها التي يمكن أن تفعلها ميليشيات المعارضة الإسلامية خدمة لتركيا.

الأمن المختلّ

مقابل ذلك، فإنه ثمة سلّة من المعضلات الداخلية التي تواجه سلطة الحكم "المدنية" في مناطق شرق الفرات، فهذه السلطة ترى نفسها مسؤولة عن قرابة مئة ألف من مقاتلي "داعش" وعائلاتهم المسجونين لديها، هؤلاء الذين يشكلون أخطرَ ملفٍ في مرحلة ما بعد "داعش"، تخشاه حتى أكثر الدول رسوخاً وقوة.

فالمقاتلون المحترفون في هذه المنطقة يقلّون عدداً عن مجموع ما لدى هذه السلطة من معتقلين خطيرين للغاية، وتفتقد لأية موارد اقتصادية ذات ثقل، تستطيع عبره أن تُعيد إدماج الآلاف من المتطرّفين هؤلاء في مجتمع صحي ودورة حياة ذات سلام اجتماعي، كذلك فإن قوى الحكم في تلك المنطقة يجب أن تكون مخوّلة بمهمة أمنية أكبر منها بكثير، تتمثّل في ضبط عشرات الخلايا النائمة للتنظيمات المتطرفة في مناطق حكمها.

كذلك فإن بنية الحكم هذه مجبرةٌ على تقديم شبكةٍ من الخدمات العامة، التعليمية والصحية والأمنية، وأن تفعل ذلك في ظلّ شبه حصار اقتصادي تشهده كامل مناطقها، ومن دون موارد اقتصادية ثابتة وسخية، فهي بمعنى ما يجب أن تقوم بكامل واجبات وخدمات أية دولة عادية لمجتمعها المحلّي، من دون أن تملك أدوات ومؤسسات تلك الدولة.

تباينات داخلية

تستشعر قوة الحكم المحلية الكردية أيضاً نوعاً من الفراغ الداخلي، فهي فشلت في أن تخلق شراكة كردية كردية في تلك المنطقة، ولا سيما مع الأحزاب الكردية السورية التقليدية الرئيسة الثلاثة، الحزب الديمقراطي الكردستاني سوريا، وحزب يكيتي الكردستاني والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، هذه الأحزاب التي تمثّل الطبقات الوسطى والأكثر تعليماً من الأكراد السوريين.

وهذه الأحزاب الكردية ترى في إستراتيجيتها وتوجهاتها السياسية ما هو نقيض للتجربة الكردية وأحزابها الحاكمة في شرق الفرات، وهو ما يمسّ التوازن الداخلي للتجربة الكردية في تلك المنطقة.

فشل الشراكة

ما يصحّ في شأن الأحزاب الكردية التقليدية النظيرة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الحاكم، يصحّ في شأن فشل الإدارة الكردية في خلق توافق وشراكة كردية عربية سريانية في منطقة شرق الفرات طوال السنوات الماضية.

فطبيعة تفكير وإيديولوجية قوة الحكم الكردية هناك، تميل إلى أن تختلق ممثلين سياسيين "مزيّفين" للجماعات الأهلية الأخرى، وادعاء تمثيلها قواعدها الاجتماعية، كي تتخلص من ثقل الشراكة الحقيقية من الشركاء المحليين، من عرب وسريان الجزيرة السورية، لكن ذلك التهميش واستبعاد القوى السياسية غير الكردية، قد يخلق في مرحلة مقبلة نوعاً من سوء علاقة هذه المنظومة الحاكمة بالقواعد الاجتماعية التي تحكمها، وربما نوعاً من العداء.

الأكراد والحفاظ على المكاسب

أخيراً، يعرف الأكراد السوريون، بكامل طيفهم السياسي، أن الضمانات الدولية والتناقضات الإقليمية والمحلية التي تسمح لهم بحكم منطقة شرق الفرات الشاسعة، إنما هي ظروف وديناميكيات موقتة وقابلة للتبدل على الدوام، بحكم تداخل مصالح وعلاقات الأطراف المنخرطة في المسألة السورية، وبالذات في مناطق شمال شرقي سوريا، وأن الحلّ في السلام السياسي السوري العمومي الوطني وحده القادر على أن يحفظ للأكراد ما حققوه من "مكاسب"، ذلك الحل والسلام السوريان اللذان يبدوان أبعد من أي شيء آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي