Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعمال وارهول الصادمة تزين "تيت غاليري" في ذكرى ميلاده

البوب آرت حركة فنية ظهرت في مطلع الخمسينيات وعكست صخب العالم ونهمه

فنان البوب أرت آندي وارهول (موقع الفنان)

في أول اجتماعاتهم التي استمرت بانتظام خلال النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي في لندن ألقى الفنان البريطاني إدواردو باولوزي كلمة مطولة عن مجموعة المشاركين من الفنانين والكتاب والمعماريين. كانت محاضرة طويلة عن الثقافة البصرية السائدة، دعمها باولوزي بلوحة من إنتاجه يهاجم فيها الثقافة الاستهلاكية التي غزت العالم. كانت اللوحة واحدة من مجموعة أعمال أخرى عرضها لاحقاً تحت عنوان "كنت ألعوبة رجل غني" معتمداً فيها على أسلوب الكولاج. تصدرت اللوحة صورة لفتاة إعلانات برداء أحمر، وإلى جوارها كُتبت كلمة "pop" بخط أسود واضح. ويبدو أن تلك الكلمة ذات المرادفات العديدة في اللغة الإنجليزية قد أوحت إلى الناقد الفني البريطاني "لورانس ألواي" صوغ كلمة بوب آرت لأول مرة في مقال له نشر عام 1954 ، لوصف تلك الأعمال الجديدة المستوحاة من صور الثقافة الشعبية. كانت الأعمال الفنية الأولى لهؤلاء الفنانين هي أول إرهاصات هذا الإتجاه الصارخ واللاذع في سخريته. ظهرت معالم فن البوب خلال السنوات الأولى من عقد الخمسينيات في بريطانيا،وصيغت ملامحه سريعاً على يد نُخبة من الفنانين والكتاب والمعماريين الذين جمع بينهم التمرد على الثقافة البصرية السائدة. وقد مثلت أعمال هؤلاء انعكاساً لذلك الشعور المتنامي لدى شريحة واسعة من الشباب الرافض للأنماط السائدة في الملبس والموسيقى والغناء.

الثقافة الشعبية

ومع أن حركة البوب آرت كانت قريبة الشبه في نشأتها وأدواتها من الحركة الدادائية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والتي اعتمدت في بنائها على المفردات البصرية السائدة. إلا أن الدادائية كانت تسعى لخلق تركيبات عبثية غير عقلانية من الصور لاستفزاز عقلية المتأمل، كنوع من الاعتراض ورد الفعل الهستيري على الحرب والتدمير وانفلات العنف حول العالم. وقد استخدم فنانو البوب آرت البريطانيون تقنية مشابهة، لكنهم اعتمدوا في الحقيقة على الصور المرتبطة بالثقافة الشعبية الشائعة كما تتجلى في وسائل الإعلام، تحدياً لفكرة المُؤسسة. إستخدم هؤلاء الفنانون في أعمالهم تركيبات من الصور المُختلفة وقصاصات من صحف وإعلانات سيارات وعبوات مواد غذائية وأجهزة كهربائية وصور لمشاهير، مستفيدين من سطوة هذه الصورة السائدة في وسائل الإعلام.

ومع أن الإرهاصات الأولى لحركة البوب آرت كانت في بريطانيا، إلا أنها اتخذت منحى أكثر بريقاً وحدّة في الولايات المتحدة الأميركية. كانت حركة البوب آرت في أميركا أشبه ما يكون برد فعل مضاد للتعبيرية التجريدية، وهي المدرسة الأوسع إنتشاراً في ذلك الوقت بين الفنانين الأميركيين، وكان يُنظر إليها باعتبارها منتجاً أميركياً خالصاً. وبداية من منتصف الخمسينيات بدأت ملامح التمرد بين شباب الفنانين تظهر تباعاً على أساليب تلك المدرسة الغارقة في التجريد، كمحاولة لإعادة الاعتبار للصورة والإحتفاء بها من جديد داخل اللوحة.

ألهمت الصور المستمدة من التليفزيون والسينما والمجلات والصحف اليومية عدداً آخر من الفنانين الذين تناولوا هذا المزيج البصري الصارخ في إطار من الرمز والسخرية والتمرد. تجلت هذه السخرية في أعمال روي ليخنشتاين أحد أبرز فناني البوب آرت الأمريكيين. إعتمدت أعمال ليخنشتاين على الصور المُستمدة من مجلات القصص المصورة (كوميكس) وتميزت بخطوطها السوداء العريضة المُحدِدة للأشكال المرسومة، والألوان الزاهية للعناصر والمفردات التي كان ينتقيها بعناية من بين أبطال مجلات القصص المصورة الأميركية والملصقات الدعائية. كما كان له تجربة في إعادة صوغ الكثير من الأعمال الشهيرة لفنانين كبار أمثال بيكاسو وسيزان وفان غوخ بأسلوب أكثر حدة، وميلاً إلى المعالجة الأحادية للألوان والمساحات. 

احتفاء بآندي وارهول

إحتفاءً بحركة البوب آرت يفرد مُتحف الفن الحديث (تيت مودرن) في لندن حالياً وحتى 6 سبتمبر القادم معرضاً للفنان الأمريكي آندي وارهول، أحد أبرز رموز حركة البوب آرت وأكثرهم تأثيراً وتجسيداً لملامح هذه الحركة. ويقام المعرض بالتزامن مع ذكرى ميلاده في أغسطس (آب) القادم. يكمن تميز وارهول في صوغ أعماله بأساليب مُبتكرة، كاعتماده على تقنيات الطباعة التُجارية، وهو ما كان مصدراً للنقد والسخرية من بعض معاصريه من الفنانين والنقاد. عمل وارهول على نقل الصور على الورق وعلى قماش الرسم، باستخدام تقنيات الطباعة المعروفة بالطباعة الحريرية، وهي تقنية طباعية بسيطة كانت تُستخدم وقتها على نطاق واسع في الطباعة التُجارية. غير أن ما يُحسب لوارهول حقاً أنه قد مزج بين المعالجات الفنية وتقنيات الطباعة التجارية هذه، وهو الأمر الذي لم يسبقه إليه أحد.

 

استخدمت تقنية الطباعة الحريرية قبل وارهول بسنوات على يد العديد من الفنانين، ولكنها كانت تُستخدم عادة لطباعة نُسخ قليلة التكلفة من الأعمال الفنية. غير أن وارهول جعل من طريقته الخاصة في طباعة المواد الدعائية المُعتمدة على الصورة الفوتوغرافية، محوراً لصوغ أعماله الفنية. كان وارهول ينتقي الصور من المجلات والصحف اليومية من أجل إعادة طباعتها على الورق والقماش معتمداً على تقنيات الطباعة الحريرية. ومن بين الصور الشهيرة التي قدمها وارهول في فترة الستينيات كانت أوراق الدولار وصور المشاهير من نجوم السياسة والسينما، والمُنتجات ذات العلامات التجارية الشهيرة. تضمنت أعمال وارهول إشارات بصرية لأحداث فارقة كصورالـتفجيرات النووية مثلاً. مع الوقت تقلصت صور العناصر التي يستخدمها وارهول فى أعماله واكتفى بالرمز نفسه، كأسماء العلامات التجارية، وعلامة الدولار. وفي السبعينيات، توسع في رصد الثقافة الإستهلاكية الأميركية بمعالجته لعدد كبير من الصور التي تتناول حالات الإنتحار وحوادث السيارات.

خلال حياته، عمل وارهول في مجال واسع من الوسائط الفنية المتعددة، كالرسم والتصوير والفوتوغرافيا والنحت. وكان مخرجاً غزير الإنتاج، فبين عامي 1963 و1968 قدم أكثر من 60 فيلماً، بالإضافة إلى نحو 500 فيلم قصير بالأبيض والأسود. واتخذت معظم أفلامه منحى تجريبياً ومفاهيمياً غير مألوف في صناعة السينما وقتها. ويُنظر اليوم إلى هذه التجارب المبكرة التي قدمها وارهول في أفلامه كواحدة من التجارب الرائدة في مجال الفيديو آرت. من أشهر هذه الأفلام التي أخرجها وارهول، فيلم "النوم" ويرصد فيه وجه الشاعر الأميركي جون جيورنو، وهو مستغرق فى النوم لمدة ست ساعات، وفيلم "إمباير" عام 1964 ويتألف من ثماني ساعات من اللقطات لمبنى إمباير ستيت في مدينة نيويورك. أما فيلمه الأكثر شعبية "فتيات تشيلسي"، فقدمه فى عام 1966 وهو أول عمل سينمائي له يحظى بنجاح تجاري واسع.

المزيد من ثقافة