Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعادة تنظيم الدوائر الحكومية دليل على نفاد الأفكار

بوريس جونسون دمج وزارتين بوزارة كبيرة مستنداً إلى الأمل أكثر من التجربة

بوريس جونسون واجه وضعاً سياسياً صعباً مع جائحة كورونا وتداعياتها (رويترز)

عندما تنفد الأفكار (على نحو حزين) من حكومة ما، فإنها تحاول تنشيط نفسها بإعادة تنظيم "ماكينة الحكومة" Machinery Of Government. وفي "وايتهول"، يطلقون على هذه العملية تسمية "إم أو جي" MOG، بازدراء لا يخلو من شعور بالإرهاق. وفي العادة لا تنطوي هذه الترتيبات الخاصة بالوظائف البيروقراطية على شيء جوهري. وكذلك لا ينتظر المسؤولون الذين قد تتغيّر لوحات أسمائهم النحاسية، وأوراق ملاحظاتهم، شيئاً منها. ويتمثّل كل ما عليهم فعله في المضي قدماً مع التعديلات.

هذا ما يعتقد الكثيرون بخصوص قرار دمج "إدارة التنمية الدولية" مع "وزارة الخارجية والكومنولث". ولأنه قرار منتظر منذ فترة طويلة، فقد تقاسمت الوزارتان فعلياً وزراء الدولة، وكذلك بات الهدف من ذلك معروفاً جداً، ويتمثّل في تعزيز المصلحة الوطنية البريطانية بشكل أفضل. فهل ستضع وزارة الخارجية، والكومنولث، والتنمية الجديدة بقيادة دومينيك راب حداً للعقم الوظيفي؟

جاءت الحالة الوحيدة البارزة لمحاولة تغيير وظائف الجهاز الحكومي في العقود الأخيرة حينما أصبح غوردن براون رئيساً للوزراء، وأراد إنشاء وزارة جديدة للإنتاجية والمشاريع والابتكار والمهارات  Department for Productivity, Enterprise, Innovation and Skills، التي ستعرف بالاسم المختصر والذكوري "بنيس" PEnIS. لكن، جرى التخلي عن هذا الاسم. وبغض النظر عمّا سمّيت به لاحقاً، وزارة التجارة والمشاريع، أو وزارة الأعمال، أو وزارة المشاريع والإصلاح التنظيمي، أو وزارة الأعمال، أو وزارة الطاقة والاستراتيجية الصناعية، أو في الواقع  "بنيس"، فإنها لم تُحدث فارقاً كبيراً في معدل نمو اقتصاد المملكة المتحدة.

 في غالبية الأحيان، فشلت سابقاً محاولات دمج وزارات في واحدة كبيرة كوزارة الصحة والضمان الاجتماعي القديمة، أو وزارة البيئة، والنقل والمناطق بقيادة جون بريسكوت، في تحقيق التفاعل المتصور، وتبسيط آليات العمل بينها. واعتادت مثل تلك الأفكار أن تظهر وتختفي في دورات، مثل موضة بنطلونات "فلير" fashion for flares، أو أحذية "دوك مارتينز"  Doc Martens.

لذا، بذل بوريس جونسون ما بوسعه، مدفوعاً بالأمل أكثر من الاستناد إلى التجربة، للترويج لـ"الوزارة الفائقة" superdepartment الجديدة باعتبارها تمتلك "قدرة كبيرة" على تنشيط المصالح البريطانية العالمية.

 مع ذلك، بدا رئيس الوزراء غير مقتنع تماماً بالخطة. وبدا من خلال بعض حججه، كأن وزارة الخارجية والكومنولث سئمتا من استمرار "إدارة التنمية الدولية" في إعطاء رسائل متباينة للحكومات الأجنبية، وإنفاق أموال كثيرة على دول لها قيمة استراتيجية ضئيلة بالنسبة إلى المملكة المتحدة.

وقد ألمح جونسون إلى العودة إلى عقلية "المساعدة المشروطة" (أي منح صفقات تجارية  للشركات البريطانية) التي أصبحت موضع استهجان على الصعيد الدولي. علاوة على ذلك، اشتكى جونسون حتى من تخصيص نسبة أكبر من مساعدات "وكالة التنمية الخارجية" لدول الكومنولث (والمستعمرات البريطانية السابقة) كزامبيا وتنزانيا، بدلاً من دول كأوكرانيا أو البوسنة. ويؤكد هذا ربما عن غير قصد، أن الأولوية البريطانية في المساعدات الخارجية ستكون من الآن فصاعداً مرتبطة بالاعتبارات الجيوسياسية، والأمنية بدلاً من التنمية والأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة، التي رُفِضَتْ بوصفها قديمة ومتجاوزة. وقد تم الثناء على (جهود) "وزارة التنمية الدولية" ببعض التحيات خلال طقوس أخيرة، عبر الإشادة بعملها الشاق، وتفانيها في مكافحة فيروس "إيبولا"، وجهودها في سوريا، ومكافحة شلل الأطفال. وبعدها، لم تعد ما سمّاه جونسون "صرّافاً آليا cashpoint عملاقاً في السماء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

كذلك أُخضِعَت "إدارة التنمية الدولية" وسلفها "وزارة التنمية الخارجية" أكثر من غيرها، إلى إعادة تنظيم مماثلة لم تكن ذات فائدة تذكر. فقد استُحدِثَتْ "وزارة التنمية الخارجية" في ظل حكم حزب العمال 1964 كإدارة منفصلة لها وزيرها الخاص في الحكومة تجسّد في شخص الوزيرة النشيطة باربارا كاسل ليكون لها مقامها، وتتمتع بحرية إنجاز عملها بشكل أفضل، و"كضمانة بأن لا تظل المساعدات الممنوحة للخارج منحاً خيرية من الأغنياء للفقراء، بل محركاً أساسياً في تطوير الأعمال"، بحسب قولها. وقد تأسست هذه الوزارة على الأفكار الواردة في بيان أصدرته "الجمعية الفابية" Fabian society (الاشتراكية) في 1960. ولأن هذا العمل ما يزال له مغزىً ولو جزئياً حتى اليوم، فقد تمثّل الغرض منه آنذاك في دعم بعض البلدان الحديثة العهد بالاستقلال، التي وقعت قبل ذلك تحت إشراف وزارة المستعمرات، لأن بعض البلدان الفقيرة التي شكّلت جزءاً من بريطانيا كملاوي وغويانا، لم تكن قادرة على العمل بدون دعم بشكل أو بآخر.

وظلت "وزارة التنمية الخارجية" إدارة مستقلة حتى ضُمَّتْ إلى "وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث" في 1970. وظهرت مجدداً في 1974 لكنها عادت إلى حضن "وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث" في 1975. وقد استمرت كذلك إلى أن أُعيدت تسميتها وإطلاقها مجدداً تحت رئاسة كلير شورت باسم "إدارة التنمية الدولية" عندما تولى حزب العمال الحكم في 1997. وآنذاك، جرى التعهّد برفع قيمة المساعدات إلى الهدف الذي حددته الأمم المتحدة بـ0,7 في المئة من الدخل القومي. وقد جرى بالفعل بلوغ ذلك المستوى خلال حكومة الائتلاف في 2013.

 على مدى تلك السنوات، استمرت "إدارة التنمية الدولية"/ "وزارة التنمية الخارجية" في أداء مهمتها. وشاع التفكير آنذاك في أنها ستفشل غالباً في تحقيق أفضل آمالها، وستتعرض على الدوام لتأثيرات خفض معدلات الإنفاق العام، على الرغم من أن تلك الخطورة تدنّت منذ أن حصن ديفيد كاميرون ميزانيتها في 2010. وقد كان بعض الوزراء أكفاء وفاعلين من أمثال كاسل شورت، وكريس باتن، وهيلاري بين، وروري ستيورات (الذي قضى فيها فترة قصيرة). إلا أنه بحسب أقوال المؤرخ بيتر هينيسي المميزة، فإن "حزب العمال يريح ضميره من خلال إعادة استحداثها كوزارة مستقلة، في غالب الأحيان وليس دائماً، بوزير في الحكومة يدرك تمام الإدراك أن المحافظين الذين سيعودون للحكم سيعيدونها إلى وصاية وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث".

تقليدياً، كان الالتزام الأقوى للوزارة مع الهند. ونتيجة صعود الهند كقوة عظمى ذات برنامج فضائي، وسلسلة من الفضائح، تعرضت الموازنة المخصصة للمساعدات، لانتقادات وسائل الإعلام وهجمات اليمين السياسي. وفي خطوة مبدعة، عينت تيريزا ماي بريتي باتل لإدارتها في 2017 على الرغم من أن باتل سبق أن طالبت بإلغاء الوزارة، وناقشت لاحقاً بشكل سري مع بنيامين نتنياهو استخدام مساعدات التنمية البريطانية لتمويل المستشفيات الميدانية الإسرائيلية.

يفيد بيان صدر عن حزب المحافظين في 2019 "سنحافظ باعتزاز على التزامنا بإنفاق 0,7 في المئة من الناتج الداخلي الخام على التنمية". ويبدو ذلك ثابتاً، على الرغم من أنه بالطبع لم تتخذ احتياطات لإمكانية حدوث انخفاض حاد في الاقتصاد. في المقابل، لم يتضح بعد حجم المساعدات غير المشروطة المخصصة للبلدان الأكثر فقراً، الذي سيجري قريباً تحويله صوب خدمة أهداف سياسية أكثر نفعاً في شرق أوروبا مثلاً.

في غضون ذلك، ثمة احتمال مرتبط بدومينيك كامينغز، وبعض أعضاء البرلمان المحافظين وآخرين، قوامه أن يذهبوا أبعد من ذلك ويتوغلوا في الوزارات العتيقة لإحداث مجموعات عمل حتى داخل قطاعات مشتركة أكبر. وفي ضوء هذا السيناريو، سيدمج، أو يجمع وزارة الخارجية، ووزارة التنمية الدولية، ووزارة الدفاع، ووزارة التجارة الدولية في إطار مجموعة منسجمة استراتيجياً، على الرغم من صعوبة إدارتها. وقريباً، قد نرى ظهور وزارة تجمع تلك الوزارات كلها. وسيمثّل ذلك الإدماج النهائي الذي سينهي كل عمليات الدمج الحكوميّة.

© The Independent

المزيد من تحلیل