Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة أنظمة رئاسية وبرلمانية: المشكلة إدارة النظام لا النوع

التغيير الحقيقي يبدأ في المجتمع والعلّة بقاؤه أسير العصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية والعرقية

حراك شعبي جزائري سلمي يطالب بالانتقال من النظام الرئاسي الى نظام ديمقراطي برلماني (أ ف ب)

ما هو النظام الأفضل لحل الأزمات التي صارت حروباً في سوريا واليمن وليبيا؟ وهل هو نفسه النظام الأفضل لحل الأزمات حيث لا حروب في الجزائر وتونس والعراق وتركيا؟ النظام الرئاسي أم الديمقراطي البرلماني؟ المركزي أم الفيدرالي؟ هذه الأسئلة لم تعد محرّمة، الشارع كسر "التابو"، وفي أكثر من بلد تململ من النظام القائم ودعوات إلى نظام جديد مختلف، ولا فرق سواء كان البلد يمارس القمع بقسوة أو كان المواطن يستطيع إعلان رأيه ورؤيته بصراحة من دون أن يفقد وظيفته أو يذهب إلى السجن أو المنفى أو القبر، ففي سوريا يطالب المعارضون من الخارج الانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام الديمقراطي البرلماني، ويقاتل الأصوليون التكفيريون لإقامة نظام ثيوقراطي توتاليتاري لأن "الديمقراطية والانتخابات كفر".

في ليبيا، برج بابل من المطالب في ظل حرب بعد 40 عاماً من "اللانظام" تحت سلطة القذافي، وفي اليمن، حوثيون يريدون إعادة الإمامة، و"شرعيون" مع النظام الرئاسي، ومعترضون مع نظام فيدرالي أو حتى كونفيدرالي بين الشمال والجنوب، وجنوبيون يريدون استعادة استقلال اليمن الجنوبي.

في تونس والعراق، معاناة في ظل نظام ديمقراطي برلماني يفتقر إلى مؤسسات حقيقية، ودعوات إلى "نظام رئاسي معدل"، وفي الجزائر، حراك شعبي سلمي يطالب بالانتقال من النظام الرئاسي الذي لم يتغير بعد بوتفليقة إلى نظام ديمقراطي برلماني يحترم التنوع وخصوصيته الأمازيغية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في تركيا التي نقلها أردوغان من نظام ديمقراطي برلماني إلى نظام رئاسي، صوت صارخ في أحزاب الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والمستقبل، والديمقراطية، والتقدم، والشعوب الديمقراطي، للعودة إلى النظام البرلماني بعد تجربة أردوغان الشخصانية السلطوية، ومن المفارقات أن أردوغان عند تأسيس "العدالة والتنمية" كان ينتقد إدارة أتاتورك تركيا مركزياً ويقول "عصر مركزية السلطة انتهى".

منطق الداعين إلى النظام الرئاسي في تونس والعراق أن النظام البرلماني الذي جاء بعد نظام رئاسي سلطوي خلق مصاعب في تأليف الحكومات وصراعات داخل السلطة ومسلسلات من تشظي الأحزاب الكبيرة والصغيرة، ومحاصصة تشل القدرة على القرار وتحمي الفساد، ومنطق الداعين إلى النظام البرلماني في تركيا والجزائر أن النظام الرئاسي يلغي المجتمع ويهمّش الأحزاب ويقود إلى جنون العظمة والسيطرة على المؤسسات والإدارة والاقتصاد، بالتالي يوقع البلد في أزمات بلا قدرة على حلّها.

لكن المشكلة ليست في نوع النظام بل في إدارة النظام وغياب المؤسسات وبقاء المجتمع أسير العصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية والعرقية، فالنظام الرئاسي ناجح في أميركا حيث قوة المؤسسات ضمن "الضبط والتوازن" وإصرار جيفرسون وماديسون وبقية "الآباء المؤسسين" على أن الديمقراطية ليست فقط حكم الأكثرية بل أيضاً الحفاظ على حقوق الأقلية ومصالحها، والنظام نصف الرئاسي ناجح في فرنسا منذ أنشأ الجنرال ديغول الجمهورية الخامسة بعد ضعف الجمهورية البرلمانية الرابعة، والنظام الديمقراطي البرلماني ناجح في ألمانيا والهند وبريطانيا والسويد والدنمارك والنرويج وأستراليا ونيوزيلندا وهولندا وجمهوريات البلطيق وسواها، سواء تحت سلطة الحزب الحاكم أو الأحزاب المؤتلفة، لأن الدستور هو الفيصل في دولة الحق والقانون.

والشعب قبل البرلمان والقضاء، يلعب دوره في المراقبة ثم في المحاسبة يوم الانتخابات، والنظام الفيدرالي ناجح في أميركا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا، والنظام المركزي ليس فاشلاً في الصين تحت حكم الحزب الشيوعي والأمين العام الرئيس شي جينبينغ، كذلك النظام الرئاسي في روسيا حيث يقول الرئيس بوتين "لا تحكم إلا بنظام رئاسي"، ويذهب مهندس حكمه فلاديمير سيركوف إلى حد القول "روسيا يمكن الحفاظ عليها فقط كدولة عسكرية- بوليسية".

المشكلة في المنطقة هي إدارة النظام الرئاسي بشكل سلطوي، فالرئيس يبقى في القصر مدى الحياة بالتمديد له وتعديل الدستور من أجله، ويختار حفنة من المقربين والأقرباء للتسلط على الناس، ويعمل في النهاية لتوريث أولاده، وهي أيضاً إدارة النظام الديمقراطي البرلماني بما يناقض الديمقراطية والبرلمانية، فالموالاة إلى الأبد، والمعارضة إلى الأبد، لا تغيير في لعبة السلطة إلا عند الاضطرار للمحاصصة التي تمارس سلطة تأكل الدولة وتهمل مصالح الناس وتعطي الأولوية لمصالح النافذين، أما الفيدرالية فإنها تنتهي بالتقسيم كما حدث بين السودان وجنوبه، وبالرغبة المعلنة بالتقسيم عبر استفتاء كما في كردستان العراق.

والتغيير الحقيقي يبدأ في المجتمع ثم ينعكس على النظام أو تبقى الأنظمة، مع اختلاف أنواعها، متسلطة على المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء