بداية الرقص حنجلة، لكن بداية "قانون قيصر" في التطبيق كانت فرض العقوبات على رأس الهرم في النظام السوري: الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء وعدد من المسؤولين والكيانات، فالقانون الذي بدأ الشغل عليه من عرض 55 ألف صورة توثق التعذيب الوحشي في السجون السورية حملها ضابط منشق سمي "قيصر"، أخذ ستّ سنوات ليصدر ضمن موازنة الدفاع ويصبح جزءاً من "قانون الدفاع الوطني"، وهو عقاب على ممارسات استوجبت تشريعاً لـ "حماية المدنيين السوريين"، وليس عقاباً على "ممانعة" النظام وسياسته، وإن كان تطبيقه ضمن أهداف بينها تفكيك "محور الممانعة"، فضلاً عن أنه ليس طريقاً في اتجاه واحد بل يضع أمام دمشق واحداً من خيارين: الاستمرار في الرهان على الخيار العسكري أو التفاوض على تسوية سياسية لتطبيق القرار 2254 برعاية الأمم المتحدة، وتلك هي المشكلة بالنسبة إلى النظام، فلا هو قادر على إكمال النصر العسكري الذي حققه له التدخل العسكري الروسي والإيراني، حيث تركيا تحتل شمال سوريا، وأميركا تحمي الكرد شرق الفرات، وروسيا صارت تلح على التسوية، ولا هو يريد تسوية لأنه يعرف أنه يخسر في أية تسوية، إذ رفضها حين كان قوياً، وذهب إلى الحرب هرباً منها، وما قبلها عندما صار ضعيفاً ولم يبق له سوى 20 في المئة من مساحة سوريا، ولا يزال يرفضها بعدما استعاد حوالى 65 في المئة من سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأسد لا يملك حلاً
والواقع، كما تنقل "نيويورك تايمز" عن المحلل السوري في "معهد واشنطن" داني مكي، أن "الأسد لا يملك حلاً، وليس أمامه سوى الحديث مع الأميركيين وتقديم تنازلات أو أن يتحمل انهياراً اقتصادياً أساسياً".
وأقل ما أبلغه الموفد الدولي غير بيدرسون إلى مجلس الأمن هو أن "المجاعة تدق الأبواب" في سوريا حيث 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر، ولا أحد يتوقع أن يطبق النظام شروط واشنطن لوقف العقوبات "وقف قصف المدن، الإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين، رفع الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إليها، والسماح بعودة اللاجئين بأمان"، وكما في طهران كذلك في دمشق، حديث واشنطن عن أنها تريد تغيير سلوك "النظام"، لا تغيير النظام، له ترجمة واحدة هي تغيير "النظام"، إذ أي تغيير في "سلوك" نظام ثيوقراطي أو شمولي يعني نهاية "النظام".
فرض عقوبات
وليس في سوريا وحدها يعمل "قانون قيصر"، فهو محدد في الزمان وبلا حدود في المكان، وهو يسمح للرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض عقوبات على أي دولة في العالم أو شركة أو شخص تحت عنوان دعم النظام أو مساعدته أو مساعدة من يدعمه مثل روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني، وهو مقيّد بمدة زمنية تنتهي في اليوم الأخير من عام 2021، بالتالي، فإن العقوبات تتكثف في هذه المدة لتحقيق الأهداف، والبلد الضعيف الأكثر تعرضاً للعقوبات هو لبنان الذي كان ولا يزال "القناة الخلفية" لدعم سوريا، وليس لدى روسيا وإيران و"حزب الله" سوى القليل لدعم الاقتصاد السوري المنهار، بصرف النظر عن الدعم العسكري، وإذا كان خيار طهران الوحيد هو دعم النظام لأنه "الجسر السوري" للمشروع الإيراني الإقليمي، فإن خيار موسكو متنوع، إذ هي أدركت أن ما ربحته عسكرياً في سوريا معرض للخسارة إن لم تنجح في صنع تسوية سياسية، وهي اصطدمت بالرفض الأميركي والأوروبي والعربي لإعادة الإعمار من دون تسوية سياسية، فضلاً عن أن حساباتها تتجاوز سوريا إلى المنطقة، حيث العلاقات مع إسرائيل وتركيا، ولعبة الأمم النفطية في ليبيا والحاجة في النهاية إلى صفقة مع أميركا تمتد إلى أوكرانيا.
وذلك أن تطبيق "قانون قيصر" بكل ما في عقوباته من تفاصيل، هو جزء من اللعبة الجيوسياسية الكبيرة في الشرق الأوسط، وليس إخراج إيران من سوريا ودعوة طهران إلى إخراج الوجود العسكري الأميركي من "غرب آسيا" سوى عامل واحد من عوامل اللعبة، والظاهر أن حرب سوريا التي تعددت فصولها وصلت إلى الفصل الصعب الحاسم: صفقة أميركية- روسية تضمن الانتقال الديمقراطي للسلطة وإعادة الإعمار في دولة واحدة، أو بقاء سوريا موزعة على خمسة جيوش وأربعة اقتصادات مأزومة، وترك السوريين بين جائع في الداخل ونازح شبه جائع في الخارج، فالساعة دقت لدفع الكلفة السياسية والاقتصادية للحرب، وإذا كان المفتاح العسكري في يد روسيا، فإن المفتاح الاقتصادي والسياسي في يد أميركا، وفتح صندوق التسوية والإعمار المغلق يحتاج إلى المفتاحين.