Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح السودان باستعادة مومياء الأميرة أماني ريديس؟

تجدد الحملة لاسترجاع آثار مسروقة من الخارج

الساحة الداخلية لمدخل المتحف القومي السوداني (حسن حامد)

جدد ناشطون ومهتمون وأساتذة آثار سودانيون، للسنة الثالثة على التوالي حملة وطنية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بإطلاق هاشتاغ على "تويتر"، "أعيدوا مومياء الأميرة ريديس"، ووجد الوسم تفاعلاً وتجاوباً واسعين وسط السودانيين بالداخل والخارج، وتهدف الحملة إلى استعادة الآثار السودانية من الخارج، على رأسها، مومياء "ريديس"، الملقبة بسيدة مصر العليا ومصر السفلى، التي يعتقد أنها موجودة بمتحف الفاتيكان في روما.

وعلى الرغم من أن الحملة لم تنجح في المرتين السابقتين، بتحقيق هدفها المعلن المباشر، لكنها اسهمت بقدر واسع، في نشر الوعي بالتاريخ والآثار السودانية، في عهد الكوشي وفترة الممالك النوبية، كما دفعت عدداً من الدوائر القانونية الرسمية والشعبية، ومنظمات مجتمع مدني، لتبني تحريك مطلب استعادة الآثار السودانية المسروقة والمهربة خارج البلاد، المقدرة بحوالي ستة آلاف قطعة أثرية، موزعة على 43 من المتاحف العالمية، الأوروبية والأميركية، بحسب دراسة موثقة أعدتها المختصة السودانية، غالية جار النبي، المسؤولة السابقة عن قطاع المتاحف بهيئة الآثار السودانية.

الآثار الوطنية

وكشف عبد الرحمن علي محمد المدير السابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية، لـ "اندبندنت عربية"، أن الأجهزة الرسمية شرعت بالفعل في الإجراءات الأولية لحصر ومتابعة الآثار الوطنية التي خرجت بصورة غير شرعية بالسرقة أو التهريب، سواء في الفترات الاستعمارية أو اللاحقة لها، وستبدأ الأجهزة المختصة بمتابعتها وفق الطرق القانونية والدبلوماسية، من خلال السعي إلى الانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بعدم تهريب الآثار من أوطانها الأصلية، وتقوية القوانين الوطنية الحامية للآثار، ما يمكّن من التقصي والمتابعة الخارجية لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "سعت الهيئة إلى التنسيق مع المتاحف العالمية الكبرى لتأمين الملكية الفكرية للآثار السودانية، بفصلها عن الحضارات المصرية، وأعدت الدراسات اللازمة للانضمام إلى اتفاقية منظمة اليونسكو لعام 1970، الخاصة بمنع تهريب الآثار، فضلاً عن إنشاء وحدة متخصصة للاسترداد بالتعاون مع البوليس الدولي (الانتربول)".

ودعا المدير السابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية إلى ضرورة تشكيل آلية تنسيقية وطنية تضمّ كل المؤسسات ذات الصلة، إلى جانب مختصين في القانون الدولي والآثار من الداخل والخارج، لإعداد خريطة طريق لاسترجاع الآثار السودانية.

الاستعمار وبعثرة الآثار

وحول كيفية خروج تلك القطع الأثرية، أوضح محمد "أنها خرجت عبر ثلاث طرق، الشراء من المزادات العالمية، أو بقسمة الآثار مع البعثات الاستكشافية الأجنبية وعرضها خارجياً باسم السودان للترويج لحضارته، بحسب ما نص عليه قانون الآثار السوداني، أو عن طريق سرقتها بواسطة الهواة ومستكشفي الآثار الذين رافقوا حملة محمد علي باشا الاستعمارية (1821 – 1885)، وأشهرهم الطبيب الإيطالي جوزيف فوليني، الذي عمد إلى تدمير أعلى هرم الملكة أماني شيختو، واستولى على مجوهراتها، وتم تداولها بالبيع في أوروبا لتستقر أخيراً بمتحف ميونيخ".

وأشار إلى أن "حكومات فترة الاستعمار، سمحت للبعثات الأجنبية بإخراج الآثار السودانية بكميات كبيرة، ما أدى إلى استيلاء مسؤولي المتحف البريطاني على جدار كامل من واجهة الهرم رقم 11 بالمملكة المروية في منطقة البجراوية الأثرية، وهو موجود الآن بالصالة الرئيسية للمتحف باسم "مصر والنوبة". وأضاف "شهدت آخر المزادات الأثرية العالمية في إسبانيا، العام الماضي، بيع ثلاثة تماثيل جنائزية للملك تهارقا، كانت قد خرجت من السودان منذ عام 1930، كما تم نقل نصف مكتشفات المدافن الكوشية الملكية الهرمية الخمسة، وكل آثار منطقة كرمة، بواسطة باحث الآثار الأميركي جورج أندرو رايرنز، إلى متحف بوسطن للفنون الجميلة".

ترحيب وتشكيك

وعلى الرغم من ترحيبه بالحملات والمبادرات المجتمعية الشبابية المتكررة باسترداد الآثار، واعتبارها ظاهرة إيجابية تعبر عن حس وطني، وتهدف إلى تكامل الجهود الرسمية والشعبية، للمحافظة على تاريخ وإرث السودان الحضاري، إلا أن المدير السابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف، شكك في أن تكون المومياء الموجودة ضمن المجاميع الأثرية لمتحف الفاتيكان بروما، تخص الملكة "أماني ريديس"، ابنة الفرعون الكوشي كاشتا (760 – 770ق م)، وأُخت الملك بعانخي (بيي)، وعمة الملك تهارقا.

وتابع مبرراً شكوكه قائلاً، "بالتحقق من الموضوع، وجدنا مومياء وتابوتاً بمتحف الفاتيكان تحت الرقم المتحفي (25013.2.1- 25013.2.2) (1,2)، باسم "أماني ريديس"، لكنها ليست للأميرة ابنة الملك كاشتا، إنما لأماني ريديس المغنية في معابد الإله آمون، وإحدى وصيفات الزوجة الإلهية له، إذ إن الملك كاشتا عين ابنته أماني ريديس في منصب (العابدة الإلهية وزوجة آمون طيبة) أكبر منصب ديني رفيع ذي طابع سياسي، واستمر هذا الدور 82 سنة، ولم يكن هذا الاسم موجوداً في الأُسر المصرية، كما أن المومياء تمثل أثراً كوشياً، لكن عُثر عليها في مصر، ولا تعتبر ملكاً للحكومة السودانية، باعتبار أن الملوك الكوشيين الذين حكموا مصر في القرن الثامن قبل الميلاد، خلفوا آثاراً كثيرة، موجودة الآن بالمتاحف والمواقع الأثرية المصرية، وبالمثل توجد آثار مصرية بالمواقع الأثرية ومتحف السودان القومي، وهي ملك للحكومة السودانية، كتمثال الملك "سنوسرت الثالث" ولوحته وغيرها من الآثار الثابتة والمنقولة والموجودة بالمتحف السوداني".

الأكثر إهمالاً

وفي سياق متصل، كشف الناشط والباحث في التاريخ السوداني، عباس أحمد الحاج لـ "اندبندنت عربية"، أن الآثار السودانية تعاني إهمالاً كبيراً، ويتبعثر الكثير منها في أنحاء العالم، بعضها سُرِق والآخر هُرِّب، خلال فترة غزو محمد علي باشا عام 1821، عندما دمرت أهرامات الكنداكات في منطقة البجراوية واختفى كنز الملكة الكنداكة أماني شيختو، وتساءل الحاج "ما إذا كان قرار استرجاع تلك الآثار من المتاحف العالمية في الوقت الراهن صائباً، قبل تجهيز المتاحف الوطنية لحفظها بالمواصفات المطلوبة". واعتبر أن السودان غير مؤهل فنياً لذلك حتى الآن، مقترحاً إبقاءها خارج السودان، ودعم المتاحف العالمية التي تحتضنها، بالمعلومات بغرض الترويج السياحي، للحضارة السودانية، وطالب بتدخل الدولة لشراء الآثار الوطنية، وسن قوانين صارمة تصل إلى حد الإعدام، لكل مَن يسرق أو يبيع أو يُهرِب الآثار السودانية، إذ لا تزال هناك آثار غير معروضة، موجودة بالمستودعات والمواقع الأثرية، معرضة للعبث من قبل الباحثين عن الذهب واللصوص.
وناشد الحاج وزارة الخارجية والهيئة العامة للآثار بالتحرك العاجل، "لتأمين هوية واسترجاع كل آثار السودان من الخارج، ومنها، المومياء السودانية الوحيدة للأميرة أماني ريديس، وتمثال الكنداكة أماني شيختي وكنزها الذهبي الذي كان مدفوناً معها، إضافة إلى أجمل تمثال من الحجر الجيري، لإحدى الأميرات الكوشيات، على ضفة الحمام الملكي وكلها موجودة بالمتاحف الأوربية"، منتقداً ضعف التفاعل الرسمي مع حملة استعادة المومياء، مقابل الحماسة الشبابية والتفاعل الشعبي الكبير الذي وجدته، منتقداً عدم السعي الجاد من قبل الحكومات السودانية المتعاقبة منذ الاستقلال، لتحريك هذا الملف.

بوارق أمل

ولم يستبعد الناشط في مجال الآثار الرشيد عبد المنعم في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، إمكانية عودة المومياء وكل آثار السودان الموجودة بالخارج، وفقاً للأُسس والطرق القانونية المتعارف عليها في مجال استرداد الآثار، استناداً إلى سوابق استردت فيها مصر تمثال رمسيس الثالث، وإثيوبيا مسلّة أكسومية، ما يعزّز أمل وإصرار السودانيين على استرجاع المومياء وكل آثارهم لحضن الوطن.

وكشف عبد المنعم، أن الحملة الإلكترونية الواسعة تواصلت مع متحف الفاتيكان، مطالبة بإعادة المومياء إلى المتحف القومي السوداني، ومتهماً الحكومة السابقة بإهمال موضوع استعادة الآثار، لعدم اعتقادها في أهميتها، أو قيمتها الحضارية والإنسانية، معرباً عن أمله بأن تفتح حكومة ثورة ديسمبر (كانون الأول) الحالية ملف استعادة الآثار السودانية، خصوصاً المسروقة أو المهربة، المشتتة في المتاحف العالمية.

وبحسب المخطوطات، تُعتبر أمانى ريديس الأميرة الأهم في حقبة مملكة كوش في حوالى عام 740 ق.م، وابنة للملك كاشـتا، وصلت إلى مصر بصحبة أخيها بعانخي (بيي) وأصبحت "زوجة" للإله آمون في مصر، واتخذت لنفسها الاسم المصري "أمانى ريديس" ويعنى (ما يخلقه آمون)، وأصبحت "الزوجة الإلهية" على مدى 40 عاماً، واكتسبت لقب "صاحبة السمو زوجة الإله آمون، كأعلى سلطة دينية لكاهن إبان فترة مملكة كوش، كما لقبت بسيدة مصر العليا ومصر السفلى.

وكانت ريديس من حيث المرتبة في وضع ملكة وإلهة حية، وبعد وفاتها، أصبحت "شبينوت" ابنة أخيها بيي (بعانخي)، الزوجة التالية للإله آمون.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات