Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشاهدات وقصص وشعارات من مليونيات "الجمعة الرابعة"  

عكست لافتات رفعها متظاهرون رفض الجزائريين للتدخلات الأجنبية في المرحلة الانتقالية

لم يدُر في أذهان غالبية المحللين أن تكون "الجمعة الرابعة" من الحراك الشعبي الجزائري الذي اندلعت شرارته في 22 فبراير (شباط) الماضي، مختلفة عن سابقتها، من حيث الحضور الكثيف للمتظاهرين، إذ تعاظم عددهم بشكل لافت طبعته السلمية وغابت عنه مظاهر العنف.

واستثمر الحراك الشعبي السائر من دون قيادة، تعمل على تأطيره والتحدث باسمه، تصريحات المسؤولين الأخيرة (تحديداً رئيس الوزراء نور الدين بدوي ونائبه رمطان لعمامرة)، حتى باتت كل "سقطة" من السلطة تزيد من ضعفها وتُقوي حركة الشارع.
 
 
شغف مبكر
 
تدفق الجزائريون في أجواء تاريخية غير عادية، إلى الشوارع منذ الساعة العاشرة صباحاً. وزاد عددهم بشكل كبير بعد صلاة الجمعة وخروج المصلين من المساجد، فاحتلوا معظم الشوارع الرئيسة والساحات العامة، في حين وجد العديد من المواطنين صعوبة كبيرة في الالتحاق بالتظاهرات في وسط العاصمة، بعدما منعت أجهزة الأمن كل حافلات النقل العام من الوصول، وتوقفت محطات المترو والقطار.
وغزا مئات آلاف المتظاهرين شوارع العاصمة، وتوزعوا بين أشهر ساحاتها التي باتت رمزاً لحراكهم، على غرار شوارع "باب الوادي" مروراً بـ "ساحة أول ماي"، وصولاً إلى "ميدان البريد المركزي" وشوارع "حسيبة بن بوعلي" و"العربي بن مهيدي" و"ديدوش مراد" و"زيغود يوسف" و"ساحة أودان" القريبة جداً من القصر الحكومي. وتحمل هذه الشوارع أسماء أشهر "ثوار الجزائر" في حرب التحرير (1954-1962).
وشُوهدت آلاف النسوة من كل الأعمار وسط الحشود الغفيرة، فأطلقن العنان للزغاريد المدوية. وردد المتظاهرون أناشيد ثورية، وحملوا شعارات سياسية مختلفة لكنها تقاطعت في نقطة وحيدة تتعلق برحيل النظام ورجالاته، ورفض كل المبادرات الأخيرة التي اقترحتها السلطة.
كما تفنن المتظاهرون في الشعارات التي رفعوها، منها تلك المعتادة على غرار "لا للتمديد"، مطلبهم الأساسي، ورفعوا شعارات أخرى مثل "نعم لتغيير النظام" و "لا للوجوه القديمة" و "ارحلوا يعني ترحلوا".
 

 

 

 

نريد تحقّق أحلامنا
 
وقال طالب جامعي "قرّرنا الخروج كل يوم جمعة ولن نتوقف عن فعل ذلك، لأن لا شيء سيعيدنا إلى الوراء. نحن شباب نريد تغيير الأوضاع إلى الأحسن".
يعتقد هذا الطالب أن" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يمثل واجهة النظام الجزائري فقط، والحل ليس في رحيله وحسب، بل في ذهاب كل المسؤولين الحاليين الذين يتعين عليهم ترك مناصبهم للشباب". أضاف "نحن نحس أننا شباب ضائع لا وجود لفرص عمل، عدا أن المخدرات وظاهرة الهجرة غير الشرعية تفشتا في المجتمع، وهذا الأمر لم يعد مقبولاً، نريد أن نتطور إلى الأحسن، لدينا إمكانات كبيرة".
وقال شاب جزائري آخر "نحن لا نريد أن تتحايل علينا السلطة التي يجب أن تكون صريحة مع شعبها. الشباب الجزائري يملك كفاءات ومهارات ودرس في الجامعات وليس معقولاً أن يبقى في الشارع من دون عمل".
ويرى هذا الشاب أن جيله قادر على تسيير البلاد "سواء الشباب الموجودين داخل البلاد أو الذين هاجروا بحثًا عن فرص عمل". أضاف "على الأشخاص الذين يبلغون أكثر من 80 سنةً أن يستقيلوا قبل أن يطالبهم الشعب بالرحيل".
 
مظاهر التحضّر والسلمية
 
في الوقت الذي ظلت فيه الجماهير تسير عبر شارع "ديدوش مراد" أكبر شوارع العاصمة، في اتجاه ساحة "موريس أودان"، كانت فتاة في العشرين من عمرها، منهمكة بجمع القمامة المتراكمة على الأرض. تقول الطالبة الجامعية كوثر، وهي إحدى المتطوعات في مجموعة "الشارات الخضر" "مهمتنا تقديم المساعدة للمتظاهرين الذين يعانون متاعب أثناء تنقلاتهم في المسيرة. نضع حقائب على ظهورنا مجهزة بكل المعدات اللازمة لتقديم الإسعافات الأولية".
ولا تقتصر مهمة كوثر وزملائها المتطوعين على تقديم الإسعافات للمتظاهرين، إنما تشمل أيضاً تنظيف الشوارع والساحات من المخلفات. تقول "لدينا أيضاً أكياس لجمع القمامة. نحن مجموعة شباب وعددنا يفوق الـ 18 شخصاً، نتوزع على الشوارع والساحات الكبيرة في قلب العاصمة".
كما أن سليم شاب طموح في الثلاثين من عمره، يرتدي سترة برتقالية ويضع حقيبة على ظهره، يهرول مسرعاً بين المتظاهرين ويراقب التحركات. وهو قرر أن يكون ضمن مجموعة متطوعين مهمتها إسعاف المتظاهرين في حال وقوع حوادث. يقول "منذ بداية الحراك الشعبي يوم 22 فبراير ونحن مجندون في الميدان. معنا أطباء ومهمتنا إسعاف المرضى خصوصاً كبار السن الذين قرّروا المشاركة في المسيرات".
 
رقص في الشارع

وكانت المسيرات أقرب إلى المهرجان الشعبي الاحتفالي، فالطابع السلمي غلب على كل شيء. واستعان الشباب بالطبول العملاقة والمزامير من أجل الترفيه. ورقص بعض الشباب في الشارع، بينما اكتفى رجال الشرطة والأمن برصد المسيرات من دون منع الحركة. كذلك رسم بعض الشباب على وجوههم في إحدى زوايا شارع محمد الخامس المؤدي إلى قصر الرئاسة، رمزاً تعبر عن رفضهم تمديد ولاية بوتفليقة الرابعة من دون إجراء انتخابات. وعبروا عن ذلك بشعار "لا لأربعة ونصف". وخاطب بعض الشباب السلطة "باصيتوا بينا رانا صحينا"، أي أن الشباب أصبح اليوم أكثر وعياً ولن يلجأ إلى تعاطي المخدرات من أجل نسيان مشاكله، وإنما سيطالب بحقوقه.

ماكرون وزوجته

ووسط آلاف الشعارات التي رفعها المتظاهرون، لفتت صور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت الانتباه، إذ كُتب عليها "عليك أن تهتم بزوجتك بدل أن تختار رئيساً للجزائر". كما كُتب على يافطة ضخمة "لا واشنطن لا باريس، الشعب مَن يختار الرئيس". وعكست تلك اللافتات بوضوح رفض الجزائريين التدخلات الأجنبية في "حراك 22 فبراير"، وهذا ما شكّل رداً على تصريحات ماكرون الذي حيّا من جيبوتي قرار بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة، داعياً إلى "مرحلة انتقالية بمهلة معقولة".

مغازلة الجيش

و"غازلت" الحشود الغفيرة رجال الأمن وأفراد الجيش الوطني الشعبي الموجودين في الثكنات، موجهةً رسالة واضحة إلى نائب وزير الدفاع الوطني الفريق أحمد قايد صالح بالانحياز إلى الشارع، هاتفةً "نحي الكاسكيطة (القبعة) وأرواح للشعب". وشهدت مسيرة العاصمة حضوراً لافتاً لظريفة بن مهيدي، شقيقة بطل الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي، التي كانت دعت الجزائريين إلى التظاهر، وطالبت "بتسليم مقاليد السلطة إلى الشباب".

رفض اجتماعات الإبراهيمي

وتعرض الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي لموجة انتقادات بعدما راجت أنباء عن عقده لقاءات مع ممثلين عن "الحراك الشعبي" في فندق الأوراسي بأعالي العاصمة، وهذا ما رفضه المتظاهرون جملةً وتفصيلاً من خلال رفع لافتات كبيرة كُتب عليها "لا يمكن بناء سفينة جديدة بألواح خشبية قديمة".
وانقضت "الجمعة الرابعة" من الحراك الشعبي، وعاد الجزائريون إلى بيوتهم بعد يوم حافل بالأحداث ومسيرات تاريخية، وسط ترقب لرد السلطة، التي يبدو أنها ستكون مجبرة على الرضوخ لمطالب الملايين.
 

المزيد من العالم العربي