على الرغم من تسجيل السلطات السعودية، أمس الاثنين، أعلى حصيلة إصابات يومية لليوم الثاني على التوالي، منذ رصد أول حالة في مارس (آذار) الماضي، يبدو أن الارتفاع المطّرد في أعداد الإصابات والوفيات لن يوقف البلاد عن الدخول في المرحلة الثالثة من خطة التعايش مع كورونا المعلنة الشهر الماضي، التي تقضي بعودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه قبل الوباء، بغضون ستة أيام.
ووسط عزم الحكومة السعودية على العودة إلى الحياة الطبيعية بعد أقل من أسبوع، سألت "اندبندنت عربية" المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، محمد العبد العالي، قبل أيام، عما إذا انعكس إلغاء المؤتمر اليومي على تكاثر أحاديث مواقع التواصل الاجتماعي التي تبثّ الهلع بين الأوساط الشعبية، غير أنه اكتفى بإجابات الموجز الصحافي، يوم الخميس الماضي، قبل أن تقرّر الصحة السعودية عقد المؤتمر ثلاث مرات أسبوعياً، الأحد والثلاثاء والخميس.
وأكد المتحدث الرسمي استمرار تطبيق خطة التعايش والعودة الحذرة، وسيرها في الاتجاه الصحيح، وصولاً إلى الانتقال إلى المرحلة التالية التي تبدأ في 21 يونيو (حزيران) الحالي، وفي الوقت نفسه كشف أن ارتفاع معدل العدوى محتمل إذا واصل الأفراد عدم التقيد والالتزام.
وأضاف أن معدل انتشار العدوى انخفض في مايو (أيار) الماضي، حتى لامس "مستوى أقل من 1"، قبل أن تسجل الأيام الماضية ارتداداً للمنحنى وارتفاعاً في عدد الحالات، يدل على وجود نشاط للفيروس بين الأفراد بسبب المخالطة المجتمعية.
تباين وتحذير مما هو أسوأ
وتصاعدت أخيراً لهجة الأصوات المحذرة من خطورة التهاون بجديّة المرحلة، والآثار السلبية لتزايد الحالات على النظام الصحي، في ما أدى إلغاء مؤتمر وزارة الصحة اليومي وتحويله إلى أسبوعي إلى صعود نشطاء حملوا على عاتقهم توعية الناس، غير أن بعضهم فاقم المخاوف المتداولة لدى الشارع السعودي.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي انقساماً بين السعوديين، بين من يشدّد على الأخذ بتعليمات القنوات الرسمية، وبين آخرين يبدو عليهم الميل نحو ممارسة حياتهم الاجتماعية والعملية من دون اكتراث، في ما يلوم البعض هؤلاء على تساهلهم، محذّرين بصورة باعثة على الهلع من أن تفاقم الوضع واستقبال مزيد من المصابين ربما يؤدي إلى انهيار النظام الصحي.
قلق من ازدياد الحالات الحرجة
وسجلت السعودية في آخر إحصائية الأحد الفائت، أكثر من 132 ألف إصابة، وما يزيد على 87 ألف حالة تعافٍ، وأكثر من 43 ألف حالة نشطة، و1897 حالة حرجة، في ما ارتفع عدد الوفيات إلى 1011 وفاة.
وشكلت الزيادة الملحوظة في عدد الوفيات اليومية والحالات الحرجة بالعناية المركزة مصدر قلق، وموضوعاً تداولته وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية بصورة مكثفة، لم تغب عن سماتها التخويف والترهيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يجب محمد العبد العالي، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة السعودية، على سؤال "اندبندنت عربية"، حول علاقة زيادة الحالات بإيقاف منظمة الصحة العالمية لاستخدام دواء (هيدروكسي كلوروكين) في البروتوكول العلاجي للمرضى، لكنه أكد، في وقت سابق، أنه ما زال تحت الدراسة، وأنه غير معتمد لعلاج كورونا، لكن ومع ذلك تستخدم السلطات الصحية العقار ضمن بروتوكولها لعلاج بعض المصابين.
وقال العبد العالي "إن بلاده تواصل رصد ارتفاع الحالات الحرجة وسط متابعة دائمة، حيث أرجع ازدياد الحالات الحرجة، التي يتركز معظمها في الرياض ومكة والشرقية والمدينة وجدة، إلى إصابة أشخاص ممن يحتاجون إلى رعاية صحية، ولم ترتفع أعدادهم إلا لوجود انتشار نشط للعدوى بين أفراد المجتمع، بسبب عوامل عدة، منها عدم أخذ الاحتياطات اللازمة".
وأكد جاهزية المستشفيات وأقسام الطوارئ، واستعدادها التام لتقديم الرعاية الصحية لمصابي فيروس كورونا، جنباً إلى جنب مع حالات الطوارئ الأخرى، كما أعلن عن إطلاق خدمة "تباعد"، التي تتيح للشخص معرفة ما إذا كان مخالطاً لحالة سابقة، عبر إشعاره إلكترونياً بمخالطته أحد المصابين، من دون ذكر اسمه، حفاظاً على خصوصية المعلومات.
من جانبها، فضّلت منى الفارس، استشارية الطب الباطني والأمراض المعدية بجامعة الملك عبد العزيز، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، عدم الخوض في علاقة إيقاف دواء الملاريا مع ارتفاع الحالات الحرجة، لأن تناول الموضوع يتطلب بحوثاً تطبيقية منشورة في مجلات علمية معترف بها، لافتة إلى أن "التعامل مع شيوع التخويف والتشكيك في الحقائق العلمية بين أوساط الناس، يتطلب تبصيرهم بالطرق المتاحة وتحذيرهم من مقولات غير المختصين، وحضّهم على التزام وسائل الحماية".
أفراد لا يمتثلون
وتقول استشارية الأمراض المعدية إن زيادة أعداد المصابين أمر طبيعي في عائلة الفيروسات التاجية، ولا يدعو إلى القلق أو الخوف، والأمثلة في دول العالم تشهد بذلك، غير أنها تعتقد أن ارتفاع الإصابات الأخير يعود إلى تجاهل بعض الأفراد، وعدم اكتراثهم بالإجراءات الاحترازية التي يجب الالتزام بها.
وتضيف أنه على الرغم من الدعم المالي من الحكومة السعودية، مدفوعاً بموارد بشرية للتوعية من مخاطر التجمعات، والحدّ من انتشار العدوى، فإن هناك أفراداً لا يمتثلون للتعليمات، حيث زادت الزيارات الاجتماعية المخالفة خلال فترة عيد الفطر بعد تقليل ساعات حظر التجول، وتشير إلى أن الصورة الذهنية التي يتعامل بها البعض مع الفيروس، انعكست على زيادة الإصابات، وتبعاً لذلك الحالات الحرجة.
ويعود نجاح بعض الدول في إجراءاتها التدريجية لرفع الحظر الكلي، إلى مراعاة أفرادها للتعليمات الخاصة للحد من انتشار العدوى، وتضيف أن السعودية في طريقها إلى تحقيق ما وصلوا إليه، لكنها تشدّد على التزام التعليمات والخطط الوقائية المفروضة، إذ إن إغفالها سيعيد البلاد إلى النقطة الأولى، بتشديد الإجراءات سواء في الأحياء أو المدن أو المناطق بأكملها.
العاصمة تحت الاختبار
وجاء قرار السلطات الأسبوع الماضي إعادة القيود إلى مدينة جدة غربيّ البلاد، بعد ملاحظة عدم التقيد بالإجراءات الاحترازية، واكتظاظ الشواطئ والمحال التجارية، مما أدى إلى تسجيل قفزة بعدد الإصابات اليومية، ليسلط الضوء على العاصمة الرياض، التي تتصدر قائمة أعلى المدن تسجيلاً لحالات الإصابة بفيروس كورونا.
ودعا مغردون عبر "تويتر" إلى تشديد الإجراءات في الرياض، بينما واصلت حالات الإصابة خلال هذا الأسبوع التزايد، بصورة دفعت أحد مذيعي التلفزيون الرسمي إلى الخروج عن النسق المعتاد لنشرات الأخبار، وتوجيه اللوم والعتب المباشر إلى سكان العاصمة، أثناء مطالبته الضمنية بالتزام التعليمات الوقائية.
القوات المسلحة تنشئ مستشفيات ميدانية
وعلى غرار عدد من الدول، ساندت الجهات العسكرية السعودية وزارة الصحة في تفعيل خطط إدارة الأزمات والأوبئة، بتجهيز قرابة 20 مستشفى متنقل في الأماكن المفتوحة، في إطار الجهود الرامية إلى الحد من ازدحام المرافق الصحية العامة. ودشنت السعودية الأسبوع الماضي مستشفى ميدانياً على مساحة 8000 متر مربع، في مدينة جدة، ويأتي تشغيل المستشفى بطاقة الـ 500 سرير، بعد يوم واحد من إعادة تشديد الإجراءات الاحترازية على المدينة لمدة 15 يوماً، على خلفية ارتفاع أعداد الإصابات.
جدل الكمام ينقضي باستثناءات
وأعقب قرار وزارة الداخلية السعودية، القاضي بإلزام الأفراد ارتداء الكمام في الأماكن العامة، ارتفاعاً في الطلب على الكمامات، مما أدى إلى صعوبة الحصول عليها بالصيدليات، وكشف متحدث هيئة الغذاء والدواء السعودية عن ارتفاع مستوى التوفر إلى المستوى المتوسط، بعد ارتفاعها بمقدار 188 في المئة، عما كانت عليه قبل 14 يوماً، ويبلغ عدد المصانع المحلية للكمامات 9 مصانع، تنتج أكثر من 2.5 مليون قناع يومياً.
ودفعت الصعوبة النسبية في الحصول على الكمامات الطبية السلطات إلى السماح باستخدام الكمامة القماشية، أو حتى تغطية الفم والأنف باستخدام "الشماغ"، أحد أجزاء الزي التقليدي بالسعودية، بالإضافة إلى الاكتفاء بالنقاب بالنسبة إلى المرأة، بشرط أن يتكونا من أكثر من طبقة قماش، ويكون ارتداؤهما محكم الإغلاق.
وكانت هيئة الدواء تلقت أكثر من 14 ألف بلاغ، عن عدم توفر الكمامات خلال الأسبوعين الماضيين، عولج منها 79 في المئة، وهو ما يبرر بلوغ متوسط استيراد البلاد للكمامات في الآونة الأخيرة 10 ملايين قطعة يومياً، مع تزايد العدد بشكل مستمر لسد الاحتياج.
تجارب سريرية ونتائج منتظرة
أما من ناحية جهود إيجاد لقاح أو علاج، فقد كان مركز الأبحاث بجامعة الملك عبد العزيز أول المرافق البحثية السعودية التي بادرت بالتحرك، إذ أعلن في وقت سابق تمكن باحثيه من عزل فيروس كورونا المستجد تمهيداً لتطوير لقاح له، وتجريبه على الحيوانات، ثم أخذ الموافقات الرسمية لبدء التجارب السريرية.
وكشف مدير جامعة الملك عبد العزيز، عبد الرحمن اليوبي، إن وحدة الفيروسات بالمنشأة في طور الإنتاج التجاري بعد توصلها للقاح يساعد في علاج فيروس (كوفيد- 19)، ذي صلة بالفيروس المتسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، الذي اكتشف للمرة الأولى في السعودية عام 2012، وسيتم توزيعه بالأسواق قريباً.
ودخل مركز الأبحاث "كيمارك" على خط المواجهة، بعد أن كشف قبل أيام، دراسات قائمة لتجربة دواء "فافيبيرافير" كمضاد محتمل لفيروس كورونا المستجد مع دواء "هيدروكسي كلوروكين". وقال المدير التنفيذي للمركز، أحمد العسكر، إن هناك 4 دراسات سريرية معتمدة حتى الآن للتعامل مع (كوفيد– 19)، باستخدام مضادات فيروسية مختلفة، وبلازما الدم المستخلصة من متعافين.
دراسة "#فاكت" #FACCT_trial هي إحدى #الدراسات_السريرية القائمة في #السعودية على مرضى #كوفيد١٩
بمشاركة العديد من مستشفيات المملكة لتجربة دواء " #فافيبرافير " #favipiravir كمضاد محتمل لفيروس #كورونا_المستجد مع دواء #هيدروكسي_كلوروكوين #أبحاث_كيمارك #أبحاث_طبية #أبحاث_سعودية pic.twitter.com/aKPQaaMm5a
— KAIMRC كيمارك (@kaimrc_ksa) June 2, 2020
وعلى الرغم من تحفظ الجهات الصحية على الإفصاح بمعلومات مفصلة حول جهودها في إيجاد علاج أو لقاح، فإن "سدير فارما"، إحدى شركات الدواء المحلية، أوضحت في بيان نشرته على حسابها بـ"تويتر"، أنها "بدعم من وزارة الصحة قامت بالتواصل مع شركة تشجيانغ هيسون الدوائية، المرخصة من شركة فيوجي فيلم، التي تملك حق تسويق عقار فافيبيرافير، وبعد التنسيق مع السفارة السعودية في بكين، تم استيراد الدواء وتعبئته في مصنعها لاستخدامه داخل البلاد"، إلا أنها نوهت بأن العقار ما زال يخضع للدراسات السريرية للتأكد من فعاليته في علاج المرضى المصابين بالفيروس.
وحاولت "اندبندنت عربية" الحصول على معلومات إضافية تتعلق بنتائج التجارب السريرية من الشركة، إلا أن الأخيرة لم تبادر بالرد على المراسلات من خلال موقعها الرسمي.
بيان توضيحي بخصوص عقار فافيبيرافير (Favipiravir). pic.twitter.com/NYGdofd2iE
— Sudair Pharma سدير فارما (@SudairPharma) June 7, 2020
الإصابات قبل الحظر المشدد وبعده
وأورد وزير الصحة السعودي، توفيق الربيعة، في مستهل أبريل (نيسان) الماضي، 4 دراسات تتوقع وصول عدد الحالات إلى 200 ألف إصابة، رقم عُدَّ آنذاك خيالياً، غير أنه وبعد مرور شهرين تبدو هذه الدراسات التي أجراها خبراء محليون ودوليون منطقية، في وقت تخطت الإصابات 127 ألف إصابة.
ورصدت الصحة السعودية خلال 8 أيام، من 25 مايو (أيار) إلى 2 يونيو، معدل إصابات منخفضاً بإجمالي (14266) إصابة، إذ لم تتجاوز الحصيلة اليومية ألفي إصابة، مقارنة بالأسابيع السابقة، قبل أن تعاود الأرقام في يوم الأربعاء 3 يونيو الارتفاع مسجّلةً 2771 حالة، أعقبت تقليل ساعات حظر التجول وفتح المقاهي والمطاعم والمحال التجارية، في أيام الخميس والجمعة والسبت في الفترة من 28- 30 مايو الماضي، قبل استئناف نشاط القطاعين العام والخاص الأسبوع الماضي.
وبغضون 8 أيام من 3 – 10 يونيو الحالي، سجلت مدن سعودية 23877 إصابة، أي أعلى من حصيلة الأسبوع السابق للحظر المشدد بواقع 9611 إصابة، في ما أثار تسجيل الرياض، يوم الأحد الماضي، أكثر من 1700 إصابة بواقع 40 في المئة من الإجمالي الكلي، تكهنات عدة حول إمكانية فرض إجراءات مماثلة لما هو معمول به في كل من مدينتي مكة وجدة، غير أن عدم اتخاذ الجهات المعنية حتى الآن خطوة بإعادة الإجراءات السابقة، ربما يلقي الضوء على مراعاتها إلى جانب معدلات انتشار العدوى اعتبارات أخرى، منها جاهزية المستشفيات وقلة العشوائيات التي تشكل بؤراً خصبة لتنامي الفيروس.
هل تعود الحياة إلى طبيعتها؟
وفي ظل تقييم عدد من المؤسسات الحكومية لخطواتها، وإغلاق دور عبادة ومحال تجارية ورصد تجمعات مخالفة، وغيرها من العوامل التي أدت إلى تزايد الإصابات، يظل التساؤل المطروح هو ما إذا ستكون الحكومة السعودية، بعد أقل من أسبوع، قادرة على تنفيذ نيتها لإعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي، ضمن خطتها التدريجية للتعافي من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثها فيروس كورونا.