Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من عودة شبح البلهارسيا في مصر زمن كورونا

الأطفال يلجأون للسباحة بالترع مع تعطل النشاط الرياضي رغم مخاطر المرض

أطفال يسبحون في إحدى الترع المصرية جنوب البلاد  (اندبندنت عربية)

ذاقت مصر الأَمرّين في مواجهة انتشار الإصابة بمرض البلهارسيا في الثمانينيات والتسعينيات، وبعد جهود مضنية بدعم من منظمة الصحة العالمية انخفض معدل توطنها بالبلاد، إلا أن عودة ظاهرة استحمام الأطفال بمياه الترع والمصارف بعد تعطل النشاط الرياضي لمواجهة فيروس كورونا، طبقاً لتقارير مجالس المدن والقرى لوزارة التنمية المحلية، تنذر بعودة انتشارها مجدداً، رغم خطورة تلك المرحلة التي تبذل وزارة الصحة المصرية قصارى جهدها لوقف انتشار وباء كورونا.

عدسة "اندبندنت عربية" أجرت جولة على الطرق الزراعية بعدد من محافظات صعيد مصر كأسيوط وقنا والأقصر وأسوان، ورصدت بالفيديو والصور تجمعات لأطفال يسبحون في مياه الترع خلال وقت الظهيرة دون أي مراعاة لمسافات التباعد الاجتماعي.

 داء البلهارسيا

 يقول الطبيب محمد الأسيوطي، أستاذ أمراض الجهاز الهضمي، إن اكتشاف مرض البلهارسيا كان لمصر دور محوري به، حيث بادر عالم التشريح الألماني "تيودور بلهارس" خلال زيارة علمية لمصر، بتشريح مومياء فرعونية اكتشف خلالها دودة من النوع الماص بأمعاء المومياء مماثلة لديدان قد اكتشفها في أمعاء عدد من المصريين الأحياء خلال عمليات جراحية. ومن هنا جاءت تسمية ذلك المرض بالبلهارسيا نسبة إليه.

وأضاف أن داء البلهارسيا مرض طفيلي، سببه الديدان الكامنة في مياه الترع والأنهار، وتنتقل العدوى به عبر نزول الشخص إلى مياه الترع والمصارف الملوثة للاغتسال أو الري عبر قواقعه، حيث تنجذب إليه عن طريق الحرارة التي تشع من جسمه، لتخترق طبقة الجلد وتنتقل مع تيار الدم حتى تصل إلى الأوردة الكبدية.

وذكر الطبيب جرجس مهنا، الباحث في أمراض البلهارسيا، أن خطورة الإصابة بالمرض تكمن في أن أعراضه لا تظهر إلا في مرحلة متأخرة، بعد أن يبدأ الكبد في التليف، ما يتسبب في تدهور وظائف الكبد بشكل كامل، ويسفر عن نزيف معوي وتضخم بالبطن بسبب تراكم السوائل، وسرعان ما تتفاقم حالة المريض ليصاب بفشل كلوي، وقد يتطور الأمر في بعض الحالات  إلى الإصابة بسرطان المثانة.

وأضاف أن للشعب المصري تاريخاً طويلاً مع هذا المرض، فعمليات التشريح لعدد كبير من المومياوات الفرعونية، عثر بها على بقايا ديدان البلهارسيا. مشيراً إلى أنه أصاب عدداً من المشاهير، هم الفنان عبد الحليم حافظ، وأحمد زكي، والمطرب الشعبي سعد الصغير.

 

 

 ارتفاع درجة الحرارة

وأوضح حمدي حسين، عميد كلية الطب بجامعة جنوب الوادي، إنه مع ارتفاع درجة الحرارة خلال العامين الماضيين، بات الأطفال ينزحون بأعداد كبيرة للاستحمام والسباحة في الترع والمصارف، الأمر الذي انعكس بشكل ملحوظ في ارتفاع معدلات الإصابة بداء البلهارسيا. وطبقاً للعديد من التقارير الرقابية فثمة زيادة ملحوظة في تنامي هذه الظاهرة خلال الثلاثة أشهر الماضية.

وأشار إلى أن غياب توعية أولياء الأمور للشباب والأطفال بمخاطر هذا المرض، قد ينذر بكارثة عودة ارتفاع معدلات الإصابة به. الأمر الذي سيكلف الدولة المزيد من الأعباء لمكافحته، لتعود البلهارسيا وتتوطن مجدداً في البلاد.

وذكر عبد المنعم الدشناوي، من محافظة قنا، وأحد مرتادي السباحة في الترع، أن بعد أزمة كورونا وتطبيق حظر التجول، لم يعد هناك متنفس بالقرى الصغيرة سوى السباحة في الترع، نظراً لارتفاع درجة الحرارة بمحافظات صعيد مصر، خصوصاً أن أغلب المنازل البسيطة في هذه القرى لا تمتلك مكيفات الهواء البارد، وعندئذ تبقى الترع مقصداً مهماً للترفيه والهروب من ارتفاع درجة الحرارة.

وقال أحمد المنشاوي، أحد من يترددون على الترع، إنه يومياً بعد وجبة الغذاء يتوجه شباب القرى إلى السباحة في الترع، عبر تنظيم مسابقات سباحة إلى القرى المجاورة، كما يبادر شباب المرحلة الثانوية إلى تعليم الأطفال الصغيرة كيفية السباحة، وتعد نزهة مجانية لمختلف الأطفال، على حد وصفه.

وبسؤال "اندبندنت عربية" لوالد أحد الأطفال يدعى محمود الفرشوطي، إذا ما كان يعلم أن مياه الترع تحمل العدوى بمرض البلهارسيا؟، قال، إن خطورته انتهت، والعديد من الأطفال يقصدون الترع للسباحة واللعب ولم تظهر عليهم أي أعراض مرضية. الترع بمحافظات الصعيد لم تعد بحجم التلوث الذي كانت عليه في الثمانينيات والتسعينيات.

فيما أشار مدحت العربي، شاب مصاب بالبلهارسيا، إلى أن إصابته بالمرض نتيجة الاستحمام في مياه الترع منذ ثلاث سنوات، لافتاً إلى أنه لم تظهر عليه الأعراض، سوى بعد عام كامل من الإصابة بعد ملاحظته تغير لون البول الخاص به إلى اللون الأحمر نتيجة بداية تليف الكبد، كما ناشد أولياء الأمور بضرورة منع أبنائهم من السباحة والاستحمام بها، لأن ذلك يتسبب في مخاطر تدمر الصحة العامة للشباب والأطفال وتنذر بالوفاة المبكرة نتيجة التليف الكامل لخلايا الكبد والكلى.

تعطل النشاط الرياضي

من جانبه، كشف حمادة الجبلاوي، عضو مجلس إدارة مركز شباب مدينة العمال الرياضي، أن قرار مجلس الوزراء المصري بتعطيل الأنشطة الرياضية وإغلاق مراكز الشباب والنوادي الرياضية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، أسفر عن تنامي ظاهرة استحمام الأطفال في الترع، لأنه ببساطة لم يعد لديهم متنفس للترفيه والتريض، سوى بهذا الشكل الخاطئ.

وطالب الجبلاوي بضرورة استئناف العمل داخل مراكز الشباب والنوادي الرياضية والصحية، بإجراءات صحية تمنع انتقال العدوى، لحماية الأطفال من الجنوح إلى وسائل ترفيه ضارة بهم. كما ناشد بضرورة إقامة حمامات سباحة حكومية داخل كافة القرى المصرية، لافتاً إلى أن معدلات الغرق في مياه الترع والمصارف ارتفعت بشكل مفزع، حيث لقي 10 أطفال مصرعهم غرقاً في مياه الترع خلال شهر رمضان بمحافظة قنا جنوب مصر. الأمر الذي يجعل الترع والمصارف مقبرة مفتوحة للأطفال إما بالغرق أو البلهارسيا. 

 

 

 فيروس كورونا والترع

وأشار الطبيب شادي الملاح، استشاري علاج الفيروسات، إلى أنه لم يثبت نشاط فيروس كورونا داخل مياه الترع والأنهار بعد، وقد يكمن على بعض الأسطح الصلبة لساعات، ولكن الخطورة الحقيقية تتمثل في أن الأطفال الذين يلجأون للسباحة والاستحمام في الترع يمثلون بؤرة نشطة لنقل الفيروسات فيما بينهم، خصوصاً أنهم يسبحون في أسراب جماعية وينظمون فيما بينهم مسابقات للعب، وهو ما يعني مخالفة توصية التباعد الاجتماعي التي تمنع انتقال فيروس كورونا فيما بينهم.

وقال الملاح إن مرض البلهارسيا يدمر الجهاز المناعي للإنسان، لذا إذا أصيب المريض به بفيروس كورونا، فإن قدرة المقاومة ستكون في ذلك الوقت منعدمة ما ينذر بسرعة الوفاة.

وهو ما حذر منه محسوب هاني، والد طفل مصاب بكورونا، بعد إصابة نجله نتيجة مخالطته لحالة مصابة، خلال السباحة والاستحمام بالترع.

خطورة المرحلة

ويشير الطبيب أحمد هاني، الأستاذ بقسم الصحة العامة وطب المجتمع، أن المرحلة الحالية تحاول فيها وزارة الصحة المصرية وكافة الكوادر الطبية والتمريض مواجهة انتشار كورونا، وليس بمقدرتها أن تتحمل ارتفاع أي معدلات للإصابة بأمراض أو فيروسات أخرى.

وناشد هاني وزارة الإعلام المصرية بإعادة تدشين حملات التوعية التي كانت تبث في الثمانينيات والتسعينيات بهدف زيادة وعي المواطنين بخطورة أمراض البلهارسيا والتحذير من عواقب السباحة والاستحمام في الترع، فالأخيرة ليست مأوى للبلهارسيا فحسب، بل هي بؤرة لكافة الأمراض، نتيجة إلقاء الحيوانات النافقة بها. 

مبادرة ترع بلا بلهارسيا

وأوضح لنا الطبيب مجدي بشرى، أستاذ علم النباتات، "أن نبات الدمسيسة ثبت علمياً عند زراعته في مياه الترع أنه يقتل بشكل كامل قواقع ديدان البلهارسيا، لذلك لجأ العديد من الدول في أفريقيا لزراعته، لحماية الأطفال من خطر الإصابة بهذا المرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن نبات الدمسيسة المعروف علميا باسم "Artemisia absinthium" يصل ارتفاعه إلى نحو متر واحد، وهو من النباتات المعمرة التي يصلح زراعتها داخل الترع. وهو رائج في مختلف دول العالم، وسجلته جداريات المعابد الفرعونية كنبات مقدس، ويحتوي على زيت طيار تصل نسبته إلى نحو 0.3، وزيت آخر ثابت أهم مكوناته مادة الثوجون. وتمكنه هذه الخصائص من القضاء على نمو قواقع البلهارسيا في مياه الترع والأنهار.

وطالب بشرى وزارة التنمية المحلية المصرية، باعتماد برتوكول لزراعة هذا النبات بمياه الترع التي يكثر لجوء الأطفال للسباحة بها، لحين تغيير قناعة المجتمع بخطورة الاستحمام والسباحة في مياه الترع، انطلاقاً من ارتفاع نسبة الأمية بالمحافظات النائية بالإضافة إلى ضرورة وسرعة الاستجابة لجهود التوعية. 

وزارة الصحة والسكان

وفي المقابل كشف مصدر مسؤول بوزارة الصحة والسكان، أن الوزارة تلقت بالفعل العديد من التقارير الخاصة بزيادة معدلات استحمام الأطفال بالترع الملوثة بقواقع البلهارسيا بعدد من المحافظات المصرية، التي تعاني ارتفاع معدلات الأمية. 

وأضاف المصدر أن وزارة الصحة دشنت خطة للقضاء على المرض بنهاية عام 2022، تستهدف 6.9 مليون مواطن بـ20 محافظة، كما جرى توفير عقار  "برازيكوانتيل"، المستخدم في علاجه بالوحدات الصحية والمستشفيات.

وأوضح المصدر أن المحافظات المستهدفة هي؛ "أسوان، والأقصر، وقنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، وبني سويف، والفيوم، والجيزة، وشمال سيناء، والإسماعيلية، ودمياط، والغربية، والمنوفية، والإسكندرية، والبحيرة، والشرقية، والقليوبية، والدقهلية، وكفر الشيخ".

وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن عدد المصابين بمرض البلهارسيا في العالم يقدر بـ207 ملايين شخص، وأكثر المناطق انتشاراً بالمرض قارة أفريقيا، حيث لا تزال كل من الصومال والسودان وجنوب السودان أكثر البلدان الموبوءة به، بينما تمكنت إيران ولبنان والمغرب وتونس من القضاء عليه بشكل كامل، وانخفض توطنه خلال الـ20 عاماً الأخيرة في كل من مصر والعراق والأردن وليبيا وعمان وسوريا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات