تستكمل المطربة اللبنانية جاهدة وهبه مشروعها الفني الثقافي الهادف الذي بدأت به مسيرتها ارتقاءً بالموسيقى العربية، بعد أعمال فنية ذات طابع ثقافيّ طربيّ أصيل، تنهل من التراث الشرق عربي وتُقدّم على أعرق مسارح العالم.
"أوبرا شهرزاد" أحد الأوجه المشرقة لهذا المشروع، إنما بسحر التاريخ وبنكهة شرق عربية تحلّق على أجنحة حكايا ألف ليلة وليلة تسردها صاحبة "كتبتني" و "شهد" بصوتٍ شجيّ جبار يؤدي بمعايير الأوبرا الأصيلة، وأداء درامي عالٍ يستحضر أسطورة شهرزاد والمرأة العربية، التي طوّعت بحنكتها وذكائها وأنوثتها وحكمتها، طبائع شهريار الذكورية العنيفة.
"شهرزاد" الحكاية حدّثت جمهور تونس، غناءً وحواراً وتمثيلاً وكلاماً مباحاً، فهي الراوية والبطلة والمنشدة والأنثى التي استعادت حكايات نساء صنعن تاريخاً عربياً في الأدب والشعر والسياسة والحب، وغيّرن وجه التاريخ الإنساني مثل كليوباترا وزنوبيا ورابعة العدوية وولادة بنت المستكفي والخنساء وإليسار وغيرهن. فجاء هذا العمل الضخم ليصنع تاريخاً موسيقياً جديداً في الأعمال الأوبرالية العربية النادرة في المشهد الفني العربي.
بدعم من مؤسسة "آفاق" وبمساهمة من المهرجان الفرنكوفوني في سوسة، تمّ عرض "أوبرا شهرزاد" في تونس على خشبة المسرح البلدي في سوسة، ثم في دار الأوبرا- مدينة الثقافة في تونس العاصمة.
المايسترو التونسي سمير الفرجاني مؤلف موسيقى المشروع تألّق في قيادة الأوركسترا السيمفوني لضفاف المتوسط، حيث اجتمع أكثر من خمسين موسيقياً من بلدان متوسطية كتونس وفرنسا وإيطاليا وغيرها في هذا العمل الكبير، الذي انطلقت فكرته مع "كاهنة المسرح" وهبه بتجسيد بعدٍ جديد لشخصية شهرزاد حيث تكون عابرة للزمن وتتقمص تلك الشخصيات النسائية الخالدة. وتطورت الفكرة لاحقاً وتبلورت مع الثلاثي وهبه الفرجاني والأديبة التونسية دكتورة آمنة رميلي التي برعت في استعادة النص التاريخي بأسلوب أدبي شعري راقٍ. وتولّى التوزيع الأوركسترالي بحرفة الفنان أيمن عزيز من تونس.
وفي أجواء سحر ذاك الزمن أبحر المصمم التونسي فوزي نوّار ليضع بصماتٍ فنية مميزة على الملابس التاريخية والأكسسوارات للعمل الذي ضمّ فريقاً كبيراً من الموسيقيين والممثلين والتقنيين منهم الباريتون التونسي هيثم الحذيري بدور الملك شهريار، وفراس اللبان (إخراج حركي)، وبخلفية صوتية مؤثرة لكورال المعهد الموسيقي في سوسة الذي أدارته فيروز بن فرج بمشاركة "وكورال أوبرا نيس"، لتكتمل بذلك العناصر الفنية المبهرة لعملٍ آتٍ من التاريخ إلى مستقبل الأوبرا الشرق عربية.
حضر الاحتفال في دار الأوبرا وزير الثقافة في تونس محمد زين العابدين، والسفير اللبناني طوني فرنجية والسفير الفرنسي في تونس أوليفيه بوافر دارفور، وعدد من السفراء الفرنكوفونيين وشخصيات دبلوماسية وثقافية وفنية وإعلامية ومديرة أوبرا "نيس" وجمهور كبير من متابعي أنشطة مدينة الثقافة.
وستواصل "قصيدة الغناء" جاهدة وهبه عروض "أوبرا شهرزاد" في العديد من المدن التونسية والعواصم العربية والعالمية، إلى مشاريع أخرى في المرحلة المقبلة منها حفلتها المقررة في ٣٠ مارس- أذار في بعلبك بدعوة من جمعية التدريب والدراسات لتنشد الأمل لأطفال مرضى السرطان، كذلك اطلاق ألبومها المنتظر " أرض الغجر"، واستعداداتها الحثيثة لواحد من أكبر مهرجانات الصيف في لبنان.