Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تخوض نزاعها مع البنك التونسي - الفرنسي بسرية تامة

صنفها مراقبون على أنها أكبر قضايا الفساد في تاريخ البلاد

البرلمان التونسي (مواقع التواصل)

بطلب من محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، تحولت جلسة الحوار التي أُجريت معه مساء الاثنين 8 يونيو (حزيران) الحالي، بشأن قضية البنك التونسي – الفرنسي، والتي باتت تُعتبر أكبر قضية فساد في تاريخ تونس، إلى جلسة مغلقة للجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف بالمال العام في مجلس النواب، لتزيد من الغموض والقلق حول مآل هذه القضية التي ستسبب أكبر خسارة مالية للدولة التونسية.
 

خلاف مالي قديم

ويتعلق الخلاف أساساً بمخالفات لقوانين تخص القطاع المالي والبنكي ويدور حول مبلغ يعادل 10 ملايين دولار أي خمسة ملايين دينار تونسي في بداية الثمانينيات إلى غرامة تقارب المليار دولار (حوالى 3 مليارات دينار تونسي) عام 2020، يمكن تلخيص المشكلة بين إدارة البنك الفرنسي - التونسي والدولة التونسية، والذي يعود إلى السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي، خلال حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. وتكمن المفارقة في أن الحكم الصادر ضد الدولة التونسية والذي تسبب لها بهذه الخسارة جاء بسبب خطأ إداري ارتُكب بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي بداية عام 2011، وفي أول حكومة شُكلت إثر الانتخابات التي شهدتها تونس في نهاية السنة ذاتها.
ومُنح في ذلك الحين، سليم بن حميدان وزير أملاك الدولة (في حكومة الترويكا) القيادي في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي اختفى من المشهد السياسي التونسي تماماً، شهادةً تفيد بأنه كان لاجئاً سياسياً ومضطهداً زمن نظام بن علي، ما مكّنه من قلب القرارات الصادرة لمصلحة الدولة التونسية في التحكيم الدولي وتحويلها إلى قضية ذات طابع حقوقي وسياسي لمصلحة الطرف الثاني في القضية، وهو عبد المجيد بودن، وكيل الشركة المستثمرة في رأس مال البنك، محل الخلاف مع الدولة التونسية.
 

العفو التشريعي العام قلب المعطيات

بعد سقوط نظام بن علي، حاول عبد المجيد بودن الخصم في الملف مع الدولة التونسية استغلال الظروف السياسية التي تمر بها تونس لتحويل القضية إلى ملف انتهاك لحقوق إنسان، عبر القول إنه تعرض للملاحقة بصفته معارضاً للنظام السابق والأحكام الصادرة ضده كانت ذات خلفيات سياسية، وأصبح يربط التقدم في ملف الصلح مع الدولة بمنحه بالعفو العام وفق المرسوم رقم 1 لعام 2011. وأجرى بودن لقاءات عدة في باريس مع سليم بن حميدان، وبعد منحه العفو استغل ذلك لتحقيق مكاسب على حساب الدولة، الأمر الذي اعتبره الإعلامي وسام حمدي "قضية فساد سياسي بامتياز، منذ بدايتها إلى مشارف نهايتها، مروراً بإجراءاتها وطرق النظر والبت فيها، إذ يضع هذا الملف مسؤولين في مواقع مختلفة ومنهم الوزير السابق سليم بن حميدان، محل اتهام، بل وتؤثر في مكانة ومراكز السياسيين الذين قصّروا في الدفاع عن مصالح البلاد". وأضاف حمدي لـ "اندبندنت عربية" أن "الوزير بن حميدان مكّن عبد المجيد بودن القائم بأعمال البنك الفرنسي - التونسي منذ ثمانينيات القرن الماضي من شهادة عفو تشريعي عام كي يثبت بها أن البنك كان ضحية تصرفات نظام زين العابدين بن علي، ما جعل الأخير يطالب بتعويضات خيالية بلغت مليار دولار ونجح في ذلك".
 

أكبر قضية فساد في تاريخ تونس


من جهة أخرى، أكد بدر الدين القمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام في مجلس النواب التونسي، أن "قضية البنك الفرنسي - التونسي محلّ متابعة من اللجنة، وهي أكبر قضية فساد في تاريخ البلاد، حيث أن القائمين على البنك تسببوا بإفلاسه بسبب إسناد القروض من دون ضمانات. والمؤلم أن الجناة لم تتم محاسبتهم إلى اليوم على الرغم من الكارثة المالية التي تسببوا بها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


صمت رسمي تونسي


في المقابل، أصرت وزارة أملاك الدولة التونسية والبنك المركزي التونسي على التزام الصمت وعدم الحديث بشأن الملف. وقال وزير أملاك الدولة غازي الشواشي إن "هذا الموقف اتُخذ بهدف عدم الوقوع في فخ كشف استراتيجية الدفاع عن تونس في هذا الملف، التي تم إعدادها، وحتى لا يعلم الخصوم تفاصيلها وتُستعمل وسائل دفاعنا في القضية ضدنا".

واعتبر الشواشي أنه "من حق الرأي العام متابعة الملف ولكن ليس في الفترة الحالية حتى لا يضر ذلك بمصالح البلاد".

وأثار الصمت الرسمي التونسي حالةً من القلق في الأوساط السياسية والاقتصادية المحلية، فرأى الإعلامي وسام حمدي أنه "لا يمكن الحسم في قدرة تونس من الناحية القانونية على الطعن أو إلغاء الحكم الصادر والذي يفيد بتغريم الدولة التونسية بمليار دولار، إذ إن مؤسسات التحكيم الدولي لا تعترف بمَن كان المخطئ بصفته السياسية، بل تعترف فقط بوزير مكلف بالملف ويمثل الدولة".


إنقاذ ما يمكن إنقاذه

في السياق، صرح الخبير الاقتصادي معز الجودي لـ"اندبندنت عربية"، أن "الملف الممتد على حقبة تاريخية تقارب الأربعين سنة يحتاج اليوم لمَن يجد حلاً منطقياً يساوي بين حقوق الدولة التونسية وحق السيد عبد المجيد بودن، الذي يعتبر أنه تعرض لمظلمة جراء تعاطي الدولة مع ما يعتبره حقاً له على مدى سنوات طويلة". وأضاف الجودي أن "الواقع اليوم يفرض ضرورة البحث عن حل سريع لأن الهيئة الدولية المكلفة بالبحث في النزاعات المالية والتي تشرف على القضية تتبع البنك الدولي وقراراتها ستمس سمعة تونس في الأسواق المالية العالمية، والبحث عن حل بالتراضي سيكون السبيل الأمثل لإغلاق هذا الملف، فليس بإمكان الدولة دفع غرامة بقيمة مليار دولار، ولا يمكن أيضاً الاستمرار في تجاهل قرار الهيئة لأن ذلك سيزيد من قيمة المبالغ المستحقة على الدولة ويعقّد أكثر فأكثر سبل الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف".
 

تجنب الحديث عن الموضوع


من ناحية ثانية، وبسبب أن الحديث عن هذا الملف يسبب إحراجاً للكثيرين، لم نتمكن من التوسع فيه أو الاستماع إلى وجهات نظر الجهات المتنازعة. ولم نتمكن من الاتصال بوزير أملاك الدولة السابق سليم بن حميدان الموجود في فرنسا، في حين تلتزم الوزارات والبنك المركزي التونسي الصمت ورفض الحديث في هذا الشان.

ويرى مراقبون أن تواتر عقد اللقاءات والجلسات المغلقة بين وزراء المالية وأملاك الدولة ومحافظ البنك المركزي مع أعضاء لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في مجلس النواب تعكس أن هناك تطورات متسارعة يشهدها الملف، إنما لا يعرف ما إذا كانت ستقود إلى حل يرضي كل الأطراف، أم إلى قيام المستفيد بإجراء حجز احتياطي على ممتلكات الدولة التونسية في عدد من دول العالم.

المزيد من العالم العربي