Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع الليبي يلتهم ثلثي الناتج المحلي الإجمالي

الدين العام يصل إلى 75 مليار دولار و118 ألف يبحثون عن عمل

الأوضاع الميدانية المشتعلة في ليبيا منذ سنوات أدت إلى تدهور الاقتصاد (أ.ف.ب)

يترقب الليبيون بشغف وأمل يشوبه حذر، انتهاء الصراع السياسي والعسكري القائم في البلد الواقع في شمال أفريقيا منذ تسع سنوات، والذي بدأ يتفاقم بداية من أبريل (نيسان) 2019، ومعه توقف تصدير النفط الليبي إلى خارج البلاد.

وطالت التداعيات السلبية الناتجة عن التناحر السياسي والعسكري الاقتصاد الليبي القائم بنسبة تصل إلى 95 في المئة على الإيرادات النفطية، وانعكست تلك التداعيات على مفاصل الاقتصاد ليبلغ حجم الدين العام الليبي نحو 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، متسبباً في تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى ما يقدر بنسبة 4 في المئة في عام 2019، نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً، على الرغم من زيادة الإنتاج إلى 1.15 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من 2019، ارتفاعاً من 970 ألف برميل في عام 2018، ما فاقم العجز المالي في الموازنة العامة للدولة الذي ارتفع إلى 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مقارنة بـ7.4 في المئة في عام 2018، وهو ما جعل الخبراء يرهنون استفاقة الاقتصاد الليبي بانتهاء الصراع العسكري والسياسي.

ارتفاع الدين العام 150 في المئة من الناتج المحلي

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أكدت الأمم المتحدة أن جنوب ليبيا لا يزال يعاني من عدم توافر السيولة النقدية، وذلك بسبب عجز إدارة المصرف المركزي في طرابلس والبيضاء عن تقديم أموال نقدية، مشيرة إلى انخفاض الناتج المحلي وارتفاع الدين العام بنسبة 150 في المئة من الناتج المحلي. وأوضحت المنظمة الدولية في تقريرها عن الوضع في ليبيا، أنه خلال عام 2019 ارتفعت قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى زيادة قوته الشرائية خصوصاً فيما يتعلق بالسلع الأساسية.

واعتبر التقرير أن رسوم بيع النقد الأجنبي على أسعار صرف العملات الأجنبية التي فرضها المجلس الرئاسي في سبتمبر (أيلول) 2018، أدت إلى تحفيز الودائع وتقويض السوق السوداء. كما لفتت المنظمة إلى استمرار النقص في الشفافية فيما يتعلق بالأشخاص الذين يستطيعون صرف العملات الأجنبية بسعر خاضع للضريبة، مقابل السعر الرسمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ أبريل 2019، انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الثلثين بنحو 66.6 في المئة  بسبب النزاع السياسي، بينما سجل الدين العام زيادة كبيرة، وأشار التقرير إلى أنه رغم انخفاض الدين الذي يديره مباشرة المصرف المركزي إلى 56 مليار دينار (نحو 79 مليار دولار أميركي)، فإن الدين في المركزي في مدينة البيضاء زاد إلى 43 مليار دينار (61 مليار دولار)، ونتج عن ذلك أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 150 في المئة.

وعلى الوتيرة ذاتها، قال بنك التنمية الأفريقي، في فبراير (شباط) الماضي، إن الاقتصاد الليبي معرض لصدمات مستقبلاً، بسبب تعثر خطط التنويع الاقتصادي مع اعتماد الحكومة على 96 في المئة على صادرات الطاقة في إعداد موازنتها. وأوضح البنك في تقريره حول الآفاق الاقتصادية في أفريقيا 2020، أن نمو الاقتصاد الليبي خلال عامي 2020 و2021 يتوقف على ضرورة زيادة إنتاج النفط، مشيراً إلى تعثر خطط التنويع الاقتصادي. وقال إن نسبة التضخم قد عاودت ارتفاعها في عام 2019، بسبب الاشتباكات المسلحة التي تمر بها العاصمة طرابلس، بعد أن كانت قد تراجعت في عام 2018 والربع الأول من العام الماضي.

10.9 في المئة العجز المالي في 2019

وحول العجز المالي، أكد البنك الأفريقي أنه زاد إلى نسبة 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 مقارنة بـ7.4 في المئة في عام 2018، وأرجع السبب إلى انخفاض أسعار النفط على الرغم من زيادة الإنتاج إلى 1.15 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من 2019، ارتفاعاً من 970 ألف برميل في عام 2018.

حقل "شرارة" يعاود الضخ

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، في 7 يونيو (حزيران) الحالي، عودة الإنتاج في حقل شرارة النفطي، بعد مفاوضات طويلة لفتح صمام الحمادة الذي جرى إغلاقه بشكل غير قانوني في يناير الماضي، ما أدى إلى توقف الإنتاج وانهيار خزان (Surge Tank D101 B) الواقع في منطقة (GOSP115)، والذي تبلغ سعته 16 ألف برميل، بعدما قامت ميليشيا مسلحة بمنع فرق الصيانة التابعة للمؤسسة من القيام بعملها.

وأكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة، مصطفى صنع الله، في بيان على الموقع الإلكتروني للمؤسسة، أن "الاقتصاد الليبي عانى بما فيه الكفاية بسبب هذه الإغلاقات غير المشروعة، وأمامنا الكثير من العمل"، متمنياً أن تكون إعادة الإنتاج في حقل شرارة الخطوة الأولى لإعادة الحياة إلى قطاع النفط والغاز في ليبيا، وبداية أيضاً لإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار في هذه الأوقات العصيبة.

ومن المقرر أن يعاود حقل شرارة الإنتاج بقدرة 30 ألف برميل يومياً في المرحلة الأولى، بسبب الأضرار الناتجة عن الإغلاق الطويل، لكن من المتوقع أن يصل إلى قدرته الكاملة خلال 90 يوماً.

ويذكر أن الطاقة الإنتاجية لهذا الحقل قبل إغلاقه كانت 300 ألف برميل يومياً لنحو أربعة أشهر، وقدرت المؤسسة الأضرار الناجمة عن الإغلاق المستمر لـ142 يوماً بأكثر من 5.2 مليار دولار.

 

ليبيا أرغِمت على خفض ميزانيتها

وفي مارس (آذار) الماضي، أعلن وزير الاقتصاد في حكومة الوفاق، علي العيساوي، أن بلاده أُرغمت على تخفيض ميزانيتها بما يقارب الثلث بسبب الصدمة المزدوجة الناجمة عن وقف إنتاج النفط وخفض أسعاره. وقال في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، "نواجه صدمة مزدوجة، تتمثل في وقف إنتاج النفط، وتراجع الأسعار، وسببها بشكل جزئي فيروس كورونا المستجد".

وأوضح أن ميزانية عام 2020 طموحة وحُدّدت بنحو 55 مليار دينار (75 مليار دولار)، مضيفاً، "لكننا أُرغمنا على تخفيضها إلى ما يقارب 38 مليار دينار (53 مليار دولار). وأشار إلى أن ذلك يؤثر كثيراً في الخدمات العامة والاستثمار، وسيتم إرجاء بناء مدارس ومستشفيات جديدة وكذلك الاستثمارات من أجل تجديد البنى التحتية النفطية. وتابع، "ينبغي على الحكومة التي كانت تتوقع نمواً تفوق نسبته 6 في المئة أن تخفّض هذه النسبة"، من دون أن يعطي رقماً معيناً.

معضلة الاقتصاد الليبي

وقال المتخصص في شؤون الاقتصاد الليبي ومؤسس سوق المال الليبي، سليمان الشحومي، لـ"اندبندنت عربية"، إن معضلة الاقتصاد في بلاده تكمن في أنه يصنف على أنه اقتصاد ريعي قائم على الإيرادات النفطية بنسبة تتخطى الـ95 في المئة". وأضاف أن "تحقيق النمو في أي دولة يعتمد على الاستثمار، والقوي العاملة ومهاراتها الإنتاجية، والموارد الطبيعية، والتكنولوجيا ومدى استخدامها في الإنتاج والخدمات".

وأكد أن فقدان الاقتصاد المؤسسي هو معضلة الاقتصاد الليبي، فقد استمر انهيار المؤسسات النقدية والمالية بسبب حالة الانقسام والحرب، ويعمل القطاع الخاص في الظل وتغيب سوق المال كمنظم للاقتصاد ومراقب للشفافية والإفصاح المالي.

وأضاف أن تعافي الاقتصاد الليبي مرهون بإنهاء الصراع السياسي والعسكري فوراً، حتي يبدأ الاقتصاد في الاستفاقة، مشيراً إلى أن الدين العام بلغ 105 مليارات دينار (148 مليار دولار)، وهو يعادل ضعف الموازنة العامة للدولة، بينما بلغ عجز الموازنة نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مرتفعاً من 10.9 في المئة العام الماضي.

الفساد يهدر 277 مليار دولار منذ 2011

بينما قال حسين مفتاح، المتخصص في الشأن الليبي، إن أزمة الاقتصاد في هذا البلد تتلخص في الانقسام والصراع بين فريقين، كل واحد منهما يعتبر أن له حكومته وشريعته، مؤكداً أنه لا حديث عن الاقتصاد إلا بعد انتهاء الصراع العسكري.

ولفت إلى أن الصراع في ليبيا أنهك الاقتصاد منذ اندلاع انتفاضة 2011، قائلاً إن "ما تم استهلاكه ونهبه وسط الصراعات منذ ذلك الحين وحتى 2014، بلغ ضمن قضايا فساد نحو 277 مليار دولار"، على حد قوله. وتابع "الفترة التي تلت عام 2014 شهدت صراعاً من نوع آخر ترتب عليه الانقسام السياسي والعسكري، ما أدى إلى حدوث كساد اقتصادي.

 

توقعات بتراجع الاحتياطي إلى 66 مليار دولار

وبحسب تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد الليبية، في مارس الماضي، فإنه ‏رغم تغطية حجم الاحتياطيات الأجنبية في عام 2019 ‎نحو ثلاث سنوات ونصف من الواردات، فإن المصرف المركزي يمكنه أن يستعمل منها جزءاً مهماً لتحقيق الاستقرار، والسحب من الاحتياطيات سيؤدي إلى انخفاضها بنحو 11 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) الحالي لتصل إلى 66 مليار دولار، وبعد ذلك فإن المصرف المركزي قد يتردد في مزيد من السحب من الاحتياطيات حتى لا تنخفض دون مستواها المتحقق في عام 2016.

وأشار التقرير إلى أنه ‏إذا استمر انخفاض الإنتاج النفطي، ومن ثم الإيرادات النفطية خلال الأشهر المقبلة، فعلى الحكومة أن تقوم بترشيد الإنفاق العام وإجراء تخفيضات في حجم الإنفاق بشكل جوهري. وهذا التخفيض ينبغي ألا يقتصر على الإنفاق التنموي فقط (بالرغم من توقع انخفاض الإنفاق إلى 45 مليار دينار في ميزانية 2020 إذا استمرت الظروف الأمنية الحالية في عرقلة الاستثمار العام)، بل من المهم السيطرة على نفقات الأجور والدعم والمصروفات الجارية عموماً لتخفيض ضغوط الإنفاق.

118 ألف ليبي يبحثون عن عمل

ووفقاً لمركز المعلومات والتوثيق التابع لوزارة العمل والتأهيل الليبي، بلغ عدد الباحثين عن العمل المسجلين ضمن منظومات وزارة العمل والتأهيل في كامل ربوع البلاد حتى نهاية العام الماضي 118 ألف شخص.

وأوضح أن توزيع الباحثين عن العمل المسجلين بحسب المناطق بلغ في المنطقة الجنوبية 13 ألف شخص، في حين بلغ العدد في المنطقة الشرقية نحو 7 آلاف، وبلغ العدد في المنطقة الغربية نحو 65 ألفاً، وفي المنطقة الوسطى نحو 32 ألفاً.

وبحسب بيانات المركز، فإن إجمالي العاملين المسجلين بقاعدة البيانات حسب الرقم الوطني حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول)، 2019 بلغ 2.3 مليون عامل، يعمل منهم 1.7 مليون في الجهاز الإداري للدولة، في حين بلغ عدد العاملين المسجلين خارج الجهاز الإداري 600 ألف عامل.

3.9 في المئة معدل النمو في 2023

أخيراً، توقع صندوق النقد الدولي، في فبراير (شباط) الماضي، تحقيق الاقتصاد الليبي مكاسب في النمو بنسبة 3.9 في المئة، خلال الفترة الممتدة إلى عام 2023. وأكدت المديرة التنفيذية للصندوق، كريستالينا غورغييفا، أن مسألة عدم الاستقرار في ليبيا تمثل خطراً على النمو الاقتصادي في المنطقة المغاربية ككل. وأضافت "نأمل أن تساعد الجهود الدبلوماسية الجارية في تحقيق تسوية سلمية وعاجلة للصراع الدائر في ليبيا".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد