Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يُبين أن ثروة البشر تعتمد على صحة الطبيعة

من الآن فصاعداً، يجب أن تحتل حماية بيئتنا وتحسينها موقعاً مركزياً في الطريقة التي نتبعها لتحقيق الازدهار الاقتصادي

إزالة غاباتنا الإستوائية تدفعها إلى نقاط حرجة (رويترز)

حلّ اليوم العالمي للبيئة الجمعة الماضي، ويجب على قادتنا السياسيين والمؤسسين أن يأخذوه في الاعتبار. إن تدهور كوكبنا ليس مجرد مشكلة بيئية، بل يمثل أخطاراً اقتصادية عالمية تهددنا أيضاً. فاقتصاداتنا وسبل عيشنا ورفاهنا تعتمد كلها على الطبيعة، من الطعام الذي نتناوله إلى التحكم بمناخنا وإدارة الأمراض فالترفيه الذي توفره لنا الطبيعة. من دون الطبيعة تستحيل الحياة.

ويُعَد كوفيد-19 رسالة أرسلتها لنا الطبيعة. وهو في الواقع إشارة استغاثة للمشروع البشري، تضع الحاجة إلى العيش ضمن إمكانات الكوكب موضع التركيز الحاد. وإن التداعيات البيئية والصحية والاقتصادية للفشل في القيام بذلك كارثية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تسمح لنا التطورات التكنولوجية، الآن أكثر من أي وقت مضى، بالإصغاء إلى رسائل كهذه والتوصل إلى فهم أفضل للعالم الطبيعي. فنحن نستطيع أن نقدر قيمة "رأس المال الطبيعي"، أي مخزون الكوكب من الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة، مثل النباتات والتربة والمعادن، إلى جانب قيم رأس المال المُنتَج والبشري (مثلاً، الطرق والمهارات) التي تشكل معاً مقياساً للثروة الحقيقية لأي بلد.

وتبين بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن حصة الفرد من المخزون العالمي لرأس المال الطبيعي تراجعت بواقع 40 في المئة منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، فيما تضاعف رأس المال المُنتَج ورأس المال البشري بنسبة 13 في المئة.

لكن عدداً أقل مما ينبغي من صنّاع القرار الاقتصادي والمالي يعرفون كيف يفسرون ما نسمعه، أو أنهم، في الحالات الأسوأ، يختارون تجاوزه تماماً. وتكمن إحدى المشاكل الأساسية في سوء التطابق بين "قواعد اللغة الاقتصادية" الاصطناعية التي توجه السياسة العامة والخاصة، و"النحو اللغوي الطبيعي" الذي يحدد طريقة عمل العالم الحقيقي.

والنتيجة أننا نفوت الإصغاء إلى الرسالة.

سمعنا في العقود الأخيرة مراراً أن أوضاعنا "لم تكن جيدة كما هي الآن". فمنذ منتصف القرن العشرين، ازدهرت البشرية بمعدل غير مسبوق. ويتمتع الشخص العادي اليوم بدخل أعلى بكثير، وتقل احتمالات تعرضه للفقر المطلق، كما يعيش مدة أطول بكثير مقارنة بأسلافه. وهذه إنجازات جبارة.

لكن نهجنا جعل هذه النجاحات تترافق مع تدهور عميق في المحيط الحيوي، وخسارة واسعة النطاق للتنوع البيولوجي. وأورد تقييم عالمي صدر العام الماضي عن المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية أن 14 من أصل 18 واحدة من فئات عطايا الطبيعة إلى الناس، وتشمل مجالات حيوية مثل تنقية المياه وجودة الهواء وإدارة الأمراض، شهدت تراجعاً منذ عام 1970.

وليست هذه التناقضات الشديدة مستدامة. فالتقديرات البسيطة لأثرنا الإجمالي في الطبيعة تشير الآن إلى أن الحفاظ على المستويات الحالية للعيش في العالم في ظل أنظمتنا الاقتصادية الحالية، المدفوعة بإنتاج واستهلاك غير مستدامين، تتطلب كوكباً يبلغ حجمه 1.7 ضعف حجم الأرض.

ومن النتائج المقلقة حقاً لطلبنا المفرط أن النظم الإيكولوجية المهمّة تقترب من النقاط الحرجة. فموجات الحرارة المحيطية دمّرت بالفعل نصف مرجان المياه الضحلة في الحاجز المرجاني العظيم لأستراليا. ووفق إفادة اللجنة الدولية للتغيرات المناخية في عام 2018، يتوقع العلماء أن زيادة بمقدار درجتين مئويتين في درجات الحرارة العالمية من شأنها أن تؤدي إلى قضاء شبه تام على الشعاب المرجانية حول العالم (خسارة بنحو 99 في المئة).

ويمكن الآثار الاقتصادية أن تكون مدمرة. فأعداد كبيرة من الناس تعتمد على مصائد الأسماك في الشعاب المرجانية لكسب قوتهم وتغذية أنفسهم، ولاسيما في البلدان النامية. وتحقق السياحة والترفيه في هذه الشعاب منافع اقتصادية جمة.

في هذه الأثناء، بيّن علماء كثيرون أن إزالة غاباتنا الإستوائية تدفعها في شكل خطر إلى نقاط حرجة قد تنقلب عندها غابات إستوائية مطيرة إلى أراض عشبية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تداعيات ضخمة في دورة المياه وأن يتسبب في اضطراب مناخي كبير.

وهكذا إذا لم تلبِّ اللغة الاقتصادية غاياتنا، فكيف وأين نبدأ بالعثور على إجابات أفضل؟ صدر في نهاية أبريل (نيسان) التقرير المرحلي لـ "مراجعة داسغوبتا" المتخصصة في اقتصادات التنوع البيولوجي، وهي مراجعة مستقلة وعالمية أُجريت بناء على طلب وزارة المالية البريطانية. وتسعى المراجعة إلى إعادة بناء قواعد لغتنا الاقتصادية بأن تظهر أن اقتصاداتنا راسخة في الطبيعة وليست خارجية بالنسبة إليها.

وعلى خلاف النماذج المعيارية للنمو والتنمية الاقتصاديين، يساعدنا وضع أنفسنا واقتصاداتنا في إطار الطبيعة على تقبل ارتباط ازدهارنا في نهاية المطاف بكوكبنا. وقواعد اللغة الجديدة هذه مطلوبة في كل مكان، من الفصول الدراسية إلى مجالس الإدارة، ومن مجالس البلدية في بلدات صغيرة إلى الإدارات الحكومية. كما أن لها تداعيات عميقة بالنسبة إلى ما نعنيه بالنمو الاقتصادي المستدام، فهي تساعد في توجيه قادتنا نحو اتخاذ قرارات أفضل توفر لنا ولأجيال المستقبل الحياة الأكثر صحة واخضراراً وسعادة التي يرغب فيها عدد متزايد منا.

لقد أصبحت أهمية اتخاذ قرارات توجّهها العلوم أوضح بشكل أكبر خلال الأشهر الماضية. وفي حين لا يزال أمامنا الكثير مما ينبغي بنا أن نتعلمه حول الجوانب الوبائية لكوفيد-19 وآثاره، فقد تكرس جيداً الرابط بين فقدان التنوع البيولوجي وانتشار الأمراض المعدية. وفي حين تتسارع النقاشات حول التعافي، يجب أن توجه العلوم القرارات الاقتصادية والمالية أيضاً.

ومن الآن فصاعداً، يجب أن تحتل حماية بيئتنا وتحسينها موقعاً مركزياً في الطريقة التي نتبعها لتحقيق الازدهار الاقتصادي.

عن المؤلفين:

البروفيسور السير بارثا داسغوبتا هو المراجع الرئيس لـ"مراجعة داسغوبتا" و"المراجعة المستقلة حول الاقتصادات والتنوع البيولوجي"، و الأستاذ المتقاعد لكرسي فرانك رامسي للاقتصاد في جامعة كامبريدج.

إنجر أندرسن هي الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

 

© The Independent

المزيد من تحلیل