Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا بعد "إعلان القاهرة" الموقف الغربي يسوده الغموض وأردوغان يتجه إلى التصعيد

محللون: ليبيا تشهد تصعيداً عسكرياً والسراج لا يملك قراره والولايات المتحدة قد تضغط من أجل التفاوض

من المتوقع أن يثير إعلان القاهرة بشأن الأزمة الليبية ردود فعل ومواقف مختلفة (أ.ف.ب)

شهدت القاهرة، السبت، إعلان المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المُنتخب، وقف إطلاق النار بأنحاء ليبيا، بموجب اتفاق توسّط فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ينطوي على "العودة إلى المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة".

الإعلان الذي شهد حضور ممثلي البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر يدعو إلى "مباحثات برعاية الأمم المتحدة مع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5 + 5) في جنيف"، لتمهيد الطريق إلى "تشكيل مجلس رئاسي مُنتخب في غضون 90 يوماً"، على أن يضمّ المجلس "ممثلين من الأقاليم الثلاثة في البلاد"، الذين سيُجرى تكليفهم تعيين رئيس وزراء وحكومة انتقالية. وأن يقوم رئيس البرلمان بتشكيل لجنة تشريعية لصياغة "إعلان دستوري"، لتوجيه البلاد خلال فترة انتقالية مدتها 18 شهراً إلى إجراء الانتخابات.

لكن، سرعان ما أعربت حكومة الوفاق في طرابلس عن رفضها الإعلان، وقال المتحدث باسمها محمد قنونو، "لم نبدأ هذه الحرب. لكننا مَنْ يقرر أين ومتى تنتهي". وشنّت قوات الوفاق عملية، السبت، لاستعادة مدينة سرت، المدينة الاستراتيجية بين شرقي وغربي البلاد، كما أشار قنونو إلى أن القوات المتحالفة مع طرابلس سيطرت على مدينة الوشكة شرقي مدينة مصراتة الساحلية المهمة.

وألحقت القوات الموالية حكومة الوفاق سلسلة من الهزائم بحفتر غربي ليبيا، في الأشهر الأخيرة الماضية، بعدما حصلت على دعم عسكري تركي، ولا يزال الجيش الوطني الليبي يسيطر على شرقيّ البلاد ومنطقة الهلال النفطي، بينما ليس من الواضح إذا كانت العمليات العسكرية للوفاق ستتواصل للضغط باتجاه المنشآت النفطية أم لا.

أميركا ترحب
ولا يزال مستقبل الصراع في ليبيا مفتوحاً أمام اثنين من السيناريوهات التي تنحصر بين التراجع والعودة إلى طاولة المفاوضات، أو الدخول في حرب شاملة بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية التي تتصارع على النفوذ بالمنطقة.

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" وصف بييرفرانسسكو كورزي، محلل سياسي إيطالي معنيّ بالشرق الأوسط، المشهد الليبي بـ"حرب عالمية صغيرة بين الأطراف الداعمة السراج والأخرى المساندة حفتر". ويشير إلى أن ليبيا أصبحت "محوراً لاستراتيجية جيوسياسية دولية" منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. وفي كل الأحوال، توقّع أن يثير إعلان القاهرة "ردود فعل ومواقف مختلفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي حين أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن ترحيبها بجهود مصر وغيرها من الدول، لدعم العودة إلى "مفاوضات سياسية بقيادة الأمم المتحدة، وإعلان وقف إطلاق النار"، قائلة إنها "تراقب باهتمام ارتفاع أصوات سياسية في شرقي ليبيا للتعبير عن نفسها"، و"نتطلع إلى رؤية هذه الأصوات تنخرط في حوار سياسي حقيقي على الصعيد الوطني، فور استئناف مباحثات اللجنة المشتركة (5 + 5) التي استضافتها البعثة بشأن صيغ وقف إطلاق النار". فإن التحرّكات المصرية تأتي وسط خلفية من التحذيرات الأميركية ضد روسيا من إشعال نيران الصراع، وهددت بنشر قواتها في تونس لردع الروس عن زعزعة الاستقرار بالمنطقة، الأمر الذي يجعل الضغط على أطراف الصراع من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات أمراً حيوياً لواشنطن.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أشاد بحفتر ومكافحته الجماعات الإرهابية في لقاء جمعهما قبل عام، كما أبلغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، السراج رفض واشنطن استمرار تدفق الأسلحة والذخائر من وإلى ليبيا. لكنّ تغيراً طرأ على الموقف الأميركي وسط توجّس أوروبي من الدور الروسي في ليبيا، التي يعتبرها الأوروبيون تهديداً للأمن الأوروبي. وفي أواخر مايو (أيار) الماضي، حذّرت وزارة الدفاع الأميركية من نشر روسيا طائرات مقاتلة في ليبيا لدعم حفتر.

وقال الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة الأميركية بأفريقيا، في بيان، "من الواضح أن روسيا تحاول قلب الميزان لصالحها في ليبيا. تماماً مثلما رأيتهم يفعلون في سوريا، فإنهم يوسّعون وجودهم العسكري في أفريقيا".

طرابلس لا تملك قرارها
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، قال سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نجح في أن يوعز لواشنطن أنه يوجد في ليبيا من أجل مواجهة النفوذ الروسي". واستبعد "أن يقبل السراج المبادرة المصرية"، وقد كان "الرد على الأرض" من خلال محاولة "اختراق مدينة سرت"، والوصول إلى "قاعدة الجفرة، وهي قاعدة ذات أهمية كبرى".

ويضيف غطاس، "السراج لا يملك قراره، ولا يستطيع أن يتخذ قراراً مستقلاً، إذ إنه مقيد من جهة بحلفائه من الإخوان المسلمين داخل طرابلس، ومن جهة أخرى بالقرار التركي، بل قرار أردوغان شخصياً".

ويستكمل، "أردوغان لم يأتِ إلى ليبيا ليخرج منها. فلديه مشروع يطلقون عليه العثمانية الجديدة. وفي كل بلد دخلها لم يخرج، فهو في العراق منذ عام 1982، ولديه 19 قاعدة في دهوك وأربيل، ودخل الصومال وله قاعدة كبرى ولم يخرج منها، ودخل قطر ولديه قاعدة طارق بن زياد، ويستعد لإقامة قاعدة جديدة، ويحاول الآن إقامة قواعد في اليمن".

ويوضح رئيس منتدى الشرق الأوسط وعضو مجلس النواب المصري، "أردوغان دخل ليس فقط من أجل توسيع رقعة مشروعه، لكن بالأساس لأسباب اقتصادية، إذ ينقّب عن الغاز، ويقطع الطريق على الدول المجاورة، اليونان ومصر وقبرص وحتى إسرائيل، عن تصدير الغاز إلى أوروبا، إذ أقام خطاً مانعاً في البحر المتوسط، ومن يريد المرور إلى أوروبا عليه أن يمر من خلاله، بالتالي ليس من المتوقع أن يتراجع، خصوصاً أنه استطاع إنشاء تحالفات سمحت له بالمناورة، فعلاقته بروسيا لا تسمح لموسكو بمعاقبته، وفي الوقت نفسه أوعز لأميركا أنه يواجه النفوذ الروسي في ليبيا".

انشقاق أوروبي متواصل
وعلى الجانب الآخر، وبينما رحّبت فرنسا وروسيا والإمارات، الدول الثلاث الداعمة حفتر، بالمبادرة، وقال ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا: "نرحب بهذه المبادرة، ونعتبرها أساساً جيداً لإطلاق عملية سياسية جدية". وأبدى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ترحيباً واسعاً بالخطوة، وأعرب في مشاورات مع نظيره المصري سامح شكري، عن دعمه المبادرة المصرية.

ومع ذلك لا يزال الموقف الأوروبي المنقسم حيال ليبيا "غامضاً"، إذ لم يعلّق الاتحاد الأوروبي على الخطوة، واكتفى آلان بوجبا رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، في اتصال هاتفي مع يوسف العقوري رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الليبي، بتأكيد ضرورة وقف إطلاق النار، ورفض التدخلات الخارجية في البلاد.

ولم تبدِ إيطاليا، التي تشكّل أحد داعمي فايز السراج، دعمها الإعلان، إذ اكتفت، في بيان لوزارة خارجيتها، بالإشارة إلى مساندتها أي مبادرة من شأنها أن تسهم في التوصّل إلى حل سياسي، لإنهاء الأزمة الليبية. داعية "كل الأطراف إلى التزام حسن النية والروح البناءة في مفاوضات (5 + 5) تحت إشراف الأمم المتحدة، لوقف إطلاق النار".

فرنسا تواصل الدعم
ويتمثل الانشقاق الرئيسي في أوروبا بين باريس، التي تدعم حفتر، باعتباره يؤمّن لها مصالح شركة توتال للنفط، وروما التي تساند السراج، التي عقدت معه اتفاقاً لمنع تسلل اللاجئين عبر السواحل الليبية إلى إيطاليا، وفي الوقت نفسه يؤمّن مصالح شركة إيني الخاصة بالطاقة.

وبينما يتوقع استمرار دعم فرنسا حفتر للدفاع عن مصالح شركات النفط الفرنسية، يشير غطاس إلى أن قائد الجيش الوطني الليبي "ربما تسبب في كثيرٍ من الخسائر لبعض الدول التي تدعمه"، بسبب "تأخّره في حسم المعركة على الأرض سريعاً"، بعدما حاصر طرابلس نحو 14 شهراً، ما خلق تداعيات بينها "لجوء السراج إلى أردوغان".

ويشير إلى أن فرنسا وفّرت لحفتر الدعم المالي والسياسي والعسكري، غير أنها لا يمكن أن تتدخل عسكرياً في ليبيا، إذ إنها هي موجودة بالفعل بثقل كبير في مالي، وقتلت زعيم تنظيم القاعدة قبل أيام، لكن الوضع بالنسبة إلى ليبيا يختلف، نظراً إلى تدخل أطراف دولية عديدة. ومن ثمّ فإنها لن تغامر في ظل غياب موقف موحد داخل الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أن ألمانيا (قوى أوروبية) لا تفضّل التدخل العسكري.

إيطاليا الخاسرة
وانتقد كورزي الموقف الإيطالي، مشيراً إلى ما وصفه بـ"الصمت المخجل". ويقول "في علاقتها مع السراج أظهرت الحكومة الإيطالية كل نقاط ضعفها، ما سمح لتركيا بحل مكانها. وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها إيطاليا ضعيفة في الأمور ذات الاهتمام الدولي، لكن في هذه الحالة العواقب حساسة. فلقد حافظت روما على التعاون القائم على تبادل متساوٍ للمصالح، إذ قدّمت الدعم الكامل للسراج في مواجهة حفتر، مقابل الدعم في مكافحة الهجرة غير الشرعية، من دون أن تستكمل دورها".

ويوضح كورزي، أن تأخر إيطاليا في السباق لتحقيق الاستقرار في الأزمة الليبية كان يعني خسارة الأرض من وجهة نظر دولية، لكن قبل كل شيء اقتصاديّاً. وعلى الرغم من أنها اكتسبت ميزة استراتيجية في سنوات عديدة من العلاقات والمفاوضات، أصبحت الآن معرّضة لخطر الضياع لصالح منافسين آخرين. ومن ثمّ تدفع إيطاليا المقابل نظراً إلى عدم قدرتها على لعب دور قيادي في السيناريوهات الجيوسياسية، في ليبيا وكذلك بأوروبا.

وبينما يتوقع المراقبون أن تذهب "الأمور إلى التصعيد"، مع احتمالات أن لا تكتفي القوات الموالية السراج، بما حققته من مكاسب، وتسعى للتمدد إلى الهلال النفطي، يبقى رهان حفتر على الموقف الروسي. وبينما جمعت تفاهمات بين روسيا وتركيا بشأن مدينة إدلب السورية، التي يسيطر عليها جماعات التمرد المسلحة المدعومة من تركيا، يشير غطاس إلى "مصالح كبرى تجمع روسيا وتركيا"، وعلى سبيل المثال "يمر أنبوب الغاز الروسي إلى أوروبا ودول وسط آسيا عبر تركيا، كما أن تركيا هي البلد الوحيد الذي باعت له روسيا نظام الدفاع الجوى (أس 400)، فضلاً عن أن موسكو تأمل خلخلة حلف الناتو من خلال دعم أردوغان، على أمل أنه يمكن أن يتسبب ذلك في تصدع الحلف. بالتالي مصالح روسيا الكبرى داخل تركيا تمنعها من خسارتها لصالح وضع غير مستقر في ليبيا".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات