Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنانيات يلجأن إلى عملية وهب البويضات لتحقيق حلم الأمومة

غياب للأطر القانونية الواضحة مع ما يرافق ذلك من مخاطر على صحة الزوجة وحقوقها

تنظيم الوهب يعني حكماً القبول به علناً والاعتراف بتفاصيله كافة (رويترز)

يصل الزوجان أحياناً إلى طريق مسدود في محاولات الإنجاب بعد فشل غالبيتها، على الرغم من التطور الطبي ووسائل عدّة متاحة. إلّا أنّ حلم الأمومة يراود المرأة في مختلف مراحل حياتها وقد لا تلغيه التحدّيات.

ومع تقدم المرأة بالسن، تتراجع فرص الإنجاب ويصبح ضرورياً البحث عن طرق أخرى متوافرة. يعتبر وهب البويضات من الوسائل التي تلجأ إليها كثيرات في لبنان ولو سرّاً لتحقيق حلم الأمومة.

وفي ظل غياب الأطر القانونية الواضحة، تغيب الضوابط، مع ما يرافق ذلك من مخاطر على صحة الزوجة وحقوقها وغيرها من التداعيات على الطبيب نفسه أيضاً.

في المقابل، تؤكد مستشارة العقم ومديرة مختبر أطفال الأنابيب في مركز عازوري الطبي، الدكتورة جيسيكا عازوري أن نسبة 90 في المئة من المتزوجين ترفض الفكرة لدى اقتراحها وتستبعدها تماماً. لكن عندما تبدو الأبواب كلّها مقفلة أمامهما، يعودان خلال عام غالباً ويخوضان هذه التجربة.

فالأسباب التي يمكن أن تمنع الزوجة من الإنجاب واتّخاذها قرار اللجوء إلى البويضات الموهوبة كثيرة كبلوغها مرحلة انقطاع الطمث في عمر 42 سنة، إضافةً إلى خضوعها ربما للعلاج الكيميائي الذي يقضي على مخزون البويضات لديها.

وتوضح عازوري أنه في حالات زواج القربى ووجود احتمال ولادة طفل مع تشوّهات، يلجأ البعض إلى هذه الطريقة. بالتالي فإنّ الأسباب كافة التي تدعو إلى اللجوء للبويضات الموهوبة طبية بحتة.

سرّ لا يعرفه إلّأ الزوجين

من الطبيعي أن يفضّل الزوجان في مثل هذه الظروف، الحفاظ على سرّية تامة لهذه التجربة، فلا يعرف بها إلّا الطبيب وحده. وتفضّل الدكتورة عازوري إبقاء الأمر سرّاً وهذا يبدو أفضل أيضاً للطفل لاحقاً.

إلّا في حال سوء التسويق للموضوع بشكل لا يقبل السكوت عنه. "كأن يُحكى عن سيدة تنجب في عمر الستين بطريقة طبيعية غير مقبول، لأنه غير ممكن أبداً، إلّا باللجوء إلى وهب البويضات".

في الوقت ذاته، تشدّد على الضوابط التي لا بد من وضعها، ومنها ما يتعلّق بالسن، فلا يجوز اللجوء إلى وهب البويضات وتلقيح سيدة في عمر 65 سنة لأن هذا يشكّل خطراً على حياتها ويتعارض مع أخلاقيات المهنة.

وتبرز هنا المشكلة الأساسية في الموضوع بغياب الإحاطة القانونية لعملية وهب البويضات في لبنان، نتيجة اختلاف طائفي حول الموضوع.

إلّا أنّ الجمعية اللبنانية للخصوبة، وضعت مشروع مرسوم تنظيمي يتضمّن توصيات حول كل التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع، تجنّباً للمشكلات التي يمكن أن تتعرض لها المرأة أو الطبيب أو الزوجين.

وباتت هذه التوصيات بمثابة مرجع في حال وجود مشكلة قانونية، بغياب المراسيم التطبيقية للقانون. فعلى سبيل المثال، ما من مانع في اللجوء إلى الوهب مع امرأة في عمر الستين من الناحية التقنية، إلّأ أنّ توصيات اللجنة حدّدت عمر الخمسين لإجرائها.

وفي حال خالف الطبيب التوصيات يمكن أن يعود القاضي إليها، ويواجه حكماً مشكلة لمخالفته الأخلاقيات الطبية.

العقبات الكثيرة التي تواجهها العائلات والأطباء، تدعو فعلاً إلى رفض الاستمرار في حالة الفوضى بالنسبة إلى هذه المسألة. وليس الجانب الصحي وحده المبرر، إنما أيضاً الاجتماعي الذي يجب النظر فيه من الناحية القانونية، حفاظاً على حقوق الأم بالدرجة الأولى.

 فماذا في حال طلاق الزوجين، هل يمكن أن تُحرم من طفلها الذي حملت به وأنجبته وربّته لاعتبارها ليست أمّه فعلياً؟ وما سيحصل في حال عُنّفت الزوجة من قبل الزوج أو تعرضها لمشكلات أخرى في زواجها، فهل تتحمّلها قسراً حتى لا تُحرم من طفلها؟ كما أن إصابة الطفل بتشوّهات لا يسمح برفضه لاحقاً.

ومن دون تنظيم الأمور كافة ضمن إطار قانوني، تبقى الحقوق رهناً بضمائر المعنيين وتعاطيهم الإنساني مع الواقع. مجموعة من التوصيات وضعتها الجمعية اللبنانية للخصوبة منها إلزام الزوج التوقيع على اعتراف بأنّ زوجته هي الأم الشرعية للطفل. لكن هذا المشروع المدروس يكفل حقوق مراكز المساعدة في الإنجاب والأطباء والزوجين والطفل، أما تبنّيه، فليس وارداً حتى اللحظة طالما أن للمحاكم الدينية الكلمة الفصل في ذلك.

كيف تجرى عملية الوهب؟

قد تكون هناك معرفة ما بين الواهبة والمتلقية كأن تكونا مقرّبتين، فتشجّع الواهبة على الخطوة انطلاقاً من هذا الرابط، أو يمكن أن تكون مجهولة.

في الحالتين، من الناحية الطبية، تبقى الطريقة المعتمدة ذاتها وتقضي بتقوية مبيض الواهبة في المرحلة الأولى إلى حين الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي عملية طفل الأنبوب.

إلّأ أنّ الجمع يكون في هذه الحالة بين بويضات الواهبة والحيوانات المنوية الخاصة بالزوج. وتجرى عملية التلقيح عندها للزوجة، من دون أن يكون في ذلك أي خطر على الواهبة ولا على المتلقية ما لم تكن في سن متقدمة وهي بصحة جيدة.

 أما الواهبة، فمن الشروط المطلوبة أن تكون في بداية الثلاثينيات وأن تكون أماً، على أن تخضع للفحوص الخاصة بالأمراض المنقولة جنسياً وفحص التلاسيميا.

 وتشدّد مستشارة العقم على أن الواهبات اللواتي يستعين بهن المركز لبنانيات والعملية شبه مجانية. لكن تُدفع للواهبة تكاليف التنقلات وبدل تعطيل عن العمل.

ويعتبر المبلغ الذي تحصل عليه زهيداً، بعكس ما يحصل في الولايات المتحدة مثلاً، إذ قد تحصل الواهبة على ما يقارب 10 آلاف دولار.

على الرغم من ذلك، ونظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة والعوز، تلجأ كثيرات إلى الوهب للاستفادة من المقابل المادي الذي قد لا يتخطى 700 دولار في لبنان. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي قد يدفع سيدة إلى وهب البويضات الخاصة بها، فبالنسبة إلى كثيرات قد يكون الدافع دينياً وهدفه إنسانياً.

واقع لا يلغيه غياب القانون

يلجأ آلاف من مختلف الدول العربية إلى هذه الوسيلة، بمعدل يقارب 100 عملية تحصل بوهب البويضات من أصل 150 عملية طفل أنبوب، كما توضح عازوري.

لا مفر من هذا الواقع ولو بغياب الإطار القانوني. فمن المؤكد أن تنظيم الوهب، يعني حكماً القبول به علناً والاعتراف بتفاصيله كافة. ومن البديهي أن يبقى المشروع في الأدراج، على الرغم من أن الجمعية اللبنانية للخصوبة تحاول عرضه على كل وزير صحة، آملةً في أن تصبح هذه التوصيات مشمولة في قانون واضح بدلاً من أن تبقى الأمور رهناً بالأخلاقيات والتعاطي الإنساني الذي قد لا يكون متوافراً في كثير من الأحيان.

التجارب التي يعيشها الأطباء والمشكلات التي يقعون فيها وغيرها من التحدّيات التي يواجهها الزوجان والطفل تؤكد على الحاجة الملحة إلى وجود قانون يحمي الأطراف كافة ويحفظ حقوقهم، علماً أن التطور الوحيد الذي حصل في هذا الموضوع كان التعديل في المادة 30 من قانون الآداب الطبية في البند 8 الذي جاء فيه "لا يجوز إجراء عملية التلقيح الاصطناعي أو الحمل بواسطة تقنيات الخصوبة المساعدة إلّا بين الزوجين وبموافقتهما الخطية"، التي أصبحت "يجوز إجراء عملية التلقيح الاصطناعي أو الحمل بواسطة تقنيات الخصوبة المساعدة للزوجين وبموافقتهما الخطية مع مراعاة القوانين المرعية الإجراء والمحاكم الشرعية والمذهبية والروحية والمدنية".

هذا التعديل ألغى مبدأ المنع وأجاز اللجوء إلى وهب البويضات إنما مبدأ "مراعاة القوانين المرعية الإجراء والمحاكم الشرعية..."، بحسب أستاذة القانون في الجامعة اليسوعية في بيروت الدكتورة لارا كرم البستاني، يُمنع اللجوء إليه إذا كانت طائفة ما لا تقبل به على الرغم من الحاجة الملحّة إلى إحاطة قانونية لتجنّب الأخطاء وتطبيق عملية الوهب بشكل صحيح لضمان حقوق الزوجين والأطباء.

ماذا في الموقف الديني؟

يجيز المذهب الشيعي اللجوء إلى وهب البويضات، فنظّم العملية بشكل تام وواضح بما يكفل حقوق المعنيين كافة. في المقابل، يُعتبر الوهب من المحرّمات لدى المذهب السنّي، ما يجعل تنظيمه في القانون صعباً في لبنان.

ويوضح الشيخ الدكتور وفيق حجازي "يُعتبر الجمع بين الحيوان المنوي الخاص بالزوج مع بويضة لغير زوجته محرّماً ونتيجة الجمع بينهما حرام طبعاً"، مؤكداً أن التلقيح الاصطناعي يجوز شرط أن يحصل بين الزوجين لا باللجوء إلى وهب البويضات.

أما العقم، فمذكور في القرآن الكريم وإذا فشلت كل التقنيات العلاجية الحديثة تكون المرأة عاقراً. كما أن الإسلام يجيز للزوج أن يتزوج امرأة أخرى إذا كانت زوجته عاجزة عن الإنجاب.

في المقابل، على الرغم من أن القرآن لم يذكر الوهب طبعاً، إلّا أنه ذكر التبنّي الذي يُعتبر محرّماً في الإسلام، ما يحتّم أن يكون وهب البويضات أيضاً من المحرّمات.

لا يمكن استبعاد وجهة النظر الدينية في هذا الموضوع، لكن هل يمكن التغاضي عن حقوق الآلاف الذين يلجأون إلى عملية الوهب، مع ما قد يترتب عن ذلك من انتهاك للحقوق وفوضى واحتمال تحوّلها إلى تجارة بغياب الإحاطة القانونية؟

المزيد من صحة