Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل عرقل حاملو السلاح مساعي تحقيق أهداف الثورة السودانية؟

"ليسوا على قلب واحد وتقع على عاتقهم مسؤولية عدم إتمام الحكم المدني"

متظاهرون يتجمعون في الشوارع والساحات في ذكرى مرور عام على فض اعتصام القيادة العامة في السودان (أ.ف.ب)

انتقد سياسيون وأكاديميون سودانيون أسلوب الحركات المسلحة في التعاطي مع مجريات الأحداث في البلاد، كونها لم تستوعب التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي أطاحت النظام السابق، باعتبارها جزءًا من هذه الثورة، لكنها لم تتعامل مع الواقع بشكل جاد.

وأشاروا في حديثهم لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن رغبة هذه الحركات في المحاصصة ليست بعيدة، نظراً إلى ما يحدث من تلكّؤ وتأخر في العملية التفاوضية مع الجانب الحكومي، غير مستبعدين وجود ضغوط دولية وإقليمية تمارس عليها في شكل تدخلات، تجعلها تتباطأ وتراوغ في مطالبها.

مظالم مجتمعية

في هذا الشأن، قال نائب رئيس "حزب الأمة" القومي السوداني فضل الله برمة، "من دون شك تتحمّل الحركات المسلحة المسؤولية الكاملة عن عرقلة تحقيق أهداف الثورة، لأنها تعتبر جزءًا من التغيير الذي حدث في البلاد، برفعها السلاح ضد النظام السابق نتيجة مظالم معروفة، لكن كان من الواجب عليها فور سقوط النظام باعتباره هدفاً مقدساً لها، ووقّعت الوثيقة الدستورية، أن تكون أكثر مرونة وحرصاً على عملية التحوّل الديمقراطي، وطرفاً أصيلاً من المرحلة الانتقالية".

وأضاف "ما يحدث الآن عملية محبطة، فليس من المعقول أن يتفق الجميع على تحقيق السلام في الأشهر الستة الأولى من بداية المرحلة الانتقالية، ولا يزال السلام يراوح مكانه على الرغم من مرور أكثر من سنة على سقوط نظام البشير. فهذه الحركات لم تراعِ التداعيات الضارة التي خلّفتها حروب دارت لفترات طويلة، ومن أهمها الأعداد الكبيرة من النازحين واللاجئين الموجودين في معسكرات عدّة، الذين يتطلّعون إلى العودة إلى مناطقهم والعيش حياة كريمة"، مشيراً إلى أن حمل السلاح كان بسبب مظالم مجتمعية قومية، وليس من أجل مكاسب شخصية، بالتالي كان يجب التسريع في خطوات السلام بالشكل المطلوب وعدم المماطلة والتأخير، لأن القضية هي قضية وطن، والجميع متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اللون والعرق والثقافة.

إعادة البناء

وتابع برمة "كان يجب أن نسخّر الوقت الذي ذهب هدراً لإعادة بناء بلادنا، تحديداً المناطق التي تضرّرت خلال الحرب كدارفور، ولكيفية تسليم السلاح وإعادة الدمج، خصوصاً أننا أصبحنا خبراء في عملية الانتقال من الحرب إلى السلم، ولن نسمح بعد ذلك بتكرار تجربة انفصال الجنوب، فنحن نريد أن نعيش كلّنا في وطن واحد، تجمعنا وحدة الهدف والمصير، انطلاقاً من مبدأ المواطنة المتساوية، مع إعطاء أولوية وأسبقية للمناطق التي تضرّرت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف "لكن المؤسف في نظري أن هناك مصالح شخصية، فضلاً عن وجود خلل في عملية التفاوض، حين دخلت الأطراف المعنية بالسلام من دون استراتيجية واضحة، في وقت أن السلام الحالي يختلف عن السابق. فسلام اليوم تتعدّد فيه الجهات الحاملة للسلاح، وغيرها من التحدّيات، بينما سابقاً كانت هناك حركة مسلحة واحدة تضم قائداً واحداً وإثنية واحدة"، لافتاً إلى أن هناك أيادٍ خارجية تريد تحقيق مصالحها من خلال هذه الحركات، وذلك بالنظر لما يملكه السودان من موارد مختلفة ومخزون استراتيجي، ورابطاً ذلك بما حدث أخيراً من اقتتال في مناطق جبل مرة في دارفور وكادوقلي بجنوب كردفان. ولم يستبعد نائب رئيس "حزب الأمة" عودة الحرب مرة أخرى في دارفور وفقاً للمعطيات الماثلة الآن، إذا لم تنحاز تلك الحركات إلى القضية الوطنية، لأن هناك جهات خارجية تقدّم لها إغراءات لتحقيق مطامعها في البلاد.

انعدام الرؤية

في سياق متصل، قال رئيس هيئة محامي دارفور محمد عبد الله الدومة، "في اعتقادي أن حاملي السلاح هم جزء من عقبات كثيرة تواجه البلاد، فهم الآن ليسوا على قلب رجل واحد، بمعنى غير موحّدين، وليست لديهم رؤية أو هدف واضح. فقضايا السلام معروفة سواء في ما يتعلّق بدارفور أو بمنطقتَيْ النيل الأزرق وكردفان، ولا تحتاج إلى مداولات ومباحثات بهذا القدر والهدر من الزمن. كما أن الحكومة السودانية سارت في اتجاه خاطئ، خصوصاً في مسألة الحوار بشأن المنطقتين (النيل الأزرق وكردفان)، إذ تتفاوض مع حركتين تسيطران عليهما عسكرياً وبينهما اختلاف في وحدة الهدف، إلى جانب انعدام رؤية الجانب الحكومي، وغياب جهة دولية ضامنة لاتفاق السلام، فضلاً عن قلّة خبرة دولة جنوب السودان الراعية لهذه المفاوضات، باعتبارها دولة حديثة ليست لديها خبرات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في مثل هذه القضايا".

وأضاف "هذا الطريق لن يؤدي إلى سلام، لا بد من البحث عن مخرج آخر يعتمد على وحدة الهدف بين هذه الحركات، ووجود قاسم مشترك بينها، وأن يجلس الجميع إلى مائدة واحدة، بمعنى أن تتواضع الحركات كلها، وأن تقدّر صبر الشعب السوداني، وما ذاق من معاناة طيلة السنوات الثلاثين الماضية، فهي جزء من المجتمع والكل يتساوى في الحقوق والواجبات. لذلك كان عليها تسريع خطوات السلام لأن العدو المشترك سقط غير مأسوف عليه، ولأن المسؤولية الحالية تشاركية، تشمل كل من وقف ضد النظام السابق مستخدماً كل أدوات النضال المشروعة، سواء قوى سياسية أو حركات مسلحة أو منظمات مجتمع مدني أو ثوار".

ضغوط دولية وإقليمية

وأشار الدومة إلى أن رغبة الحركات المسلحة في المحاصصة ليست بعيدة مِمّا يحدث من تلكّؤ وتأخير، "ولا أقول إنها الهدف الأساسي"، لافتاً إلى وجود ضغوط دولية وإقليمية تمارس عليها في شكل تدخلات تجعلها تتباطأ وتراوغ في مطالبها، قد تكون هذه الضغوط غير منظورة، ولكنها محسوسة.

وأضاف "إحسان الظن بكل حاملي السلاح موجود، لكن عليهم أن يسلكوا الطريق الأفضل والأنسب، لأن الشعب السوداني أصابه الملل واليأس من المشكلات التي تحاصره وتسبّبت في معاناته، فليس من المعقول أن النظام السابق سقط منذ أكثر من سنة ولا نزال في منطقة الصفر، من دون حلّ لقضايانا الأساسية ومن أهمها السلام لارتباطه بكل شيء". وحمّل تلك الحركات المسلحة المسؤولية الكبرى عن عدم إتمام الحكم المدني، وذلك بسبب التأخر في حسم القضايا الساخنة وإيجاد حلّ سريع لها، خصوصاً تشكيل المجلس التشريعي الذي غاب دوره الأساسي المتمثل في محاسبة الجهاز التنفيذي ومراقبته، بالتالي الآن لا يوجد حكم مدني بالمعنى المتعارف عليه، والعسكريون هم من يتحكّمون في تسيير دولاب الحكم في البلاد.

تحالف الضعفاء

في المقابل، انتقد أستاذ الاقتصاد السياسي الحاج حمد، أسلوب التفاوض من قبل الطرفين (الحكومة السودانية والحركات المسلحة)، مؤكداً أنه يعبّر عن أزمة حقيقية ويعكس عجزهم، لأنهم تناسوا أنهم شركاء في هذه المرحلة الانتقالية، وأن ما حدث من تغيير وثورة كان بإرادة الشعب، سواء أفراد أو حركات أو منظمات مجتمع مدني، واصفاً ما يحدث بأنه "ظاهرة تاريخية تسيطر عليها قوة دولية، فليس من المعقول أن يهتف الشعب للمطالبة بالمدنية كأساس للحكم، ويأتي أحد المفاوضين من الحركات المسلحة ليفرض شرط العلمانية، ما يؤكد أن المفاوض السوداني غير مستوعب لأهداف الثورة ومطالبها، وأنه مربوط بقائمة من المصالح ولا يريد أن يقدّم تنازلات بشأنها".

وأضاف "المشكلة أن الحركات المسلحة لم تتعامل مع التغيير بشكل جاد، بل واصلت الدفاع عن مصالحها، والمحاولة لإبراز القوة من خلال القول إنّ لديها جيشاً قوامه كذا وكذا، ولكن في الواقع لا وجود له، بالتالي الوضع شائك ومعقد، وهو استمرار للماضي، وكأننا لم نستفِد من تجاربنا السابقة وندور في الدوامة ذاتها"، مشيراً إلى أنه من الصعب على الحكومة السودانية الحفاظ على التوازن الداخلي، وما يحدث هو تحالف الضعفاء.

وبينما أوضح أن وراء عملية المفاوضات الجارية، عمل استخباراتي عالمي على درجة عالية من الدقة، توقع أن يساعد  التوافق الدولي الأخير على البعثة السياسية لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، في التوصّل إلى اتفاق سلام.

المزيد من العالم العربي