Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوزان سونتاغ من ابنة ضاحية إلى رمز أميركا القرن العشرين

سيرة جديدة تنقب عن اسرار الروائية الكبيرة وتكشف وجها آخر لها

الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ 1933-2004 (موقع الكاتبة)

عندما سُئلت عن أكثر ما تشتهر به، أجابت الروائية والناشطة السياسية سوزان سونتاغ، بشيء من السخرية: الخصلة البيضاء في شعري الداكن. لكنّ المرأة التي عرفت بشخصيتها العامة على نطاق أوسع من رصيدها الهائل من الكتب، ظلت لغزاً بالنسبة لكاتب سيرتها الذاتية بنجامين موسر، المترجم والصحافي الأميركي، استغرق في فك خيوطه سبع سنوات كاملة قبل أن يصدر في 17 سبتمبر (أيلول) 2019 في مجلد كبير يصل إلى أكثر من 800 صفحة، عن دار هاربر كولن بنيويورك، تحت عنوان "سونتاغ: حياتها وأعمالها"، وبه حصل أخيراً على جائزة بوليتزر 2020. يقول موسر في هذا الصدد: "كان عليّ الغوص بكامل روحي في عصرٍ آخر، كمن يحاول الولوج إلى بيئة من زمن بعيد".

رواية وسيرة ذاتية

عبر سنوات سبع، تحدث موسر إلى ما يقرب من 600 شخص، البعض منهم أجرى معها أكثر من مقابلة، فجمع خيوط حياتها المبكرة شذرة شذرة لتكوين صورة نهائية تعد بمثابة رواية ضخمة عن سوزان روزنبلات، المولودة عام 1933، والضغوط المأساوية والكوميدية والمعقدة التي تضافرت لخلق أيقونة سونتاغ، وذلك عبر مقابلات امتدت من ماوي إلى استوكهولم، ومن لندن إلى سراييفو، ومع العديد من الأشخاص الذين لم يتحدثوا عنها من قبل، بما في ذلك آني ليبوفيتز.

إحدى الشخصيات التي تتبّعها موسر هو مصفف شعرها. ففي عام 1975، حين خضعت سونتاغ للمرة الأولى للعلاج الكيماوي للسرطان، (المرض الذي ستموت منه في نهاية المطاف عام 2004، في سن 71)، لم تفقد سونتاغ  شعرها، لكنها أصبحت شديدة الشحوب. بعد ذلك بوقت قصير، سافرت إلى هاواي لزيارة والدتها، ميلدريد، فلم يرق منظرها لأمها، واستعانت بمصفف شعر، قائلة له، "اجعل سوزان ترتدي ملابس أفضل، وتضع ماكياجاً". قام المصفف بصبغ الشعر كله بالأسود باستثناء خصلة واحدة. تقول سونتاغ: "الصور الفوتوغرافية تمدنا بالبراهين، نسمع عن شيء ما، لكننا في شك منه، سيبدو مبرهناً عليه حين نرى صورة له". هكذا عثر موسر على صورة لها،  بعد التغيير مباشرة، وهي ترتدي زياً فضفاضاً وتبدو كأنها شخصية من البرنامج التلفزيوني "Designing Women".

بداية وأحداث متشابكة

على الرغم من أن وضع سونتاغ قد أتاح لموسر وصولاً غير مسبوق إلى أرشيفها الخاص، المحفوظ في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، والذي يضم أكثر من 100 مجلة، وآلاف الرسائل، وصوراً عائلية، ومسودات مخطوطات وحتى حاسوبها الشخصي، فإن شقيقتها جوديث زويك، سمحت له بالإطلاع على أوراقها وغيرها من التذكارات الشخصية التي بحوزتها. وظل الكاتب يتساءل طوال الوقت: من أين أبدأ؟ تقول جوديث: "كان يحاول إنجاز شيء كامل وحقيقي للغاية... لا أعتقد أنني قلت له ذات مرة، غير قابل للتسجيل، لقد شعرت دائما بالراحة معه".

في مقابلة معه في ردهة منزله المشمسة الذي يعود إلى القرن السابع عشر في أوتريخت في هولندا قال موسر: "كانت نقطة تقاطع  لكل شيء وكل شخص في كل مكان... إنها مثل خطأ سان أندرياس، حيث يأتي كل شيء معاً. السياسة أو الثقافة أو النشاط الجنسي أو الفن، كانت دائماً هناك، فمن أين تبدأ؟". لم تكن لدى موسر فكرة مسبقة عن كيفية كتابة السيرة الذاتية، حين بدأ وهو لا يزال في سن الخامسة والعشرين في كتابة سيرة الكاتبة البرازيلية كلاريس ليسبكتور، لذلك يقر، أنه لولا سيرة ليسبكتور لما خرجت سيرة سونتاغ على هذا النحو.

في رحلته مع سونتاغ وأعمالها لاحظ موسر مدى تقاطعها الغريب مع الأحداث التاريخية في القرن العشرين، من حرب فيتنام إلى سقوط جدار برلين، وظهور الإيدز وحصار سراييفو: "كانت هناك عندما بدأت الثورة الكوبية، وعندما سقط جدار برلين. في فيتنام تحت القصف الأميركي، في زمن حرب إسرائيل، في سراييفو المحاصرة. كانت في نيويورك عندما حاول الفنانون مقاومة سحب المال، وعندما استسلم الكثيرون". كتب موسر عن مرحلة طفولتها مع أم عزباء مفعمة بالغرور، وزواجها المبكر وأمومتها،  وعن شؤونها الشهيرة، مع روبرت كينيدي والفنان جاسبر جونز والكاتب المسرحي ماريا إيرين فورنيز ومصممة الرقصات لوسيندا تشايلدز. إضافة إلى كفاحها للحفاظ على الاتصال مع من تحبهم حقاً، مثل ابنها ديفيد ريف، والمصورة آني ليبوفيتز، التي كانت تربطها بها علاقة طويلة الأمد كانت تنكرها غالباً علناً.

لذلك حرص موسر بشكل خاص على مقابلة ليبوفيتز، التي لم تتحدث من قبل بشكل علني عن علاقتها بسونتاغ مطلقاً، وحين أُبلغ مراراً وتكراراً بأن لا وقت لديها للتحدث معه، قرر آسفاً التخلي عن أهم خيط في تتبعها: "عند نقطة معينة فكرت: حسناً، لن أقوم بمطاردتها ثانية... علي احترام ذلك". وبينما كان يسير في الشارع في باريس تلقى مكالمة من وسيط  يزف إليه الخبر: "قررت آني التحدث معك. ما رأيك في الغد الساعة 3:30؟".

في الليلة نفسها، تمكن من حجز رحلته والسفر إلى نيويورك، وعاد إلى باريس في يوم واحد. وفقاً لكتابه، كانت العلاقة بين سونتاغ وليبوفيتز، في بعض النواحي مثل قطعتين من الألغاز المحيرة: سونتاغ مفتونة بالصور، ولها الكثير من الأقوال بشأن الصورة منها مثلاً،  ما يرفع من شأن الصورة هو الحبُ، الحبُ المفرط"، و"حين ينتابنا الخوف، نطلق الرصاص، لكن حين ينتابنا الحنين نطلق الصور". وكانت ليبوفيتز مصورة عالمية تسدد هدفها على المشاهير في الغالب. ولكن في العلاقة، كانت سونتاج مستبدة وتنتقدها بشدة.

يشير موسر إلى ليبوفيتز قائلاً: "من بين جميع الأشخاص الذين التقيت بهم، والذين كان من بينهم الكثير والكثير من الأشخاص المثيرين للاهتمام، كانت أكثر شخصية مختلفة عن صورتي عنها. لقد فوجئت بها حقاً. إنها شخص يسافر برفقة - مساعدين ومحامين ومحاسبين، وكانت منزعجة بشأن الإشاعات التي كانت تدور حول أنها استفادت من سونتاغ مالياً، وأرادت تصحيح ذلك".

حقائق غائبة

توصل موسر كذلك إلى الكثير من الحقائق الغائبة، منها أن كتاب "فرويد: عقل الأخلاق" المنسوب لزوجها عالم الاجتماع فيليب ريف هو من تأليف سونتاغ نفسها. واستعرض عدداً من الأدلة والشهادات المروية برهاناً على هذا الزعم. فقد جمع ريف مادته الأصلية بينما قامت سونتاغ بتشكيلها، متنازلة عن حقوقها في التأليف في مقابل أن تحصل على الطلاق من دون أن تحرم من رعاية ابنها، بحيث كان القانون ينص آنذاك بحرمان المرأة المثلية من حقوق الأم. هذه القصص وغيرها ضمنها موسر في سيرته، فضلاً عن الأعمال التي أكسبتها سمعتها. مستكشفاً انعدام الأمان المؤلم وراء الوجه العام: العلاقات المبتورة، والصراعات مع حياتها الجنسية، التي حركت - وقوضت - كتاباتها.

"في أوائل عام 1965، بدأت سوزان سونتاغ علاقة مع النحات والرسام الأميركي جاسبر جونز. ومثل العديد من الرجال الذين خاضت معهم علاقة، كان جونز مثلي الجنس، وكما كانت معظم علاقاتها مع الرجال، كانت العلاقة قصيرة جداً، وكان جونز من النوعية نفسها التي ارتبطت بها؛ شخصاً موهوبً للغاية".

لا يوجد كاتب يمكن اتخاذه رمزاً للقرن العشرين الأميركي مثل سوزان سونتاغ، سواء من الناحية الأسطورية أو من حيث سوء الفهم، المحبة أو الكراهية. إنها سونتاغ،  فتاة الضواحي، التي أصبحت رمزاً يبعث على الفخر عالمياً، وتركت إرثاً من الكتابة في الفن والسياسة، والنسوية والمثلية ، والشهرة والأسلوب، والطب والمخدرات، والتطرف والفاشية والفرويدية والشيوعية، بلغ عددها سبعة عشر كتاباً وترجمت إلى أكثر من اثنتين وثلاثين لغة، وشكلت مفتاحاً لا غنى عنه للثقافة الحديثة في بعث جديد.

كتبت ريبيكا سولنيت عن كتاب موسر تقول: "إنجاز مذهل يحبس الأنفاس ، فقد ألم بكلّ تفصيلة كبيرة كانت أم صغيرة عن سونتاغ ومشوارها وكتابتها وأفكارها وأصدقائها وعائلتها".

المزيد من ثقافة