يعتبر قطاع السياحة من أكثر القطاعات تضرراً جراء أزمة فيروس كورونا وتداعياتها على الاقتصاد، وفي العقود الثلاثة الماضية تأثر القطاع بالعديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، ففي تسعينيات القرن الماضي أثرت فيه أزمة احتلال العراق للكويت، لا سيما في المناطق العربية، ولم يستطع التعافي إلا بعد تحرير الكويت في فبراير (شباط) 1991، في حين أثرت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في قطاع الطيران بوجه عام، إلا أن التأثير الأكبر كان من نصيب السياحة في المنطقة العربية، بينما كان للأزمة المالية العالمية عام 2008 أثر مباشر في القطاع عموماً، وأسهمت في انخفاض نموه لفترة محدودة، لكن تعد أزمة فيروس كورونا الحالية مختلفة تماماً بكل المعايير، إذ لم تعانِ القطاعات الاقتصادية، خصوصاً السياحة والطيران من شلل شبه كامل، إلا في هذه الأزمة، ما تطلّب مضاعفة الجهود للخروج منها والتعافي بشكل أسرع، والذي حددت منظمة السياحة العربية موعداً له في عام 2026.
يمرض ولا يموت
ووصف الأمين العام المساعد لمنظمة السياحة العربية، وليد الحناوي، أزمة كورونا الحالية بـ"غير المسبوقة"، وقال لـ"اندبندنت عربية"، "على رغم من تأثير الجائحة على قطاع السياحة بشكل كبير وغير مسبوق، يمكن القول إنه يتميز بالحيوية بخلاف القطاعات الأخرى، فهو يمكن أن يمرض لكنه لا يموت".
وأضاف "يتأثر قطاع السياحة سلبياً وبشكل سريع بالعوامل التي تمر حوله، لكن فور تلافي الأسباب يعود سريعاً للتطور وبشكل إيجابي جداً وكأن شيئاً لم يحدث، مع أهمية توفير كافة العوامل والمسببات التي تتيح له النجاح".
وأكد على سعي المنظمة إلى تجاوز الجائحة وتنمية وتطوير السياحة العربية البينية لتعويض الخسائر التي يتعرض لها القطاع على امتداد الوطن العربي، نظراً لانحسار السياحة الدولية عن المنطقة خلال هذه الفترة، والعمل مع وزارات وهيئات السياحة العربية لتذليل كافة المعوقات لتنفيذ عددٍ من برامج السياحة البينية.
أزمات عصفت بالسياحة
في سياق متصل، وصفت دراسة تحليلية مشتركة بين المنظمة العربية للسياحة والاتحاد العربي للنقل الجوي أزمة كورونا وتداعياتها على القطاعات الاقتصادية، بـ"غير المسبوقة" عالمياً على الرغم من أن القطاع تأثر مسبقاً بعددٍ من الأزمات منذ عام 1990.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب الدراسة التي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخه منها، فإن قطاع السياحة تأثر بشكل واضح على مدار العقود الثلاثة الماضية، ففي أزمة الخليج عام 1990 لم يكن هناك تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، على إثر اجتياج العراق للكويت، ولكن قطاع السياحة تأثر بشكل بسيط، إذ انخفضت معدلاته نموه في أثناء الأزمة منذ أغسطس (آب) 1990 إلى فبراير (شباط) 1991، بنسبة 2.6 في المئة في عام 1991، بالمقارنة مع 3.4 في المئة عام 1990، مقارنةً مع نسبتها في عام 1989 (العام الذي سبق الأزمة) التي بلغت 6.1 في المئة.
أزمة الخليج
وعلى الرغم من أزمة حرب الخليج، نما اقتصاد العالم العربي بمعدل 13.1 في المئة في عام 1990 مقارنة بالعام الذي سبقه، مدعوماً بارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة بنسبة 39 في المئة.
وكان الضرر الأكبر من هذه الأزمة على قطاع السياحة والسفر، فقد تقلّص عدد المسافرين الكيلومتريين المنقولين إلى الشركات العربية بنسبة 15.1 في المئة و9.5 في المئة في العامين 1990 و1991 على التوالي عند مقارنتهما مع عام 1989. وتطلّب قطاع السفر عامين للتعافي من آثار أزمة حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
أما على صعيد السياحة، فقد سجل عدد السياح الوافدين الدوليين ارتفاعاً خجولاً بنسبة 1.8 في المئة عام 1990 بالمقارنة مع عام 1989، وذلك بعد نمو بنسبة 4.3 في المئة عام 1989 بالمقارنة مع عام 1988. وقد عادت معدلات النمو في أعداد السياح الدوليين الوافدين إلى العالم العربي إلى طبيعتها في عام 1991 بعد انتهاء الأزمة وتحرير الكويت.
بين العامين 2001 و2003
ما بين عامي 2001 و2003 تأثر قطاع السياحة والسفر نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بسبب صدمتيين متتاليتين هما هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية 2001 ولاحقاً تفشي وباء "سارس" عام 2003.
ونما الناتج العالمي بنسبة 2.5 في المئة في عام 2001 بالمقارنة مع عام 2000، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 2.3 نقطة مئوية بالمقارنة مع عام 1999. وعلى الرغم من تفشي فيروس "سارس" في عام 2002، فإن الاقتصاد العالمي استطاع أن يسجل مستوى نمو في ذلك العام وصل إلى مستويات عام 2000 أي ما قبل الأزمتين.
أما بالنسبة إلى الطلب على السفر، فقد انخفض عدد المسافرين بنسبة 2.9 في المئة و0.4 في المئة خلال عامي 2001 و2002 على التوالي، عند مقارنتهما بعام 2000. كما أدى تفشي فيروس "سارس" إلى الحد من نمو عدد المسافرين بمعدل 3.1 في المئة بالمقارنة مع عام 2000. وكذلك تضرر قطاع السياحة في عام 2001، حيث لم يسجل أي نمو تقريباً.
الأزمة المالية عام 2008
وكان للأزمة المالية العالمية في عام 2008 أثر في اقتصادات الدول العربية عموماً، وعلى قطاع السياحة العربية والسفر على وجه الخصوص، إذ أسهمت في تباطؤ نمو الناتج الإجمالي للدول العربية، مسجلة نسبة نمو بلغت 0.4 في المئة عام 2009 بالمقارنة مع عام 2008، في حين كان قد نما بنسبة 5.8 في المئة عام 2008 بالمقارنة مع عام 2007.
وفي السياق نفسه، تقلص عدد السياح الدوليين الوافدين إلى العالم العربي بنسبة 2.2 في المئة خلال عام 2009 بالمقارنة مع عام 2008.
ومن ناحية أخرى، نما عدد المسافرين عبر شركات الطيران العربية بنسبة 10 في المئة في عام 2009 بالمقارنة مع عام 2008، حيث استفادت هذه الشركات من انخفاض أسعار النفط، بالإضافة إلى التركيز على توسيع شبكاتها والحد من تكاليفها.
التعافي السريع
في السياق ذاته، حدّدت الدراسة التحليلية ثلاثة سنياريوهات محتملة لتعافي قطاع السياحة الذي تضرر بشكل كبير من التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا.
وأطلقت الدراسة على السيناريو الأول مسمى "سيناريو التعافي السريع"، الذي يُفترض فيه الانتعاش الاقتصادي السريع، واعتماد الدول إجراءات صحية متناغمة، وتراجع أخطار الحروب التجارية.
وأشارت إلى أن توفر لقاح لعلاج مرض "كوفيد-19" الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا على مستوى واسع بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2021 على أقصى حد، يعد المنطلق الرئيس لهذا السنياريو، لافتة إلى أن هذا سيعمل على تعافي الاقتصاد العالمي إلى مستويات عام 2019 (قبل أزمة كورونا) في عام 2021، بينما يعود الطلب على السياحة والسفر إلى مستويات عام 2019 في عام 2023.
وحول التأثير المتوقع لأزمة كورونا والوقت المتوقع لتعافي الاقتصاد العربي والسياحة والسفر، أشارات الدراسة إلى أن تطبيق سيناريو التعافي السريع المذكور بناءً على مجموعة البيانات الخاصة بالعالم العربي وشركات الطيران العربية، حيث أشارت إلى أنه من المتوقع تعافي الناتج الإجمالي في العالم العربي العام المقبل، مع افتراض عودة أسعار النفط إلى معدل الـ45 دولاراً أميركياً في عام 2021 وإلى معدل الـ60 دولاراً ما بعد عام 2021.
عائدات النفط
والجدير بالذكر أن عائدات النفط شكلت 65 في المئة من الناتج الإجمالي للعالم العربي عام 2019، أما فيما يتعلق بالسفر الجوي والسياحة، فمن المتوقع تعافيهما والعودة إلى معدلات عام 2019 في عام 2023، إذا تم تطبيق معايير صحية عالمية متناغمة، وعودة ثقة المسافر بشكلٍ سريع والعودة إلى شروط طبيعية للدخول إلى الأسواق.
التعافي البطيء
وقالت الدراسة إن السيناريو الثاني هو "سيناريو التعافي البطيء"، وافترضت فيه تعافي الاقتصاد بشكل أبطأ ممّا هو متوقع مع تطبيق البلدان تدابير صحية غير متناغمة من شأنها تعطيل حركة السفر وتزايد تهديدات الحروب التجارية التي تؤثر في استمرارية الأعمال وحركة الشحن الجوي، وافتراض توافر لقاح بعد أكثر من 18 شهراً.
وبناءً على هذا السيناريو، سيتعافى الاقتصاد العالمي ليصل إلى مستويات عام 2019 في عام 2023، بينما سيتعافى الطلب على السياحة والسفر في عام 2026، وقد تم وضع هذا التصور بناءً على مجموعة البيانات الخاصة بالعالم العربي وشركات الطيران العربية، والتي أوضحت أنه من المتوقع تعافي الناتج الإجمالي للعالم العربي في عام 2023 عند افتراض بقاء أسعار النفط عند معدلات الـ35 دولاراً في عام 2021، و45 دولاراً في عام 2022. أما فيما يخص السفر الجوي والسياحة، فمن المتوقع عودتهما إلى مستويات عام 2019 في عام 2026، وذلك عند افتراض عدم تطبيق معايير صحية متناغمة، وضعف ثقة المسافر، وتطبيق قيود إضافية على الدخول إلى الأسواق.
التعافي المتوسط
في حين حددت الدراسة السيناريو الثالث بـ"التعافي الوسطي"، الذي افترضت فيه تعافي الاقتصاد بوتيرة ثابتة، وتنسيق الدول لجزءٍ من متطلباتها الصحية مع الدول الأخرى، وكبح تهديدات الحروب التجارية، وتوافر لقاح مع مطلع الربع الأول من عام 2022.
وقد ضَمِن هذا السيناريو أن الاقتصاد العالمي سيتعافى ليصل إلى مستويات عام 2019 في عام 2022، بينما سيتعافى الطلب على السياحة والسفر بشكل شبه كامل في عام 2024، وسيتعافى الناتج الإجمالي للعالم العربي في عام 2022، في حين أن قطاع السياحة والسفر سيتعافيان في عام 2024 ليصلا إلى مستويات عام 2019.
أزمة غير مسبوقة
وأكدت الدراسة أن أزمة كورونا غير مسبوقة، وستستغرق فترة تعافي قطاع السياحة والسفر ثلاث سنوات على الأقل، وستعتمد الفترة المطلوبة للعودة إلى الوضع الطبيعي في هذا القطاع بشكلٍ كبير على تطبيق الحكومات تدابير متناسقة تتوافق مع مستوى خطر الوباء، بالإضافة إلى أنه لم يعد بالإمكان اعتبار السياحة والسفر من الكماليات، إذ إنهما أصبحا جزءاً من أسلوب الحياة الحديثة، حيث ستعتمد استعادة ثقة المسافرين بهذا القطاع على الثقة بالمنظومة، على أن تقوم الحكومات باتخاذ تدابير تتناسب مع مستوى مخاطر انتشار العدوى، إضافة إلى تجنب الحجر الصحي الإلزامي عند الوصول، مع دعوة الحكومات إلى الاستمرار في احتضان قطاع السياحة والسفر واعتبار دوره فعّالاً وأساسياً في استعادة النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل، وتجنب اتخاذ أية إجراءات مبنية على أسس سياسية في مرحلة إعادة فتح القطاع.