Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسبوع هزيمة بوريس جونسون

غضب بريطاني سببه أزمة تتعلق بمستشاره كمينز

لا يبدو أن البريطانيين راضين عن طريقة تعامل حكومة بوريس جونسون (في الوسط) مع جائحة كورونا (رويترز)

يستعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وكبير مستشاريه دومينيك كمينز في الوقت الراهن  للتحقيق الذي سيُجرى في الطريقة التي تعاملت من خلالها الحكومة مع وباء فيروس كورونا. ويبدو أن كلاً منهما بات يعرف أن الرأي العام ينقلب عليهما، وأنه لا بد من أن ينقذا ما أمكن من سمعتهما.

عندما حضر رئيس الوزراء البريطاني أمام "لجنة التنسيق"، يوم الأربعاء الفائت للرد على أسئلة النواب، سألته إيفيت كوبر رئيسة لجنة الشؤون الداخلية في حزب "العمال" المعارض، عن مبررات فرض الحكومة حجراً صحياً على الوافدين إلى المملكة المتحدة في هذا الوقت بالذات، في وقتٍ تغاضت فيه عن تطبيق هذا الإجراء في المراحل الأولى من تفشي المرض. وقد رد جونسون بأنه كان يتبع حينها نصائح "المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ" Sage، التي سيتم نشرها.

وحاول رئيس الوزراء شرح المنطق الذي يقف وراء إجراء الحكومة، بالإشارة إلى نقطة مهمة تقول إن "إيطاليا أقفلت حدودها بشكل كامل أمام الوافدين من الصين، لكن ذلك لم يمنع انتشار الفيروس على أراضيها بشكل مروع". ومضى قائلاً، "سينظر الناس في مجمل القرارات التي اتخذناها، وأنا على يقين من أنهم سيقومون بذلك، وربما سيجدون خطأً فيها. لكن يمكنني أن أؤكد لكم أن هذه القرارات تم اتخاذها بحسن نية، وبهدف السيطرة على تفشي الفيروس وإنقاذ أرواح الناس، ومن خلال الارتكاز على أفضل النصائح العلمية الممكنة".

كلام بوريس جونسون بدا بالنسبة إليّ وكأنه بيان يُتلى أمام تحقيقٍ عام. ويمكن تشبيه الإشارة فيه إلى "حسن النية" على وجه التحديد، بما كان قد قاله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، عندما قدّم أدلته خلال أحد التحقيقات الأربعة في حرب العراق. وجاء التلميح إلى "النية" بمثابة محاولة استباقية لمواجهة المزاعم التي تتردد على نطاق واسع، بأن الحكومة البريطانية تعمدت تعريض أرواح الناس للخطر من خلال اتباع ما تُسمى استراتيجية "مناعة القطيع". وقد كان واضحاً تردد صدى محاولة بلير الدفاع عن نفسه في وجه الادعاءات، بأن دافعه كان تأمين إمدادات النفط إلى الغرب، بغض النظر عن كلفة ذلك على صعيد أرواح العراقيين.

لم يكن رئيس الوزراء الشخص الوحيد الذي يحضر مرافعة الدفاع عن نفسه هذا الأسبوع. فقد أدلى دومينيك كمينز كبير مستشاريه ببيانٍ مطوّل الاثنين الماضي، رد فيه التهمة الموجهة إليه مباشرةً بأنه خرق قواعد الإغلاق، لكنه ضمّنه مقطعاً مثيراً للاهتمام، بدا وكأنه يستهدف فتح تحقيقٍ في المستقبل.

وأعرب كبير مستشاري جونسون عن شكواه من تقارير أشارت "إلى أنني عارضتُ الإغلاق، وحتى أنني لم أكترث لسقوط عددٍ كبير من الوفيات". وتابع، "لكنني كنتُ قد حذرتُ على مدى أعوام، من مخاطر وقوع أوبئة. وفي العام الماضي كتبتُ عن التهديد المحتمل لفيروس كورونا، والحاجة الملحة للتخطيط له. والحقيقة هي أنني قد طالبتُ بتطبيق الإغلاق. وأنا لم أعارضه".

لكن لسوء حظ كمينز، وبفضل العمل الاستقصائي المدهش على الإنترنت الذي قام به جنز ويتشرز، عالم البيانات الألماني، تبين أن الإشارة إلى فيروس كورونا في مدونة كمينز للعام 2019، تمت إضافتها في أبريل (نيسان) هذه السنة، وتحديداً في اليوم الذي عاد فيه المستشار الأول لرئيس الوزراء من تسلّله الخاطف إلى دورهام. وقد أدى ذلك إلى تقويض مزاعمه بأنه قد توقّع كل ما حصل، وهو أمرٌ كارثي بالنسبة إلى روايته التي أفاد فيها أنه قد دعا في وقت مبكر إلى وجوب إغلاق البلاد.

ولعل هذه هي إحدى المفارقات الغريبة التي كثيراً ما تميز الحياة الواقعية عن الخيال، لأن دومينيك كمينز ربما كان محقاً في الإشارة إلى أن الحكومة كانت حريصةً على تطبيق الإغلاق في وقت أبكر مما نصح به العلماء. لكنه الآن جعل من الصعب على أي شخص أن يصدقه، فالفكرة التي باتت راسخةً في شكل ثابت في ذهن الناس، هي أن المملكة المتحدة لجأت في وقت متأخر جداً إلى الإغلاق، لأن الحكومة تجاهلت تحذيرات العلماء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتُظهر بالفعل الدفعة الجديدة من محاضر "المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ" التي نُشرت يوم الجمعة الماضي، بأن اللجنة توافقت بإجماع أعضائها في الثالث عشر من مارس (آذار)، "على أن التدابير الرامية إلى منع انتشار وباء (كوفيد – 19)، ستسبب موجةً ثانية من انتشار العدوى". وتبين المحاضر أيضاً أن مجموعة Sage رأت في وقت مبكر وتحديداً في الثامن عشر من فبراير (شباط)، وجوب التخلي عن تتبع اتصالات الأشخاص المصابين، وورد حرفياً، "عندما يكون هناك انتقال مستمر للعدوى في المملكة المتحدة، فإن تتبع الاتصال بعده لن يكون مفيداً".

ومع ذلك، فإن جونسون وكمينز يخوضان في الوقت الراهن هذه المواجهة. إنهما الآن في وضع يشبه ذلك الذي وجد توني بلير وآليستر كامبل نفسيهما فيه، في الوقت الذي كان العراق ينحدر فيه إلى فوضى وحرب طائفية. وكانا قد رددا أيضاً أنهما تصرفا "بحسن نية"، لكن الرأي العام رأى أن دفاعهما عن قضيتهما في خوض الحرب افتقر إلى النزاهة والشفافية، ولم يكن بوسعهما القيام بشيء لتغيير ذلك. خروج كامبل من الحكومة ساعد في التخفيف من التوتر. غير أن مثابرة بلير وإصراره على الاستمرار في المواجهة، أديا إلى فوزه في جولة أخرى من الانتخابات. تأتي في المقابل المواجهة التي خاضها بوريس جونسون أمام نواب بارزين في مجلس العموم هذا الأسبوع خالية الوفاض، إذ لم تقدم سوى قليل من الأدلة على امتلاكه المهارات اللازمة لقلب المقاييس.

هذا الأسبوع بدا وكأنه يعيد إلى الأذهان بعض اللحظات التاريخية الحاسمة كاليوم الذي عُرف باسم "الأربعاء الأسود" في سبتمبر (أيلول) عام 1992، حين تم سحب الجنيه الإسترليني من آلية أسعار الصرف الأوروبية، أو اليوم الذي أطلقت فيه قناة "بي بي سي" ادعاءات تتهم بلير بإضافة معلومات كان يعرف أنها خاطئة إلى ملف الاستخبارات المتعلق بالعراق، وذلك عندما تغيرت السياسات القائمة. وجاء بيان كمينز ليكرس وجهة نظر الرأي العام بأنه كسر حرمة القواعد (بخرقه القيود التي وضعتها الحكومة للحد من الوباء) ويبرر غضبهم من رفض جونسون عزله من الحكومة. ربما يجب ألا تكون لتلك الحادثة علاقة مباشرة بمنظور الرأي العام حيال الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الأزمة، لكنها بلا شك تؤجج النار المشتعلة، وقد تشكّل عائقاً أمام جونسون أو كمينز، في الحصول على جلسة استماع عادلة لدفاعهما القائم على أن تصرفهما كان دائماً مبنياً على النصائح التي قدّمها لهما العلماء.

البروفيسور كريس ويتي، أحد العلماء البارزين وكبير الأطباء، كان قد رأى قبل شهر من الآن، أن "المقياس الرئيس" الذي يتعيّن اعتماده لمقارنة استجابة المملكة المتحدة باستجابة الدول الأخرى، يتمثل في معدل الوفيات الزائدة، أي العدد الزائد للوفيات الناجمة عن أسباب شتى، عن المعدل المتوسط لها في الأعوام الأخيرة. وهذا من شأنه أن يساعد في إيجاد حل لمشكلات الدول التي تصنف الوفيات الناجمة عن "كوفيد -19" بشكل مختلف. لكن المملكة المتحدة لديها أكبر عدد من الوفيات الزائدة والمحتسبة على أساس كل مليون شخص، من أي بلد آخر، باستثناء إسبانيا. قد يتغير ذلك، لكن من المرجح أن تكون حصيلة الوفيات من بين الأسوأ عندما يتم الانتهاء من فض الحسابات.

في الخلاصة، يتخذ رئيس الوزراء البريطاني وكبير مستشاريه جميع الاستعدادت لمواجهة التحقيق الذي يعرفان أنه آتٍ لا محالة. فكلاهما يحاول التحصن بأعذار وافية في وقت مبكر، لكن لا توجد لديهما فرصة، لأن هذه الأمور لا تتعلق بالحقائق بل برأي الجمهور. 

© The Independent

المزيد من تحلیل