Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون راهن على كذبة واحدة فأثار غضب البريطانيين

يعرف اليمين المتطرف أن الكذب قد يمر بلا عواقب، لكن ذلك لا يصح الآن

يحمّل كثيرون في بريطانيا بوريس جونسون مسؤولية تخبط السياسة الحكومية في تعاملها مع كورونا (أ.ف.ب) 

إن العيش في ظل وباء مرعب شيء، وحدوث ذلك في ظلّ حكومة متخبّطة في أخطائها شيء آخر مختلف تماماً. فخلال الأسبوع الماضي، عندما كانت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تتحايل وتكذب لحماية مستشار، في وقتٍ بلغ فيه عدد الوفيات بفيروس كورونا في البلاد أعلى معدّلاته، سقط القناع أخيراً عن وجه هذه الإدارة الفاشلة، حتى بالنسبة إلى عددٍ كبير من مؤيديها السابقين، كاشفاً عن الفراغ الأخلاقي الذي خلّفته وراءها.

ففي غضون أسبوع واحدٍ، دفعت الحكومة سمعتها العامة إلى الهاوية، وتراجع التأييد لجونسون بحوالي 20 نقطة بشكل مفاجىء للغاية. واتّحدت الأمة في حالةٍ من الغضب الشديد لدى ورود أنباء، أن مساعد رئيس الوزراء البريطاني دومينيك كامينغز، خرق إجراءات الإغلاق عبر توجهه في رحلة عائلية إلى "دورهام". وفي مجلس العموم، ثار نحو 100 عضو برلماني من حزب المحافظين على جونسون، بسبب دفاعه عن كبير مستشاريه، فيما لم يتوانَ مساعدون وضبّاط في الشرطة، وكتّاب أعمدة في الصحف، كانوا متعاطفين سابقاً مع رئيس الوزراء، عن توجيه الانتقاد إليه. وقد سمعنا كامينغز يدّعي أن توجهه في رحلةٍ عائلية بالسيارة إلى بلدة "بارنارد كاسل"، كان بمثابة اختبار مسموح به لبصره الذي تأثّر بالفيروس، كما حاول وزراء في الحكومة التكتّل بهدف جعل هذا الأمر يبدو مشروعاً. إلا أن السخرية من الحكومة لم يحدّ شيء منها في النهاية، سوى الغضب الشعبي.

هذا الغضب لم يولد من مجرّد نفاق، أو محاباة كامينغز في خرق القواعد والإفلات منها، بل يمثل تهاوناً ساخراً بقواعد الحجر الصحّي المعمول بها والتزام ملايين البريطانيين تعليمات الإغلاق. فمع تدفّق مكالمات التعبير عن الاستياء على محطّات الإذاعة، وكمّية هائلة من الرسائل على حسابات البريد الإلكتروني لأعضاء البرلمان، لاحظنا التفاصيل الدقيقة للأسى الشعبي المتأتّي من العزل والمعاناة الاجتماعية من الإغلاق، التي كتمها الجمهور حتى الآن. إذ عمل الناس على التضحية بصمت، وعانوا فرادىً تبِعات الالتزام بتلك القواعد. في المقابل، أدّت مشاهدة كامينغز يستهزىء بعملية الإغلاق بشكل لا يمكن تبريره، ولا يواجه في المقابل بعواقب، إلى فتح جرح ذلك الاكتئاب المكبوت. واتّحدت الآن بشكل لا ينفصم مشاعر المعاناة الفردية مع تلك المرتبطة بحكومة تشيح بوجهها عن مشقّاتنا. لا يمكن نسيان مشاعر من هذا النوع بسهولة. ووفق ما أوضح بيتر كيلنر الرئيس السابق لشركة الاستطلاعات "يوغوف" YouGov، فإن الأحكام واسعة النطاق المتعلّقة بالقيم، كاستحقاق الثقة، أو الإنصاف، تشكّل أهمية أكبر بالنسبة إلى الناخبين، إلى حدّ قد لا يتمكّن معه رئيس الوزراء من استعادة الدعم الشعبي الذي أصيب بنزفٍ كبير بسبب هذه الحادثة.

في المقابل، يذهب الضرر [الحاصل من تلك المشكلة] إلى ما هو أبعد من ذلك بالنسبة إلى حزب المحافظين. فمن خلال الدفاع عمّا لم يعد ممكناً الدفاع عنه، فتحت الحكومة على نفسها باب التدقيق بشكلٍ أكثر انتقاداً، بشأن طريقة تعاملها مع الوباء على نطاق أوسع، ولم يعد ممكناً صدّ الشعور الشعبي بالوحدة الوطنية. يُضاف إلى ذلك ميلنا البشري إلى أنه بمجرّد القبض على شخص يرتكب الكذب، تصبح محاولة تعقّب كل خداع سابق فعله، أمراً مطروحاً. ولن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تجمع تلك السلسلة المدمّرة من الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة، إلى جانب ممارسات الغطرسة، والتأخير التي تركت بريطانيا بشكلٍ صادم، في وضع عدم الجهوزية لمواجهة أزمة فيروس كورونا، الأمر الذي تسبّب في حدوث وفياتٍ كان يمكن تفاديها.

وفي حين يمكن البناء على اعتراف كتّاب الأعمدة اليمينيّين بأن وجود مهرّج مخادع كرئيس الوزراء، يمثّل مشكلة في واقع الأمر، إلا أن ذلك يجب ألا يكون مطمئناً كثيراً بالنسبة إلى اليسار. وفيما قد يتسبّب إبقاء كامينغز في منصبه بتفاقم الأمور بالنسبة إلى المحافظين، إلا أنه يهدّد في المقابل الجهود المبذولة للحفاظ على الامتثال الاجتماعي لتدابير الإغلاق، وهذا من شأنه أن يضعنا جميعاً أمام الخطر.

وهنالك في الوقت نفسه خطر يتمثّل في تغذية الغضب الشعبي بتصوّر أكثر عموميةً، مفاده أن جميع السياسات تخدم مصالحها الذاتية والنخبوية. وقد ترسّخت تلك القدرية مع الافتقار الراهن للمساءلة. إذ تتعثر المؤسسات الواحدة تلو الأخرى، أو تترك بلا قيادة. ونلاحظ أن العلماء الذين تستعين بهم الحكومة، ممنوعون من الكلام من قِبَل جونسون، ولا يقدرون على التعليق بشأن مدى خرق مستشاره دومينيك كامينغز مضمون توجيهات الصحة العامة، وتحريفها عن مسارها. وقد عبرت شبكة الـ "بي بي سي"، عن استيائها من السرد الحكومي للحقائق في تعاملها مع الواقعة خلال برنامجها "نيوزنايت" Newsnight. وكذلك طغى على اللجنة البرلمانية المكلّفة التدقيق في تفاصيل الاستجابة لفيروس "كوفيد- 19"، التبجّح الفارغ لرئيس الوزراء.

ويفضح الوباء كلّ يوم إخفاقات دولةٍ مكشوفة الظهر، وتترنّح مقوّماتها التي تعاني نقصاً في التمويل، أمام تقهقر محاولات رأب التفاوت الاجتماعي. ويكشف كلّ إعلان حكومي جديد سواء تمثل في توسيع نطاق إجراءات الاختبار، أو تتبّع اتّصال المصابين بالفيروس، أو إعادة فتح المدارس وأماكن العمل، يكشف عن حكومة عاجزة ومستندة على مجرد الولاء لبوريس جونسون، كما يثير الشعور بأن الأمور تتهاوى في عزّ الأزمة، إحساساً بالشلل، ببساطة لأن هذا الحجم من اليأس غير قابل للتحمّل.

وفي حال وجود أمل ما، فإنه يكمن في التعاون الجماعي الفاعل بين مجموعات المساعدة المتبادلة وفئات المجتمع المدني، التي يمكن أن تتّحد معاً من أجل سدّ بعض أسوأ الفجوات الاجتماعية في البلاد. إذ تجري صياغة السياسات التي تصنع طريقةً مستدامة للخروج من الوباء، مِنْ قِبَل مراكز أبحاث يسارية وحملات جماعية، وتعمل على إرساء أرضية جديدة تحددها مبادىء العالمية والتحالفات الجماعية التي تمولها الدولة؛ وقد أثبت الوباء أن تلك المعطيات غير قابلة للتفاوض. وإضافةً إلى كلّ ذلك، ثمة ملامح أمل في أن تُحدِثَ فضيحة كامينغز تحوّلاً. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها حزب اليمين المتطرّف وأنصاره من الصحافيّين لنشر فكرة أن الكذب قد يمرّ بلا عواقب، فقد بات واضحاً الآن أن هذا غير صحيح على الإطلاق، وأن أحداً لا يحتاج إلى اختبار بصرٍ لرؤيته.

© The Independent

المزيد من آراء