اعتذرت شركة التنقيب العملاقة ريو تينتو بعدما نسفت أحد أقدم المواقع الأسترالية المعروفة، التي تعود للسكّان الأصليين، في حادثةٍ وُصفت بالخطأ الذي "يتعذر فهمه".
ويُعتبر كهفا جوكان غورج في غرب أستراليا موقعاً دينياً مقدساً لدى السكّان الأصليين عُثر فيه على أدلة تؤكد وجود الإنسان منذ ما يقارب 46 ألف عام. ويوصف نظاما الكهفين هذين بأنهما الموقعين الوحيدين في أستراليا اللذين يضمان أدلة على الوجود البشري المستمرّ خلال العصر الجليدي الأخير، وقد وجد فيهما العديد من القطع الأثرية القديمة.
ولكن كان كهفا جوكان غورج أيضاً ضمن موقع بروكمان 4 العائد لشركة ريو تينتو للتنقيب عن الحديد الخام. وعلى الرغم من معركةٍ دامت سبعة أعوام لحماية الموقع التاريخي من قِبل شعب "بوتو كونتي كوراما أند بيكورا"، وهم الأوصياء المحليون على الموقع، حصل التدمير في 24 مايو (أيار) الماضي.
ونقلت صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" عن شعب "بوتو كونتي كوراما أند بيكورا" قوله الأسبوع الماضي، بأنّه سبق لهم التقدم بطلب لزيارة الموقع والتفاوض لوقف أعمال التفجير أو الحد من الأضرار، ولكن قيل لهم إن المتفجرات قد وضعت وباتت إزالتها مستحيلة.
وحصل عملاق التعدين على أول موافقة للعمل في مشروع بروكمان 4 للتنقيب عن الحديد الخام في عام 2013. بيد أن التنقيب الأثري الذي جرى عام 2014 اكتشف ما يربو على 7 آلاف قطعة أثرية قديمة بما فيها حجارة للطحن وقطعة عظامٍ مصقولة استُخدمت كأداة، فضلاً عن حزامٍ مصنوع من ضفائر الشعر يعود إلى 4 آلاف عام. وكشفت التحاليل بأن ثمة صلةً مباشرة بين شعب بوتو كونتي كوراما أند بيكورا الحالي وقاطني الكهفين في حقبة ما قبل التاريخ.
واستمرت أعمال التدمير بعد نيل كل التراخيص الضرورية على الرغم من الاكتشافات الأثرية التي أشارت إلى أن الموقع يحظى بأهمية أكبر مما كان يُعتقد في السابق.
وأثار فقدان الكهفين غضباً دولياً عارماً مما دفع الحكومة الفيدرالية الأسترالية إلى طلب مراجعة للقوانين المتبعة.
من جانبه، اعتذر كريس ساليزبوري، الرئيس التنفيذي لشركة ريو تينتو، عن الضرر الذي تسببت به وقال في بيان له، "إننا نعرب عن احترامنا لشعب بوتو كونتي كوراما أند بيكورا ونعبر عن أسفنا لتسببنا بهذا الضرر. إن شركة ريو تينتو تقدر العلاقة مع هذا الشعب الذي عملنا معه لسنوات عديدة. لقد عملنا في أراضي شعب بوتو كونتي بموجب اتفاقٍ شامل أقره الطرفان منذ عام 2011. في جوكان، وبالتعاون مع بوتو كونتي كوراما، اتبعنا عملية الحصول على الموافقات التراثية لأكثر من عشرة أعوام. وفي عام 2014 أجرينا تمريناً واسع النطاق في منطقة جوكان بهدف الحفاظ على عدد كبير من القطع الأثرية وعثرنا على نحو 7 آلاف قطعة".
وأضاف ساليزبوري، "سنستمر بالعمل مع شعب بوتو كونتي كوراما لاستخلاص الدروس مما حصل ولتعزيز شراكتنا. وسنبدأ بمراجعة خطط كافة المواقع في منطقة جوكان غورج، كقضية ملحة".
في المقابل، صرح جون أشبورتون، ممثّل شعب بوتو كونتي، لوكالة رويترز، بأن فقدان هذا الموقع شكّل "ضربة مدمرة" لأصحابه التقليديين. وأردف، "ليس هناك في أستراليا سوى عدد قليل من المواقع المعروفة التي تعود للسكّان الأصليين وتتمتع بتاريخ قديم كهذا الموقع، الذي لا يمكن الاستخفاف بأهميته. إن شعبنا يشعر بالأسى العميق تجاه تدمير هذه الملاجئ الصخرية، وهو حزين لفقدان الصلة مع أسلافنا وأرضنا أيضاً".
يُشار إلى أن المواقع الأثرية في أستراليا تقع ضمن صلاحيات الولايات والأراضي، وتتيح القوانين في غرب أستراليا منح موافقة الحكومة لتدمير المواقع التي تحظى بطابع ثقافي، ولكنها لا تلحظ حق الرجوع عن الموافقة الممنوحة.
وفي هذا الإطار، حصلت ريو تينتو على الموافقة لتوسيع أعمال التعدين الموجودة عام 2013، أي قبل معرفة أهمية الكهفين والعدد الهائل من القطع الأثرية التي وُجدت فيهما.
ووصف بيتر ستون، الذي يرأس حالياً مجلس حماية الممتلكات الثقافية في منظمة اليونسكو، تدمير الكهفين القديمين بالمأساة. وفي لقاء أجرته معه الإذاعة الأسترالية، قارن ذلك العمل بتدمير المواقع الأثرية القديمة على غرار ما فعله تنظيم داعش بآثار تدمر وطالبان بتماثيل بوذا في باميان.
وفي غضون ذلك، أكد كين ويات، وزير شؤون السكان الأصليين في الحكومة الفيدرالية الأسترالية، وهو أول شخص متحدر من قبائل السكّان الأصليين يُعيّن في هذا المنصب، أن التفجير الذي حصل "يتعذر فهمه". مضيفاً، أنه يبدو "خطأ حقيقياً غير مقصود". وقال لـ"هيئة الإذاعة الأسترالية" موضحاً، "أعتقد أنّ شركة ريو تينتو وفيّة فعلاً للشراكة التي تجمعها مع مجتمعات ومنظمات السكّان الأصليين".
© The Independent