Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صورة وهمية لعقلية إيرانية متوهمة

لم يضمّ المنشور الأول لخامنئي أي شخصية عراقية

خامنئي متحدثاً في خطاب متلفز الأربعاء 3 يونيو الحالي، في الذكرى الـ31 لوفاة الخميني (أ.ف.ب)

نشر المرشد الإيراني علي خامنئي على حسابه في "تويتر" صورة مرسومة في 25 مايو (أيار) الماضي، مع محتوى باللغة الفارسية، أثارت انتقادات واسعة، بل وسخرية لِما تحتويه من قصديّة واضحة، سواء في اختيار نماذج معينة من الأشخاص وإهمال مُتعمد لآخرين، أو في طريقة توزيع أماكنهم في خطوط الصلاة في حرم المسجد الأقصى، ما جعل البعض يرى تبنّيه إياها بمثابة إشارة للسياسة الإيرانية المقبلة في المنطقة، خصوصاً في ظل تبنيها شعار "سنصلي في القدس" من جهة، وغياب ملحوظ لرؤوس خدمت المشروع الطائفي الإيراني من جهة أخرى.

تعكس الصورة، بحسب نظرتنا، عقلية وهمية ما زالت تسيطر على أذهان أقطاب النظام الحاكم في إيران، فهم لا يرون أن السبب في فشل وتراجع مشروعهم السياسي، يعود أصلاً إلى ثقافة الثأر والكراهية واستباحة قتل العرب لنوازع حقد تاريخية لم يتخلّصوا منها قط، بل تراهم يعزون ذلك إلى خلاف سياسي يحصرونه تحديداً مع الولايات المتحدة، ويأملون من الانتخابات الرئاسية الأميركية القريبة نسبياً، أن تزيح الرئيس الحالي دونالد ترمب، وتأتي بمنافسه جو بايدن، الذي من الممكن أن تعود معه سياسة الليونة والمرونة الأميركية تجاه طهران، كما كانت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.


الفصائل الطائفية

يتضح الوهّم الإيراني من خلال التركيز على الفصائل الطائفية المسلحة، التي دعمتها لتنفذ ما هو مطلوب منها إيرانياً. لذلك، جاءت مركزية الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله، في مساحة واجهة الصورة، بينما الرئيس السوري بشار الأسد محشور في الخطّ الثالث من صفوف المصلين، ويتقدّم عليه عبد الملك الحوثي، رئيس الحركة الحوثية الطائفية في شمال اليمن.

وتضمّ الصورة أيضاً جماعة "الإخوان المسلمين"، حيث يقف إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حركة حماس"، وبجانبه الشيخ محمد أحمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، وهما بحجم جسديّ أصغر على ميسرة نصر الله، أما على ميمنته عيسى قاسم، رجل الدين الشيعي البحريني، وخلفهم يقف زياد النخالة، زعيم "حركة الجهاد الإسلامي" الفلسطينية.

وليس غريباً أن تُبرز الصورة بشكل ملفت للنظر إبراهيم زكزاكي، رئيس "الحركة الإسلامية" في نيجيريا، بعمامته البيضاء خلف عمامة نصر الله السوداء، وبجواره إسماعيل قاآني، رئيس "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني، ما يعني أن إيران مستمرة في نهجها بمشروعها الطائفي السلبي، لا سيما وأن هذه الحركة لا تعترف بالسلطات الحاكمة في البلدان الأخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المحك الأميركي
 

وبما أن الصورة لم تضمّ مقتدى الصدر ولا نوري المالكي ولا غيرهما من العراقيين المرتبطين بإيران، بالأخص قادة الفصائل الولائية في "الحشد الشعبي"، وعلى رأسهم الإيراني الأصل، أبو مهدي المهندس، نائب رئيس "الحشد"، الذي قُتل مع قاسم سليماني على طريق مطار بغداد، يبدو، إن لم يكن مؤكداً، أن السبب في ذلك هو أن جميعهم باتوا على المحك الأميركي في الحوار الاستراتيجي المزمع إجراؤه مع حكومة بغداد في منتصف يونيو (حزيران) الحالي.
وكشفت صحيفة "ديلي اكسبريس" البريطانية في الثاني من هذا الشهر، أن المباحثات سترتكز على الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية بين البلدين، وأن ملف "الحشد" من ضمن الأولويات الأمنية لدى الطرف الأميركي، فضلاً عن الحواضن الاجتماعية الشيعية الرافضة لفصائل "الحشد"، بعد قتلهم الجنوني المتواصل للشباب الثائر ضد فسادهم وإفسادهم.

أمّا حضور الإرهابي قاسم سليماني، الذي أظهرت الصورة وجهه في شكل سحابه عملاقة عائمة في كبد السماء الصافية، ومُطلّة فوق قبة المسجد الأقصى، فكل ذلك إنما يعني محاكاة شعورية تُقدّسها العقلية الإيرانية في ماديات الحياة. ولقد رأينا هذا الوهم العقلي الإيراني كيف ارتسم في صور سليماني مع الإمام الحسين بن علي وهو في الجنة، والأخير بقيافة قتالية وجسد هائل الضخامة يحتضنه بكل حنان ورأفة، بعدما تمزق جسده إرباً بالصواريخ الأميركية في مطلع العالم الحالي، عند وصوله إلى بغداد.

ولكن مهما حاول الذين يقفون خلف هذه الصورة، إرسال إشارات أو تعبيرات، فإن حقائق الواقع اليوم تعاكس أوهام النظام الإيراني، فبعد أربعة عقود تعرى النظام تمام التعرية محلياً وإقليمياً ودولياً.

من هنا، تطرق موقع "الحرة" الأميركي في تحليل الصورة الافتراضية، إذ يُعتقد أن "الصورة توحي بأن إيران تعيد ترتيب أهمية حلفائها من الأهم في الأمام إلى الأقل أهمية في الخلف".  

ونظراً إلى شدة الانتقادات اللاذعة التي لاحقت الصورة، نشر موقع خامنئي صوراً وهمية أخرى، تُظهر رايات الفصائل المسلحة تطفو في محيط المسجد الأقصى، مع صور لخميني وخامنئي وحسن نصر الله وعماد مغنية، وحضور مهلهل وضئيل لبعض قادة "الحشد الشعبي"، وفي الوقت ذاته تجاهل تام لقادة أو مسؤولين فلسطينيين، مع أن المناسبة هي "يوم القدس العالمي"، التي دعا إليها الخميني في عام 1979.

إن المنطق التحليلي تجاه الوضع القائم في إيران، يدلّ على استحالة دفع عقارب الساعة إلى الوراء، إذ إن توظيف الصور الافتراضية الوهمية واللجوء إلى استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين المدنيين والفساد المالي والإداري المستشري في هيكل الدولة واستمرار التردي الاقتصادي المتدهور بشدة والنفور الشعبي المتجلي بوجه سلطة وتسلّط رجال الدين على مقدرات الحياة، هذه بمجملها إنما تعني وفق علم التاريخ وعلم الاجتماع أن لا مستقبل ينتظر النظام السياسي الحاكم في طهران، بل إنه يدنو أكثر نحو إسدال ستارة حكمه، وأن حتمية سقوطه النهائي قد تحدث تجاه أي إعصار شعبي عارم مقبل.

المزيد من آراء