Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب متحدثا عن حادثة قتل: إنها مؤامرة

صراع حول تغريدة تضمنت اتهاماً لخصم سياسي صار مذيعاً تلفزيونياً

مع وجود 80 مليون متابع له على "تويتر"، يمتلك الرئيس دونالد ترمب أداة تحريضية قوية (رويترز)

في كتابه "المنطق في الحس السليم،" أعطانا فيلسوف القرن العشرين جورج سانتايانا التحذير الذي عادة ما يشار إليه بصيغة مختلفة بأن أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكومٌ عليهم بتكراره".

لقد تم تجاهل هذا الشعور إلى حد كبير من قبل بعض المخترعين ورجال الأعمال الأكثر شهرة لدينا، مثل الرئيس التنفيذي لشركة "تويتر" جاك دورسي، الذين غالباً ما يُشاد بهم كمخرّبين كبار يستمدون قوتهم من استعدادهم لتجاهل ما يحدث أمامهم.

وقد كان "تويتر"، وهي الشركة التي جعلت من دورسي اسماً مشهوراً، أداة تخريبية بالتأكيد.

فعندما كتبت للمرة الأولى عن "تويتر" في يوليو (حزيران) 2008، كان ذلك بسبب أن بعض المشرعين لم يفهموا طبيعة الخدمة - التي كان بعض أعضاء الكونغرس الآخرين يستخدمونها فعلياً للتواصل مباشرة مع الناخبين - وكانوا يحاولون بشكل خاطئ تنظيم كيفية استخدام المشرّعين لمنصات وسائل الإعلام الاجتماعية الناشئة حينئذ.

في ذلك الوقت، لم يكن مديري حينها، باعتباره صحافياً من المدرسة القديمة وملطخاً بحبر المطبوعات، يفهم أهمية "تويتر"، وأخبرني بعبارات لا لبس فيها أنه لا يريد رؤية المزيد من "قصص "تويتر" الغبية [البذيئة]".

لكن التشويش استمر في التدفق، وفي غضون عقد من الزمن يمكن القول من دون سخرية إن جاك دورسي أنشأ المنصة التي صعد على متنها دونالد ترمب إلى الرئاسة. ففي الواقع، وطوال فترة رئاسة ترمب، ظل "تويتر" الأداة المفضلة للرئيس والمنصة المفضلة للذين يغطّون أخباره.

ومع ذلك، لطالما كان هناك جانب شرير لاستخدام ترمب الهائل لـ"تويتر". وبحسب العديد من الروايات، فإن قبضته على الحزب الجمهوري على الرغم من التحقيقات العديدة، ومحاكمته في الكونغرس وفضائحه المتتالية، لا تأتي من قدرته على الإقناع ولكن من الخوف من قدرته على تحريض جزء كبير من متابعيه الـ 80 مليوناً على الفوضى.

فمنذ أن أدى يمينه الدستورية في يناير (كانون الثاني) 2017، بدأ يصطف إلى جانبه مشرّعون متشككون واحداً تلو الآخر بعد أن رأوه يدمّر سياسياً شخصيات كانت ذات يوم محورية في الحزب الجمهوري، مثل السناتور السابق عن ولاية أريزونا جيف فليك ومارك سانفورد من كارولينا الجنوبية. فقبل سلسلة تغريدات هجومية من ترمب رداً على انتقاده له، كان سانفورد يتمتع بشعبية كافية لتمكنه من استعادة مقعده القديم في مجلس النواب بعد أن أُجبر على الاستقالة في خزي من منصب حاكم الولاية.

لقد كان "تويتر" هو التحول الكبير

لكن غضب ترمب لم يكن موجّهاً فقط إلى السياسيين الذين أغاظوه. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كان يختار عشوائياً من يفرزهم ليكونوا هدفاً لإساءات غوغائه، سواء كانوا موظفين حكوميين مهنيين، أو آباء للجنود الأميركيين القتلى أو الصحافيين الذين يحاولون القيام بعملهم. إنه لا يندم على التشهير بالناس، حتى وإن لم يكونوا شخصيات عامة ويفتقرون إلى منصة مماثلة للرد عليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي الأسبوع الماضي، أصدر عدة خطابات من 280 حرفاً للترويج لنظرية مؤامرة بشأن حادث وفاة عام 2001 لموظفة في الكونغرس تدعى لوري كلاوسوتيس.

وقد اعتبر تقرير الفحص الطبي الصادر عن ولاية فلوريدا وفاة كلاوسوتيس المبكرة في سن 28، حادثاً مأساوياً ناتجاً من أزمة قلبية لم تُشخص، ما تسبب في إغمائها وارتطام رأسها، لتلفظ أنفاسها الأخيرة جراء "نزيف دموي حاد أسفل الدماغ".

وبالنسبة لعائلتها، كانت تلك ولا تزال مأساة مؤلمة. لكن نظراً إلى أن وفاتها وقعت في مكتب دائرة فلوريدا للنائب جو سكاربورو، الذي أصبح الآن مذيعاً في قناة "أم أس أن بي سي" ينتقد بشكل نشط الرئيس ترمب، فقد أصبحت هذه الوفاة أيضاً أداة يمكن أن يستخدمها الرئيس لشن "ضربة معاكسة" - كما يحب أن يقول المدافعون عنه - من خلال الإيحاء على نحو قدحي بأن سكاربورو - الذي كان في واشنطن وقت وفاتها - كان مسؤولاً عنها.

زوجها الأرمل، تيموثي كلاوسوتيس، ليس مذيعاً تلفزيونياً ولا رجل أعمال تحوّل إلى سياسي يتمتع بـ 80 مليون متابع على "تويتر". ولكن في رسالة مؤثرة إلى دورسي الأسبوع الماضي، ناشد الرئيس التنفيذي على "تويتر" قائلاً "أرجوكم أن تحذفوا هذه التغريدات".

"أطلب منكم التدخل في هذه الحالة لأن رئيس الولايات المتحدة أخذ شيئاً ليس ملكاً له – وهو ذكرى زوجتي الراحلة - وحرّفها لتحقيق مكاسب سياسية. كما أود أن أطلب منكم مراعاة ابنة أخت لوري واثنين من أبناء أختها الذين سيصادفون هذه القذارة في النهاية مستقبلاً. إنهم لم يلتقوا أبداً بخالتهم، ويؤلمني التفكير في أنهم سيضطرون إلى "المعرفة" عنها بهذه الطريقة. إن زوجتي تستحق الأفضل".

وبينما قال متحدث باسم "تويتر" إن الشركة "تأسف بشدة للألم الذي تسببه هذه التصريحات، والانتباه الذي تجذبه، للعائلة،" قالت الشركة إنها لن تزيل التغريدات المسيئة ولن تصنّفها "معلومات مضللة" أو "ادعاءً محل خلاف" أو "ادعاءً غير مؤكد".

ويعتبر هذا النوع من اللامبالاة إجراءً معتاداً بالنسبة لـ"تويتر"، الذي طالما تغاضى عن الزيف والمضايقة والتهديدات وما هو أسوأ من ذلك على منصتها، بخاصة عندما تكون صادرة عن ترمب أو حلفائه أو تحظى بدعم منهم.

لذا أعزائي القراء، إذا أصغى دورسي لتحذير سانتايانا، سيُحسن التصرف في هذه القضية.

لقد انخرط محافظون بارزون على مدى سنوات في حملة "تذمر وشكوى" منسقة تهدف إلى إلصاق وسم "الرقابة" بأي محاولة تقوم بها منصات التواصل الاجتماعي مثل "تويتر"، "فيسبوك"، و"يوتيوب" وغيرها لمنع أو ردع أعمال التحرش والإساءة، والتضليل، والتهديد وخطاب الكراهية أو ما شابه ذلك.

وبحسب "واشنطن بوست"، قام جويل كابلان، الذي عمل سابقاً مسؤولاً في البيت الأبيض تحت إدارة جورج بوش الابن ويشغل حالياً مديراً لمكتب "فيسبوك" بالعاصمة واشنطن، بالاعتراض على محاولة مبكرة لحذف مواقع "الأخبار" الملفقة التي نشرت العديد من القصص الزائفة المناصرة لترمب خلال حملته لانتخابات الرئاسة عام 2016. 

وقد أشار كابلان، بحسب التقارير، خلال مـؤتمر داخلي عُقد عن طريق الفيديو لبحث مشروع محاربة الأخبار الزائفة إلى أنه "لا يمكننا حذفها جميعها لأنها ستؤثر بشكل غير متكافئ على المحافظين".

كما كشفت قناة "فايس نيوز" في تقرير لها العام الماضي أن مديري "تويتر" رفضوا حتى ذلك الوقت استعمال الأدوات الخواريزمية التي تم تطويرها لتمييز دعاية داعش عن المواد التي ينشرها المتعصبون البيض وحذفها. ويعود السبب إلى "أن الحسابات الجانبية التي ستتأثر قد تكون في بعض الحالات لسياسيين جمهوريين". غير أن الشركة نفت أن يكون مثل هذا التعليل يعكس أية سياسة رسمية لها.

ومع ذلك يستمر التضليل. فالأعضاء الجمهوريون في مجلسي الشيوخ والنواب يقدمون ادعاءات كاذبة عن "الرقابة". كما قدموا تشريعاً لربط الحصانة في قضايا التشهير - والتي تستفيد منها معظم الشركات التي تعتمد على الإنترنت - بشرط إثبات حيادها السياسي عند تنفيذها لشروط الخدمة. من جهة أخرى، تفيد التقارير بأن الرئيس ترمب - الذي روّج ذات مرة لادعاء زائف يفيد بأن "غوغل" يمارس الرقابة والذي كان قد ظهر أول مرة على شبكة دعائية روسية - يدرس تشكيل ما يشبه "لجنة" للإبقاء على هذه الادعاءات الزائفة متداولة.

وبحسب تيموثي كلاوسوتيس، فإن ما يجعل هذه الادعاءات تُتداول باستمرار هو أنها تأتي بالنتائج. وإذا كانت تغريدات ترمب التشهيرية مستمرة على الإنترنت، فإن "فيسبوك" قد صنّف إعلاناً منتشراً على نطاق واسع لمجموعة محافظة ينتقده على أنه إعلانٌ "زائف".

إن ما يجب أن يتعلّمه دورسي ومديرون آخرون لشركات التواصل الاجتماعي هو أن هذا السلوك الاسترضائي لا تكون خاتمته جيدة دوماً للذين يقومون بالاسترضاء. عليهم أن يتلقوا درساً في التاريخ من صناعة قاموا بتخريبها ويقومون دوماً بإبعادها، وهذه الصناعة هي الإعلام.

فعلى مدى عقود، عانت الصحافة الأميركية من سلسلة لا تتوقف من الإساءات والتنمر من جانب اليمين الذي لا ينفك عن انتقاد الصحافيين ومُشغّليهم بوصفهم ليبراليين ميؤوسين.  

فسواء تعلّق الأمر بتصرف نيكسون خلال فضيحة ووترغيت، أو بريغان خلال فضيحة إيران - كونترا، أو بجورج بوش الابن مع فضيحة أسلحة الدمار الشامل الوهمية أو تقصيره خلال إعصار كاترينا – أو فضائح ترمب التي لا تنتهي خلال حملته الانتخابية عام 2016 وبعدها - نتعرض للنقد اللاذع على نقل الأخبار التي تعكس بصورة سلبية الرؤساء الجمهوريين بينما لا نلتزم الحياد حتى في أتفه الأخطاء التي يرتكبها أحد الديموقراطيين.

وعوض الدفاع عن عملنا باعتباره عملاً موضوعياً حقاً، تقوم الصحافة مراراً باسترضاء هؤلاء المنتقدين ذوي النوايا السيئة من خلال سعيها بجد لتحقيق "التوازن". ولهذا السبب هيمنت على تغطية انتخابات عام 2016 التقارير التي تتناول الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون، على الرغم من سلسلة الفضائح والأخطاء التي تكشّفت حول المرشح ترمب آنذاك والتي كان يمكن أن تؤدي إلى إلحاق الهزيمة بأية حملة أخرى.

فعوض وضع قصة تافهة في حجمها الحقيقي، تقوم المؤسسات الإعلامية بتضخيمها، لأن القيام بالشيء الجيد بتبني الحياد الحقيقي حيالها سيمنح الفاعلين من ذوي النيات السيئة الذخيرة لاتهام هذه المؤساسات بالتحيز الليبرالي.

لكن هل جلب هذا النوع من الاسترضاء المستمر للصحافة إعفاءً مؤقتاً لها من الانتقاد؟ لا، وعلى الرغم من ذلك فإنها مستمرة في هذه الدائرة المفرغة لأنه لا أحد يرغب في قول "كفى". ولهذا السبب تستمر نظريات المؤامرة في الانتشار وتصبح معها الطلبات أكثر إلحاحاً.

ومع ذلك لا يبدو أن لدى جاك دورسي، وهو أحد كبار المخربين، رغبة كافية لاستيعاب الدرس القاسي الذي يجب تعلمه من دراسة الصحافة والماضي.

فتعلم ذلك الدرس والتصرف بناء على المعرفة المستخلصة منه قد يكون قاسياً لأنه سيتعرض للنقد، وسيتعرض لهجمات النقاد من ذوي النوايا السيئة، وقد يتعرض لما هو أسوأ باعتبار ميل ترمب لاستخدام الحكومة لمكافأة الأصدقاء والإضرار بالأعداء.

 ولكن مثل داوود في الكتاب المقدس، والذي تُقارن به الشركات الناشئة في كثير من الأحيان، فإن الوقوف في وجه شخص متنمّر - حتى لو كان ذلك جالوت على رأس السلطة التنفيذية – يعد أنسب الطرق للنصر من البديل. فإذا كان دورسي شجاعاً بما يكفي لتغيير الأشياء الآن، فقد يشاد به كبطل لعقود مقبلة.

© The Independent

المزيد من تحلیل