Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنان صيني يحول سجن الكاتراز إلى فضاء فني

أصوات المُبدعين وأغنياتهم تتردد بين جدران الزنزانات ورسائل دعم

سجن الكاتراز معرض للفن التشكيلي (موقع المعرض)

بعد الانقلاب العسكري في تشيلي على حكم سلفادور الليندي عام 1973 اعتُقل الآلاف من مؤيديه، وكان بين هؤلاء المؤيدين المُغني والمسرحي الشهير فيكتور غارا، وهو أحد الأسماء البارزة التي ارتبطت بالنضال ضد الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية، مُتخذاً من الموسيقى والغناء وسيلة للنضال. كان غارا مغنياً ومسرحياً وأستاذاً جامعياً، عبرت أغانيه عن تجاربه الشخصية وعن معاناة الطبقة الفقيرة التي ينتمي إليها. ذاع صيت غارا وأغانيه في أنحاء تشيلي وخارجها كصوت غنائي يُقدم نوعاً مختلفاً من الموسيقى الحماسية التي تعتمد على التراث الوطني في بلده، كما عُرف بانتمائه السياسي للحزب الاشتراكي التشيلي بقيادة سلفادور الليندي الذي كان أحد مؤيديه، حتى أن الحزب قد اتخذ من إحدى أغنياته أيقونة له. بعد اعتقاله حُشر فيكتور غارا مع مئات الطلبة والسياسيين داخل أحد ملاعب كرة القدم. وعلى مدار أربعة أيام عُذب المغني التشيلي بقسوة قبل أن يُقتل رمياً بالرصاص. طوال حكم الديكتاتور بينوشيه الذي استمر قرابة العقدين حُظرت تسجيلات فيكتور غارا، وأُتلفت الأشرطة الأصلية لأغانيه، حتى أن ذكر اسمه علناً كان مدعاة للخوف في تلك الفترة العصيبة.

بعد انتهاء الحُكم العسكري في تشيلي رُد الاعتبار لهذا المناضل وأعيد دفن جثمانه في جنازة مهيبة عام 2009، واليوم يحمل الملعب الرياضي الذي اعتقل فيه اسمه تخليداً لذكراه، وأنشأت أرملته مؤسسة ثقافية باسمه في تشيلي، تضم أكبر أرشيف لحياته، من تسجيلات وكُتُب ومقالات وأشرطة فيديو وصور ومُلصقات، كما كتبت مذكراتها معه تحت عنوان "أغنية لا تنتهي" وبُعثت موسيقاه وأغنياته من جديد ليحتل مكانه في وطنه، كأحد المُجددين في الموسيقى والمسرح، وكرمز للنضال ضد الحكم العسكري.

 

فيكتور غارا كان واحداً بين مجموعة من المُبدعين من بلدان مختلفة حول العالم، بينهم موسيقيون وشعراء ومغنون مثّلوا جزءاً من التجهيز الصوتي الذي أنشأه الفنان الصيني "آي ويوي" عام 2014، والذي يُعاد بثه من جديد حالياً عبر فضاء الواقع الافتراضي. العمل الذي قدمه الفنان الصيني احتل فضاء سجن الكاتراز الشهير الواقع على الساحل الغربي للولايات المُتحدة. ويعد سجن الكاتراز واحداً من السجون السيئة السمعة، أُسس في القرن التاسع عشر على جزيرة صغيرة قبالة الساحل، وخُصص للمعتقلين الشديدي الخطورة من وجهة نظر السلطات الأميركية، وكان من بين هؤلاء على سبيل المثال رجل العصابات الأميركي الشهير آل كابوني. غير أن المكان نفسه ارتبط كذلك في بداية تأسيسه كسجن للنشطاء والمُدافعين عن حقوق السكان الأصليين في الولايات المتحدة. على مدى عقود وُجهت العديد من الانتقادات للطريقة الصارمة وغير الإنسانية التي أدير بها سجن الكاتراز والتي اعتمدت على أساليب الحرمان والقهر العقابي، حتى أغلق في النهاية عام 1963 وتحول بعدها إلى موقع سياحي، ورمزاً ماثلاً لفكرة القهر وسلب الحرية.

تجهيزات فنية

احتل التجهيز الصوتي الذي قدمه الفنان الصيني آي ويوي إثنتي عشرة من الزنازين الواقعة في الجزء السفلي من السجن والمخصصة للعزل الانفرادي للسجناء كعقاب إضافي. جُهزت كل زنزانة منفردة على نحو يتيح للزائر الاستماع إلى مقطوعة موسيقية أو أغنية أو قصيدة يتم إلقاؤها بصوت صاحبها. العامل المُشترك بين أصحاب هذه الإبداعات جميعاً أنهم عانوا من الاضطهاد السياسي في بلدانهم، وعُذبوا أو قتلوا في ملابسات مأساوية. بينهم مثلاً الموسيقي النيجيري الشهير فيلا كوتي والشاعر الإيراني أحمد شاملو ونشطاء آخرون من روسيا والصين وجنوب أفريقيا، وبعض هذه الأعمال أنجزها أصحابها في فترة الاعتقال. يُتيح لك البث الافتراضي للعمل التجول بين هذه التجهيزات والاستماع إلى الموسيقى والأغنيات أو القصائد الشعرية بصوت أصحابها. تُشكل الأصوات الصادرة عبر شبكات التهوية في الغرفة تبايناً مع العزلة والصمت الذي يلُف المكان، وتفرض وقعها الإنساني اعتماداً على خلفية مُبدعيها على الرغم من اختلاف اللغات والانتماءات.

 

هذا التجهيز الصوتي لم يكن سوى جزء من عمل أكبر أنشأه الفنان الصيني بين أروقة السجن المهول، ضمت الأجزاء الأخرى من العمل بعض التجهيزات البصرية الأخرى. بين هذه التجهيزات عُرضت صور لوجوه عدد كبير من الناشطين ومعتقلي الرأي حول العالم. صُنعت صور هؤلاء الناشطين من طريق قطع ليغو ملونة، وساهم في تجميعها عدد من المتطوعين. أُرفقت هذه الصور بمجموعة كبيرة من بطاقات المعايدة يمكن للزائر من خلالها توجيه رسالة إلى المُعتقل وإرسالها له عبر البريد. ثمة تجهيز آخر يتكون من عشرات المجسمات الكبيرة لطائرات ورقية، يبرز من بينها مجسم للتنين الصيني الشهير، والذي يُعد رمزاً للسلطة في الصين، غير أن الفنان الصيني جاء به هنا كرمز للحرية كما يقول.

يطرح العمل الذي قدمه الفنان الصيني تساؤلات عدة حول حرية التعبير وحقوق الإنسان التي يتردد صداها وراء هذا المكان تحديداً، اعتماداً على تراث الجزيرة وتاريخها المتعدد الطبقات، كحصن عسكري من القرن التاسع عشر ثم كسجن فيدرالي وموقع للتراث والاحتجاج، وكواحد من أكثر المزارات السياحية شهرة في الولايات المتحدة الأميركية. خلافاً لنشاطه الفني عُرف آي ويوي كمدافع عن حقوق الإنسان ومواقفه المعارضة للحكومة الصينية، وهو من مواليد عام 1957، وتُراوح أعماله ما بين النحت والرسم والتجهيز والفيديو والعمارة أيضاً. اعتُقل الفنان لفترة من قبل السلطات الصينية عام 2011 وصنفته مجلة آرت ريفيو كواحد من أكثر الفنانين قوة وتأثيراً حول العالم.

المزيد من ثقافة