Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شركات التكنولوجيا موضع مساءلة: أثر السيطرة لا يُرى ولا يزول

خبراء: غياب الشفافية والرقابة على المحتوى وخوارزميات البحث أدواتها السيطرة

تبقي شركات التكنولوجيا على ممارسات الإشراف على المحتوى غير معلنة ولا توضح معاييرها في العمل (أ ف ب) 

معركة ضارية تلوح في الأفق بين الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ومنصات التواصل الاجتماعي، بعدما أرفق القائمون على "تويتر" تغريدة لترمب بتحذير يدعو المتابعين إلى تقصي المعلومات الواردة بها مع إضافة رابط يقترح عليهم الاستزادة حول محتواها، وهو ما يعدّ طعناً في مصداقية ما ينشره الرئيس على حسابه.

يتعلق موضوع التغريدة برفض ترمب مقترحات من خصومه السياسيين (الحزب الديمقراطي) بالاقتراع عبر البريد في الانتخابات الرئاسية المقررة خريف العام الحالي، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد. وفيها، حذّر ترمب من التزوير واصفاً المقترح بأنه "احتيال كبير".

فحوى التغريدة كان سبباً لتوجيه تهمة التحيز السياسي ضد المنصة الاجتماعية، واتهم الرئيس الأميركي منصة "تويتر" بالتدخل في الانتخابات وإسكات أصوات المحافظين، وهدّد بتنظيم أو إغلاق شركات التواصل الاجتماعي.

ما حدث بشأن تغريدة ترمب ليس حادثاً منفصلاً، فقبل أسبوع تعهّد الرئيس الأميركي معالجة ما يمارسه "اليسار المتطرف"، بحسب وصفه، من قيادةٍ لوسائل التواصل الاجتماعي وعمالقة شبكة الإنترنت "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر" و"غوعل"، والتحكم بها. والخميس، أعلن البيت الأبيض أن ترمب وقّع أمراً تنفيذياً يحدّ من حصانة وسائل التواصل الاجتماعي ضد الملاحقات القضائية، ما قد يعرضّها للمساءلة والإشراف الحكومي. وأشار  إلى أن القرار يهدف لحماية حرية التعبير لدى الشعب الأميركي. فبحسب وصف ترمب، فإن منصات شركات التكنولوجيا لم تعد منتديات محايدة، بل تنخرط في "نشاطات سياسية".

تحيّز وادي السيليكون

يعود الجدل حول النفوذ السياسي المحتمل الذي تلعبه شركات التكنولوجيا إلى سنوات سابقة، فلطالما شكا المحافظون من تعرضّهم للإقصاء من المشرفين على المنصات الاجتماعية التي تديرها شركات وادي السيليكون في سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا الأميركية. ففي 17 يوليو (تموز) 2018، عُقدت جلسة استماع في الكونغرس وُجهت خلالها اتهامات لشركات "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" بممارسات ذات دوافع سياسية تتعلق بإزالة بعض المحتويات.

وخلال الجلسة، انتقد نواب جمهوريون من المحافظين شركات التكنولوجيا الأميركية بشأن ما أسموه التحيّز ضد التيار المحافظ واستغلال آليات تنقية المحتوى السياسي في ذلك، وهي الاتهامات التي نفتها الشركات الثلاث. واتهم النائب بوب جودلاتي، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، آنذاك، منصات التواصل الاجتماعي بالعمل على قمع وجهات نظر معينة والتلاعب بالرأي العام.

 

واتّخذت شركات التكنولوجيا الأميركية إجراءات لمواجهة "الأخبار المزيفة" أو المواد المشبوهة التي يمكن أن تظهر على منصاتهم. وأصبحت هذه التدابير أكثر إلحاحاً وسط اتهامات بأن عناصر روسية استغلت المنصات الاجتماعية لنشر قصص معينة خلال انتخابات عام 2016 لصالح التصويت لترمب. لكن آليات هذه الإجراءات تم انتقادها من بعض المستخدمين المحافظين. ففي 2018، اشتكى البعض من أن موقع "تويتر" قد أطلق عملية "تطهير" هادئة على حساباتهم، أو "حظرها" من خلال منع تغريداتهم من الوصول إلى جمهور أوسع. وبالمثل، لأن الآراء السياسية يمكن أن تؤثر في كثير من الأحيان على مصداقية القصة، فقد أثيرت أسئلة حول كيف يمكن لمشرفي الموقع أن يحددوا بشكل عادل ونزيه مساحة الأشخاص أو الجماعات على المنصات ذات التأثير الكبير.

غير أن اتهامات المحافظين قُوبلت باستنكار ودفاع من قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس، إذ انتقد النائب الديمقراطي، ديفيد سيسيلين، جلسة الاستماع وقال إن فيسبوك لمدة عامين "تراجع إلى الوراء لاسترضاء المحافظين"، وأشار إلى فشل المنصة "الزرقاء" في إزالة صفحات تدعم نظريات المؤامرة غير المؤكدة.

وبعد تقارير في عام 2016 تفيد بأن موظفي شركة فيسبوك ربما قاموا بحذف أو إخفاء القصص والمنشورات لمؤلفين من التيار المحافظ في ميزة "الموضوعات الشائعة"، مما دفع بجهود ضغط واسعة من الجمهوريين بما في ذلك السيناتور جون ثون، قام فيسبوك بجعل الميزة آلية بالكامل في أغسطس (آب) من العام نفسه، لمنع التحيّز البشري المحتمل، ثم أغلقت في وقت لاحق تماماً.

غياب الشفافية

وتبقي شركات التكنولوجيا على ممارسات الإشراف على المحتوى غير معلنة ولا توضح معاييرها في العمل في العديد من القضايا الحساسة والدقيقة، وتقول إن عملية التنقيح تتم وفقاً لخوارزميات معينة، وبينما أعلنت شركة فيسبوك، مطلع الشهر الحالي، عن تشكيل مجلس عالمي للإشراف على المحتوى، غير أنها لم تكشف عن آليات وضوابط عمله، الأمر الذي يزيد الجدل بشأن حيادها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الجدل الذي تتداخل فيه السياسة بقوة لطالما طرح تساؤلات عدة بشأن النفوذ السياسي الذي تحظى به منصات التواصل الاجتماعي على مستخدميها، وهل آليات تنقية المحتوى تستخدم فقط في مكافحة المشين والعنيف، وما يتعلق بالكراهية والتحرش، أم تحوّلت إلى أداة سياسية لتوجيه الرأي العام وتعميق الاستقطاب السياسي داخل المجتمعات.

وفي قضية أثيرت العام الماضي في كندا بشأن سياسيات "تويتر" في حذف أو تعليق حسابات، بعدما تم حظر حساب مسؤول تعليمي رفيع في مقاطعة أونتاريو، قال مراقبون لشبكة "سي بي سي" الكندية إن المشكلة الكبيرة ليست ما إذا كان "تويتر" يحمل تحيزاً سياسياً، ولكنها تخصّ الارتباك والسرية المحيطين بقراراته لمعاقبة بعض المستخدمين. وعلّق فويوكي كوراساوا، أستاذ مساعد في علم الاجتماع بجامعة يورك ومدير معمل المواطنة الرقمية العالمية "ليس الأمر ما إذا كان هناك تحيّز أم لا، فمن السهل إدراكه بسبب نقص الشفافية والمساءلة على تويتر". وأضاف أن "المشكلة الأوسع هي أن تويتر غير متسق وغير شفّاف في عمليات صنع القرار الخاصة به عندما يتعلق الأمر بمن يحظره".

ووافق نيكي أوشر، الأستاذ المساعد في كلية الإعلام بجامعة إلينوي، على صعوبة محاسبة وسائل التواصل الاجتماعي، قائلا "نحن لا نعلم حقاً ما يفعلونه لأن كل ما يمكننا رؤيته هو ما يقولون إنها معاييرهم الراسخة. لكن ليس هناك أي شفافية حول الكيفية التي يتحكمون بها بالفعل ويديرون بها تعليقات المستخدمين".

أدوات رقابة وتلاعب

في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، قال روبرت إبشتاين، عالم النفس وعلوم الاتصال لدى المعهد الأميركي للأبحاث السلوكية والتكنولوجيا في كاليفورنيا، وله 15 كتاباً حول تأثير الإنترنت وغيرها من القضايا، إن المنصات الاجتماعية التي تديرها شركات التكنولوجيا ليست مجرد وسائل تواصل اجتماعي، متهماً إياها بالقيام "بمجموعة واسعة من التلاعبات على الإنترنت، التي لم تكن سابقاً ممكنة. معظم هذه التقنيات يتم التحكم فيها من شركتي غوغل وفيسبوك، ولا سبيل إلى مواجهتها".

ويضيف "الأسوأ من ذلك أن معظم هذه التقنيات هي شعورية، أي غير مرئية للمستخدمين، ولا تترك أي أثر ورقي للسلطات لتتبّعها"، ويلفت إلى أن الرقابة التي تفرضها شركات التكنولوجيا على المحتوى ليست سوى جزء من مشكلة أكبر كثيراً، موضحاً أن غوغل وفيسبوك يتحكمان في ما يشاهده المليارات حول العالم (بفرض محتوى أو منع آخر) من خلال عملية "تنقيح"، والطريقة التي يتم بها ترتيب المحتوى الذي يشاهده المستخدمون. وهو ما يمنح هذه المنصات القدرة على تغيير الآراء والمشتريات وتفضيلات التصويت على نطاق واسع. وتابع "لقد تعلّمنا من المبلّغين ومسربي الوثائق والفيديوهات أن هذه الشركات، بخاصة غوغل، تستخدم هذه الأساليب بقوة كل يوم".

 

وقبيل انتخابات الكونغرس الماضية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، كشف بحث استغرق عاماً، أجراه إبشتاين، عن 10 طرق يمكن للشركات التكنولوجيا من خلالها توجيه أصوات الناخبين من دون أن يعرف أحد بذلك، من بينها التلاعب بمحرك البحث وتأثير مقترحات البحث والرسائل المستهدفة وتأثير مطابقة الرأي. وعلى سبيل المثال، كشف البحث عن أنه منذ مارس (آذار) 2016 ولمدة سبعة أشهر حتى يوم الانتخابات الرئاسية، كان يمكن لمستخدمي موقع "تيندر" للمواعدة، المرور نحو معرفة ما إذا كان عليهم التصويت لصالح ترمب أو كلينتون.

وفي ما يتعلق بـ"فيسبوك"، فهناك خمس طرق يمكن من خلالها توجيه ملايين الناس من دون علمهم، لكن تعدّ أداة "الرقابة" تحت مسمى تنقيح المحتوى الأكثر جدلاً، لأنها تمنح المنصة نفوذاً على قرائها، وهي نفسها الأداة التي يستخدمها "تويتر".

ويشير الخبير الأميركي إلى أن الرقابة، التي تمثل أداة قمع انتقائي ومتحيّز للمعلومات، يمكن استخدامها بطرق مختلفة، فلا يمكن لأي جهة التحقق مما إذا كان فيسبوك يقوم بشكل انتقائي بقمع المواد التي تفضّل تياراً سياسياً على آخر أم لا.

تبرئة غوغل

وبرّأت دراسة حديثة صادرة عن جامعة ستانفورد، نشرت نتائجها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسائل التواصل الاجتماعي من تهمة المحاباة السياسية، واستندت إلى مراجعة أجراها علماء ستانفورد للصفحة الأولى من نتائج البحث على محرك غوغل لكل مرشح لمنصب فيدرالي في انتخابات 2018 الأميركية على مدى ستة أشهر. وبعد تدقيق منهجي لحوالى أربعة ملايين عنوان "URL" مستخلص من محرك البحث، وجدوا أن المصادر من مختلف الطيف السياسي لا يتم استبعادها من النتائج. وفي الغالب، وجد الباحثون أن مصادر الأخبار تحمل وجهة نظر وسطية نسبياً.

وقال جيف هانكوك، أستاذ الاتصالات في كلية ستانفورد للعلوم الإنسانية والعلوم ومؤلف الدراسة "تشير بياناتنا إلى أن خوارزمية بحث غوغل ليست منحازة على أسس سياسية، ولكنها بدلاً عن ذلك تؤكد المصادر الموثوقة". وأضاف "أعتقد أن متابعة الخوارزميات واسعة النطاق التي تلعب مثل هذا الدور الهام في العديد من جوانب حياتنا أمر بالغ الأهمية. نحتاج إلى أن نثق في أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه ليست منحازة. ومن دون عمليات تدقيق، فمن الصعب تقييم هذه الخوارزميات المبهمة".

خوارزميات السيطرة

لكن يصرّ إبشتاين على أن واحدة من أسوأ أدوات السيطرة الجديدة تعتمد على المحتوى سريع الزوال، المعلومات التي يتم إنشاؤها بسرعة من خلال خوارزمية ثم تختفي إلى الأبد، ما يعني أنه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على السلطات إعادتها والتعرف إليها. ويقول على سبيل المثال "إذا قرّر مارك زوكربيرغ، في يوم الانتخابات في نوفمبر المقبل، بثّ رسائل سياسية تتعلق بأعضاء حزب سياسي واحد، فكيف سنتمكن من اكتشاف مثل هذا التلاعب؟ إذا لم نتمكن من اكتشافه، كيف يمكننا تقليل تأثيره؟ وكيف يمكننا، بعد أيام أو أسابيع، أن نعيد عقارب الساعة لنرى ماذا حدث؟".

غير أن شركات مثل "غوغل" و"فيسبوك"، ترفض بشكل قاطع فكرة أن خوارزميات البحث والتغذية الإخبارية الخاصة بهم يمكن تعديلها بطرق يمكن أن تتدخل في الانتخابات. وتقول إن القيام بذلك من شأنه أن يقوّض ثقة الجمهور فيهم. ويصرّون على أن خوارزمياتهم معقدة ومتغيرة باستمرار وتخضع للنشاط "العضوي" للمستخدمين.

المزيد من دوليات