Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب تموضع أحداث منيابوليس في مركز المعركة الانتخابية الأميركية

ترمب يسعى إلى استقطاب البيض المعتدلين وبايدن يراهن على السود والبيض معاً

هبطت قضية وحشية الشرطة ضد الأميركيين السود إلى قلب الحملة الانتخابية الرئاسية لهذا العام بعد مقتل أميركي أعزل من أصل أفريقي خلال توقيفه لدى شرطة مدينة منيابوليس في ولاية مينيسوتا، إذ كشفت التظاهرات العنيفة وردود الأفعال على الحادث، الحسابات السياسية للمتنافسَين على البيت الأبيض، الرئيس الجمهوري دونالد ترمب ومرشح الحزب الديمقراطي المفترض جو بايدن. كما سلطت الضوء على التباينات بين الديمقراطيين والجمهوريين في كيفية التصدي لقضية لطالما قضّت مضاجع المجتمع الأميركي، ألا وهي العنصرية وعنف الشرطة.

وتتصاعد القضية بشكل أكبر مع مرور الأيام في أجواء محتقنة منذ أن أظهرت لقطات فيديو انتشرت الاثنين الماضي، أميركياً من أصل أفريقي يُدعى جورج فلويد وهو يقول "لا أستطيع التنفس"، بينما جثم ضابط أبيض يُدعى ديريك تشوفين بركبته على عنقه وهو مُلقى على الأرض قبل أن يفارق الحياة بعد قليل. وانتشرت هذه اللقطات خلال ساعات على مواقع التواصل وشبكات التلفزيون الرئيسة، لتقرر الشرطة طرد الضباط الأربعة الذين كانوا في مكان الاعتقال في اليوم التالي. إلا أن سلطات ولاية مينيسوتا لم تعتقل الضابط تشوفين أو توجه إليه اتهامين بالقتل، إلا يوم الجمعة بعد احتجاجات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة دامت أياماً عدة في شوارع منيابوليس وامتدت إلى مدن أميركية أخرى صاحبتها أعمال عنف وتخريب.

تفاعلات سياسية

وأظهر الحادث وما أعقبه من ردود صدرت عن ترمب وبايدن، إلى أي مدى تحولت القضية إلى مسألة سياسية بامتياز، تستغل تباين الآراء حول قضية محورية تتعلق بعنف الشرطة المتكرر مع الأميركيين من أصول أفريقية، والمناخ العام في المجتمع الأميركي الذي تهيمن عليه خلافات بشأن قضية العنصرية بشكل عام.

وتتمثل الحسابات السياسية في التحديات على جذب كتل تصويتية متنوعة، فهناك الأميركيون السود الغاضبون بشدة من عنف الشرطة، والناخبون في المدن والمناطق الحضرية المنزعجون من تزايد نذر العنصرية في البلاد من ناحية، والأميركيون المتعاطفون مع الشرطة، الراغبون في انتخاب قائد عام للبلاد يظهر حسماً وصرامة في مواجهة الجريمة من ناحية أخرى.

فرصة ترمب

بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، هناك فرصة سياسية جيدة للاستحواذ على أصوات البيض المعتدلين وإبعادهم عن الأميركيين من أصل أفريقي الذين يشكلون أكثر المجموعات التي يحتاجها المنافس الديمقراطي جو بايدن للفوز بالرئاسة، بعدما شكلوا جوهر القاعدة الانتخابية التي منحته أصواتها أثناء سعيه لنيل ترشيح حزبه خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

وأعطى ذلك ترمب حافزاً لإظهار تعاطفه وحسمه في الوقت ذاته، حيث تحدث عن تعاطفه مع جورج فلويد الذي قتلته الشرطة في منيابوليس ثم توجه لاحقاً إلى عائلته لتقديم تعازيه، لكنه أيضاً وعد بقمع هذا الصراع بالقوة، حيث غرد ترمب رداً على التظاهرات بعد مقتل فلويد قائلاً "إنهم ينسون ذكرى جورج فلويد، لن أدع ذلك يحدث"، متعهداً باستخدام القوة العسكرية للسيطرة على الوضع.
وكرر تعبيراً ارتبط بأحداث عنف عنصرية وقعت في ستينيات القرن الماضي، قائلاً "عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار"، وهو ما أنكر في وقت لاحق اقتباسه عن عمد، مؤكداً أنه لا يعلم السياق التاريخي لهذا التعبير في الذاكرة الأميركية.

وفي حين تسعى استراتيجية حملة ترمب إلى الحد من تأييد الناخبين السود لبايدن، فإن ملاحظات ترمب حول السيطرة على الوضع في منيابوليس، تعكس رغبته في إقناع الناخبين البيض الذين لم يحسموا أمرهم حتى الآن، بالتصويت إلى جانبه في صناديق الاقتراع يوم الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويقول ألفين تيليري، مدير مركز دراسة التنوع والديمقراطية في جامعة "نورث وسترن"، إن "ترمب فاز عام 2016 من خلال تغيير أصوات الناخبين البيض في 200 مقاطعة انتخابية داخل المناطق الحضرية والتي صوتت لصالح أوباما في عامي 2008 و2012"، مضيفاً أنه "على الرغم من أن هؤلاء الناخبين يظهرون استياءً عنصرياً أقل من المتشددين البيض من أنصار ترمب في الولايات الجنوبية، إلا أنه لا يزال جزءاً من تكوينهم الأيديولوجي، كما أن هؤلاء الناخبين أقل احتمالاً من أن يعتبروا الشرطة مخطئةً في استخدامها العنف المفرط. ومع ذلك يظل هناك خطر كبير يتمثل في اتهام ترمب بالترويج للفوضى، ما قد يقوض دعوته لترسيخ النظام والقانون في المجتمع الأميركي، في وقت يتعهد فيه خصمه بايدن باستعادة الشعور بالهدوء بين عناصر الأمة الأميركية، الأمر الذي يمكن أن يضر بالرئيس من خلال إظهاره على أنه يثير أزمة وطنية أخرى في خضم جائحة أدت إلى وفاة أكثر من مئة ألف شخص ودفعت بـ 40 مليون شخص إلى الالتحاق بقوائم العاطلين من العمل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بايدن وأصوات السود

في المقابل، يحتاج بايدن إلى حشد الناخبين من ذوي الأصول الأفريقية الذين ثبُتَ انخفاض نسبة مشاركتهم في انتخابات عامي 2012 و 2016 في الولايات المتأرجحة الرئيسية، ولهذا عكس اهتمامه بفحص ملفات لاختيار نائبة له من الأميركيين الأفارقة، رغبته في كسب هذه الفئة الانتخابية المهمة، فضلاً عن تصريحه الساخن قبل أيام، والذي اعتذر عنه لاحقاً لتصادمه مع مبدأ الديمقراطية، حين قال عن الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي الذين اختاروا ترمب عوضاً عنه، إنهم ليسوا من السود، في محاولة منه لتأكيد أن مَن يفعلون ذلك يصبحون بمثابة خائنين لبني جلدتهم.

وفي حادثة منيابوليس، لم يتأخر بايدن في الافصاح عن موقفه مشيراً إلى أن جميع الأميركيين متساوون في الحقوق والكرامة، وأن "مقتل رجل أسود بهذه الطريقة يرسل رسالة واضحة للغاية إلى مجتمع السود ، ويعكس أن حياة السود تتعرض للتهديد كل يوم".

وعلى الرغم من أن آخر استطلاع للرأي منح بايدن 81 في المئة من أصوات الأميركيين الأفارقة، فإن إظهار قلق عميق بشأن العنف ضد السود يمكن أن يكون مفتاحاً لمساعدة بايدن كي يتغلب على بعض أصوات السود المتشككين تجاهه بخاصة بين الشباب، بسبب دعمه في السابق في الكونغرس قوانين الجرائم الصارمة في الثمانينيات والتسعينيات والتي أدت إلى زيادة في عدد الرجال السود الذين سُجنوا بسبب هذه القوانين.

الرهان على البيض

وبقدر ما يريد بايدن التأكد من عدم خسارة أي صوت من بين الأميركيين الأفارقة، فإنه يبدي كل الحرص للحفاظ على أصوات البيض المعتدلين، إذ عاش بايدن مثل ترمب عصر الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، حين أصبح البيض المعتدلون أكثر تعاطفاً مع حركة الحقوق المدنية واقتربوا من مجموعة الديمقراطيين الذين أيدوا أن يكون للسود وبقية الأميركيين الملونين الحقوق الأساسية ذاتها التي يتمتع بها البيض.

وصوّت البيض المعتدلون لإعادة انتخاب الديمقراطي ليندون جونسون في عام 1964 بعد إقرار قانون الحقوق المدنية ، كما دعموا قانون حقوق التصويت في عام 1965، ولكن بحلول عام 1968 و بعد اغتيال مارتن لوثر كينغ، وما تبع من أحداث شغب وعنف في مدن أميركية عدة، بما في ذلك التظاهرات العنيفة خارج المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو، تعهد المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون باستعادة "القانون والنظام" مطالباً التيار المعتدل من البيض بالتصويت له في الانتخابات الرئاسية، وهو ما حدث بالفعل.

وما يلفت الانتباه أن ورقة بحثية جامعية أعدها "عمر واسو" أستاذ السياسة في جامعة برينستون أشارت إلى تراجع كبير في دعم البيض للمرشحين الديمقراطيين في المقاطعات التي شهدت أعمال عنف وشغب خلال فترة الحقوق المدنية في الستينيات.

وعلى الرغم من أن أعمال الشغب هذه كانت واسعة الانتشار، وبالتالي كان تأثيرها ضخماً على الناخبين، إلا أن هناك أوجه تشابه بين السياسات المحيطة بأعمال الشغب التي وقعت في ذلك الحين وبين ما يجري الآن، ومن ثم يشكل هذا الوضع تحدياً يواجهه بايدن والديمقراطيون في كيفية التعاطي مع ما يجري من تظاهرات وأعمال عنف وحرق في مدينة منيابوليس أو في أي مدينة أخرى.

وبحسب "واسو"، فإن أحد الدروس المهمة من فترة الستينيات هو أن هذه المنطقة صعبة للغاية بالنسبة إلى الديمقراطيين، إذ ظلت قضية الحفاظ على النظام والقانون، ولفترة طويلة، "قضية جمهورية".

المزيد من تحلیل