Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يتوقع العراقيون من "الحوار الاستراتيجي" مع الأميركيين؟

ثلاثة أطراف ستكون حاضرة فعلياً في هذه المفاوضات هي بغداد وواشنطن وطهران

إحدى إشكاليات الحوار الاستراتيجي بين الدولتين هي عدم قدرة العراقيين على اعتياد وجود قوات أجنبية على أراضيهم (أ.ف.ب)

أيام تفصلنا عن موعد بدء الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق الذي دعا إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والذي أطُرت مهمته في البحث بمستقبل العلاقة بين البلدين مجدداً، عبر سلسلة من الاجتماعات بين كبار المسؤولين الأميركيين والعراقيين، في منتصف يونيو (حزيران) المقبل.

أطراف الحوار الثلاثة 

ثلاثة أطراف ستكون حاضرة واقعياً في هذا الحوار ومتغيراته. إضافة إلى العراق والولايات المتحدة، فإن إيران ستكون حاضرة بعدما تغلغلت في بلاد الرافدين وحولتها حديقةً خلفية لها، وأدخلت ألويتها وفصائلها المسلحة الموالية والشريكة في القرار العراقي البرلماني والحكومي، وبسطت نفوذها على المنطقتين الوسطى والجنوبية في البلاد، بل حتى الكردية في الشمال، على الرغم من الرفض الشعبي من غالبية العراقيين الذين أحرقوا قنصلياتها في مناطق عدة.
لكن ما خلط الأوراق فعلياً في معادلة الصراع الأميركي - الإيراني في العراق هو تنظيم "داعش"، الذي تتحكم إيران بجزء من معادلته، وظلت تلّوح بمخاطره، التي تجعل العراقيين يتوجسون من عودته للهجوم على مدنهم، كما حدث أخيراً في محافظة تكريت، ليثبت التنظيم الإرهابي أنه لم ينته بعد من مهاجمة العراق أو سواه، واحتمالات تمدده لا تزال قائمة.

انسحاب أميركي غير مدروس

إذ ما ذكرنا بتداعيات الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، إبان حقبة باراك أوباما الذي مهد الطريق بعد سنتين لتنامي "داعش" واحتلاله الموصل والفضائح التي ارتكبت في العراق وبلدان أخرى. وأدرك الأميركيون حينها أن انسحابهم من بلدٍ فككوا جيشه وأضعفوا سلطته، بدعوى تحويله إلى الديمقراطية بعملية سياسية، أربك الدولة العراقية برمتها، بل كانوا سبباً في إضعافها باعتراف مراقبين أميركيين كثر، مما اضطرهم إلى تشكيل تحالف دولي من جديد ضد هذا التهديد الداعشي، الذي كان الغطاء لعودة القوات الأميركية إلى قواعدها من جديد بطلب عراقي ودولي.

هذه المعادلة الجديدة، يراها العراقيون تحدياً جديداً في الحوار الاستراتيجي المرتقب منتصف يونيو (حزيران) المقبل، بعدما اكتشف الأميركيون تنامي الوجود العسكري الإيراني الذي سوغ ّوجوده بأن فصائله (الولائية) نمت نتيجة مجابهة "داعش" الذي أسهمت بطرده جنباً إلى جنب القوات العراقية المسلحة ورأس رمحها جهاز مكافحة الإرهاب الذي يقوده الفريق عبد الوهاب الساعدي ونواته فرقة خاصة أسسها الأميركيون عام 2003.

وعلى الرغم من كل الجهود والتضحيات العراقية والخسائر المليارية لطرد "داعش"، لا يزال خطره ماثلاً ومسيطراً على وعي الزعامات العراقية، بل يشكل أهم محفزات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، التي تملك قدرات مكنت العراقيين من هزيمته في السابق، لا سيما سلاح الطيران الذي أمّن قصف تجمعات التنظيم النائية وأوكاره البعيدة.

الفريق التفاوضي قبيل الاتفاق

طاولة الحوار الاستراتيجي لا تخلو من ظلال تلك الخلفيات والمحصلات، لذلك ستكون على مستوى وكيلي الخارجية في البلدين مع فريق فني ومتخصصين من الأكاديميين، إلى حين صياغة بنود اتفاقية استراتيجية مقبولة. فالطرف العراقي في وضع لا يُحسد عليه وهو يعيش في أزمة مالية غير مسبوقة وقد لا يتمكن من دفع رواتب موظفي الدولة، بل وصل إلى حد مفاتحة أطراف خليجية للاستدانة منها في مقدمها السعودية، التي زارها وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي، داعياً إلى فتح صفحة جديدة مع بغداد وفتح أبواب الاستثمار على مصراعيها أمام المستثمرين السعوديين، الذين لم يدخروا جهداً، حين أرسلوا سابقاً وفوداً اقتصادية لإعانة العراق، لكنهم وجدوا بيئة أمنية يصعب العمل فيها. فالاقتصاد العراقي المنهار أصلاً زاده فيروس كورونا تفاقماً، إضافة إلى تداعي أسعار النفط وصولاً إلى الانهيار الشامل. وهذه عوامل يدركها جيداً البنك الدولي والأجهزة الأميركية المتخصصة قبل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ووزير ماليته.

مطالبات متوقعة لاسترجاع الأموال ووقف الفساد

سيواجه المفاوض العراقي طرفاً دولياً يعرف خلفيات الظواهر التي يعيشها العراق، وتتعلق بمآلات الحكم فيه وحجم ونوع الفساد الذي هو أكثر بكثير من الـ 250 ملياراً المفقودة من موازنات الحكومات المتعاقبة، التي أعلن عنها وزير المالية العراقي رسمياً، هذا الأسبوع، وقد ورثها رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي من سلفه عادل عبد المهدي ومَن سبقه. سيقول المفاوضون الأميركيون لهم حتماً: استرجعوا أموالكم من السارقين، فهم بين ظهرانيكم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما طالبهم العديد من الكتاب العراقيين بأن يحذوا حذو ما قام به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشجاعة، باسترجاعه أموال الشعب السعودي من نافذين، فيقوم الكاظمي بتكليف جهاز مكافحة الإرهاب باحتجاز أسماء محددة من السياسيين أصحاب الثروات المتضخمة وإيداعهم في فندق بابل أو الرشيد ومطالبتهم باسترجاع المليارات التي جُمعت من المال العام العراقي.

ودعا الكاتب حميد قاسم، الكاظمي إلى التحلي بالشجاعة والقيام بهذه المهمة على الفور كي يثبت مسؤوليته عن هذا الشعب وإدارة أمواله، التي يتحدث عنها الجميع علناً، حيث تضم لجان النزاهة وديوان الرقابة المالية ملفات وتقارير عنها تكشف المتورطين فيها.

وهناك أيضاً مشكلة التلكؤ في بناء جيش عراقي قوي على الرغم من الموازنات الضخمة التي تُقدر بأكثر من ‎20 في المئة من الموازنة العامة السنوية، التي كانت تزيد على مئة مليار دولار في السنوات التي سبقت 2020.

إشكالية وجود القوات الأجنبية

الإشكالية المهمة أيضاً التي ستواجه الحوار الاستراتيجي بين الدولتين، هي عدم قدرة العراقيين على اعتياد وجود قوات أجنبية على أراضيهم، حيث تدرك الولايات المتحدة أن وجودها العسكري مقابل ذلك الثمن الباهظ الذي دفعته جراء غزو العراق عام 2003، لن يمر بسهولة على حد وصف مراقبين أميركيين.

من هنا، فإن الولايات المتحدة عندما تفاوض الطرف العراقي "لا تراه في عين حكومة الكاظمي إنما في عين المنظور الاستراتيجي الأبعد الذي قد يسبب لها مشكلات"، على حد قول الباحث محمود الهاشمي.

قناعات عراقية وليدة اليأس

وثمة قناعة عراقية تولدت نتيجة التعامل المتواصل بين الطرفين بأن الولايات المتحدة تريد الحد الأدنى من ضمان حقوقها وحقوق أصدقائها في منطقة الشرق الأوسط، فالاتفاق المقبل لن يُلمس منه ما ينفع العراقيين في أي مجال كان، على حد وصف الهاشمي. فالشركات الشرقية وعلى وجه الخصوص الصينية تتقبل الكثير من تداعيات العمل بمرونة، مقارنةً بالشركات الغربية التي توصف عراقياً بـ "البيروقراطية" ولا تتفاعل مع الواقع المحلي، وهذا يجعل المفاوض العراقي غير متحمس للتفاعل معها، على حد وصف سياسي عراقي نافذ.

حوار أم صراع؟

وعلى الرغم من كل هذه المعيقات والتداعيات، فإن الأميركيين لم يطلبوا مراجعة اتفاقية الإطار الاستراتيجي السارية الآن، بل البدء بحوار استراتيجي ولم يضعوا له أي محددات، لكن المرجح أنه سيتمحور حول ضمان وجود القوات الأميركية، وسيكون حواراً مفتوحاً ومعقداً، بفعل عدم استقلالية القرار العراقي والإملاءات الإيرانية المتوقعة.

وهناك رأيان في الولايات المتحدة حول موضوع العراق، وفق ما يؤكد لـ"اندبندنت عربية" الدكتور منقذ داغر، وهو باحث غير مقيم في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن. ويوضح أن "الرأي الأول تدعو إليه مجموعة باحثين في مراكز الأبحاث القريبة من دوائر صنع القرار، ومفاده أن العراق سقط في قبضة الهيمنة الإيرانية وعليه ينبغي الانسحاب منه والتعامل معه بطرق أخرى غير المتبعة حالياً".

أما الرأي الآخر فتمثله وزارتا الخارجية والدفاع ومفاده أن في العراق مصالح استراتيجية للولايات المتحدة لا ينبغي تركها أو تجاهلها، بل ينبغي تطويرها، ولا يجب ترك بلد مهم في الشرق الأوسط بيد إيران، وإن كانت "نافذة فيه".

قطعاً، سيكون الحوار الاستراتيجي بنظر العراقيين فرصةً لاستمالة دولة قوية يمكن أن تقدم الكثير من المساعدات اللوجستية والعلمية والعسكرية، بعدما جربوا فاعليتها أيام احتلال "داعش" لأراضيهم. فثمة أصوات عاقلة، تؤمن بأن العراق غير قادر على الوقوف على قدميه بعد حروب طويلة خاضها وفي ظل نقمة شعبية عارمة على الفساد ورموزه.

المطالبة بعدم حصر الحوار على القواعد

في هذه الأثناء، دعا مفكر بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن هو البروفيسور أنتوني كوردزمان إلى وضع استراتيجية للتعامل مع العراق، بدلاً من الخطأ المتكرر للإدارات الأميركية المختلفة.

 ويؤكد مراقبون أن "كوردزمان يدعو إلى استغلال فرصة الحوار الاستراتيجي الذي اقترحه الوزير بومبيو لرسم مثل هذه الاستراتيجية". ويضيف من خلال دعوته، أنه "يجب ألا يقتصر هدف الحوار على الشق العسكري المتمثل بوجود القوات الأميركية، بل أيضاً معالجة آثار كورونا على الاقتصاد العراقي. وتحقيق هذين الهدفين مهم جداً لخلق علاقة استراتيجية طويلة الأمد بين البلدين. إن أول مشكلة ستواجه هذا الحوار هي ما قاله بومبيو عن اهتمام أميركا بالحد من تنامي قوة الحشد الشعبي وضغوطه لإخراج القوات الأميركية من العراق. لكنه ينبه أن مثل هذا الحوار الاستراتيجي مع العراق أشبه بحوار مع أشباح بسبب ما تعانيه الحكومة العراقية حالياً من سيطرة الميليشيات على البلاد، وبالتالي لا يجب دعم أي حكومة عراقية لا تلتزم بنهج غير طائفي يساعد على عدم عودة داعش".

لكن كثيراً من المتشككين بجدوى الحوار يظنون أن لدى الولايات المتحدة خطة أخرى غير منظورة. فهي تلقي بآخر حبل نجاة للعراق وقيادته الحالية لتمنحها ستة أشهر في السلطة، وهي ترى في رئيس الحكومة الجديد القدرة على لجم ميليشيات إيران المتحكمة بمفاصل للدولة، وأن تعيد الأسلحة بكل أنواعها إلى الدولة، وتحافظ على حياة العاملين في البعثات الدبلوماسية والقواعد التي تعمل بعقود واضحة مع الدولة العراقية، وأن تؤدي دورها في إجراء انتخابات عادلة يقبل بها الشعب العراقي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل