Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلافات مكونات "قوى الحرية والتغيير" تربك المشهد السياسي السوداني

سيناريوهات ومآلات الأوضاع في السودان بعد ضعف الهيئة الحاضنة للحكومة الانتقالية

عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي يعاين أسلحة مضبوطة كانت تُستخدم في ترويع المواطنين في جنوب دارفور (مواقع التواصل)

يشهد الوضع السياسي في السودان حالة ارتباك وتوتر بين القوى السياسية المنضوية تحت مظلة "قوى الحرية والتغيير"، الحاضن السياسي للحكومة الانتقالية السودانية، بسبب اختلاف وجهات النظر حول الهيكل التنظيمي لهذا الحاضن، ما أدى بحسب سياسيين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، إلى اعتلال وضعف الأداء الحكومي، فيما توقع آخرون نشوء تحالفات سياسية جديدة قد تطيح الوثيقة الدستورية التي وقعها المكونان العسكري والمدني اللذان يحكمان المرحلة الانتقالية، في 17 أغسطس (آب) 2019.


إعادة هيكلة
 

في هذا الشأن، رأى رئيس المكتب السياسي لـ"حزب الأمة القومي السوداني" محمد المهدي أن "ما يحدث الآن من تحرك على مستوى الأحزاب في البلاد، جاء كرد فعل للهزة التي أحدثها حزب الأمة بإنذاره المبكر للأوضاع المتردية بخاصة في جانبها السياسي، الذي لم يرتق إلى طموحات وشعارات الثورة الشعبية التي أطاحت النظام السابق. الجميع كان يأمل في أداء أفضل مما هو عليه على كل المستويات، ولهذا السبب بدأت الأحزاب المختلفة تتسابق في طرح رؤيتها وتتحدث عن ضرورة مراجعة الأداء، ما يؤكد نظرتنا الثاقبة ونقدنا البنّاء الهادف إلى الإصلاح لتستقيم الأوضاع بالصورة المطلوبة". وأضاف محمد المهدي أن "رؤيتنا تنطلق نحو تطوير أجهزة ومؤسسات قوى الحرية والتغيير والعمل على إعادة هيكلتها لتقوم بمسؤولياتها كحاضنة سياسية ومنظومة حاكمة، لأن المشكلة الحقيقية هي أنه على الرغم مما حدث من تغيير، إلا أننا لم نستطع الانتقال بفكرنا من جانب المعارضة إلى جانب الحكم، كما أن البعض ترك مواقعه وآثر عملية التمكين، وكأن شيئاً لم يحدث، وهذا ما أدى إلى التراجع الواضح في المنظومة السياسية". 
ولفت إلى أن النقاشات التي تدور بين القوى السياسية أظهرت أن هناك اتفاقاً حول ضرورة الإصلاح، مقابل اختلاف في الوسائل المتبعة، حيث ترى الأحزاب المنضوية داخل "قوى الحرية والتغيير" أن تتم هذه المناقشات والإصلاحات داخل الجهاز المركزي، بينما يعتقد حزب الأمة أن هناك اعتلالات واضحة يصعب علاجها داخل الجهاز المركزي لتلك القوى.
 


مراجعة الأداء
 

وأشار رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة إلى حدوث شبه إجماع حول الذهاب إلى مؤتمر عام يضم أحزاب "قوى الحرية والتغيير" ومجلسَي السيادة والوزراء لمناقشة مجمل القضايا محل الاختلاف في وجهات النظر، والتوصل من خلال الحوار إلى المراجعات المطلوبة لترقية الأداء بشقَيه السياسي والاقتصادي. وأوضح أن هناك توجّهاً لتوسيع المشاركة السياسية من خلال ضم القوى التي شاركت في الثورة ولم توقع على "إعلان الحرية والتغيير"، وقوىً أخرى وقعت على الإعلان ولم تشارك في الثورة.

وزاد المهدي أن "الاتجاه حالياً هو نحو دعم وحدة الصف وليس شقه، خصوصاً أننا على بعد خطوات من توقيع اتفاق السلام، الذي ستشارك بموجبه الحركات المسلحة في أجهزة الحكم المختلفة، ما يقتضي مراجعات شاملة وإعادة هيكلة ضمن ما هو متفق عليه، وهذه هي رؤية الأحزاب المسؤولة التي تنظر نظرة بعيد من منطلق خبرتها وتمرسها في العمل السياسي، بينما ترى الأحزاب الصغيرة والناشطون السياسيون غير ذلك".

وأشار إلى أن "حزب الأمة لن يتحالف مع فلول النظام السابق، وأي اتهام من هذا القبيل مردود عليه، لأن حزب الأمة من أكثر الأحزاب شراسة في معارضة نظام (الرئيس السابق عمر) البشير البائد، وتصدى له من أول يوم حكم البلاد حتى آخر يوم من سقوطه، ولم يحدث أن هادن أو تنازل عن مواقفه التي ظلت ثابته طيلة فترة الـ30 سنة الماضية"، مؤكداً أن "مسألة عدم مشاركة حزب المؤتمر الوطني المنحل في فترة الحكم الانتقالي محسومة بموجب الوثيقة الدستورية، وبالتالي لا داعي للمزايدة في هذا الخصوص".
 


وحدة الصف

في سياق متصل، أوضح عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي صديق يوسف، أن الحزب يدعم وحدة الصف داخل "قوى الحرية والتغيير"، وحريص على عدم حدوث انقسامات "لأنها ستضعف الموقف الوطني"، ويبذل من أجل ذلك "جهوداً كبيرة تصب في خانة الإجماع الوطني"، لافتاً إلى أن حزبه يتحرك في مسارين، الأول عبر لجنة تقود حواراً مع حزب الأمة القومي لثنيه عن موقفه بتجميد نشاطه في قوى الحرية والتغيير، بينما يتمثل المسار الثاني بقيادة حوار مع كل القوى السياسية لضمان التماسك ووحدة الصف.

ويعتقد أن حدوث اتفاق وتفاهم سياسي بين أحزاب "قوى الحرية والتغيير" وارد، لأن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، خصوصاً أن "الخلافات القائمة تتمحور حول مسائل تنظيمية ليس فيها مواقف سياسية، وفي نظرنا فإن أنسب آلية لمعالجة هذه القضايا هو الحوار ونقاش نقاط الخلاف بكل شفافية ووضوح"، معرباً عن تفاؤله بتجاوز هذه الخلافات بالسرعة المطلوبة، في ظل قلة الاتصالات بسبب الحالة الصحية المتعلقة بكورونا.
وقلل عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي من "الإشاعات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي والتي تسعى إلى تعميق الخلافات بين القوى الوطنية"، معتبراً أنها "معلومة المصدر والهدف، لذلك لن تجد التأثير لدى عامة الناس لما يتمتعون به من وعي".

واستبعد حدوث تحالفات سياسية جديدة أو أي عمل مشترك يجمع أياً من مكونات قوى الحرية والتغيير والحركة الإسلامية، لافتاً إلى أن "عزل هذه الحركة سياسياً محمي بالوثيقة الدستورية، وعودتها إلى المسرح السياسي مجرد أحلام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تعقيدات وتحالفات

في المقابل، اعتبر أستاذ العلاقات العامة في الجامعات السودانية الدكتور النور جادين أن "السودان يشهد مخاضاً سياسياً عسيراً تعقبه حقبة النظام السياسي الذي يُفترض أن يُعد الملعب السياسي لتنظيم انتخابات حرة تنتج منها حكومة مدنية منتخبة"، لافتاً إلى "وجود تعقيدات وإعادة تشكيل تحالفات قد تطيح تصور الوثيقة الدستورية التي أفرزتها الثورة الشعبية واشتركت فيها كل القوى السياسية المهنية التي صنعت الثورة". وأضاف جادين أن "من أولى هذه العقبات أن القوى التي كانت تحمل السلاح وساهمت في صناعة الثورة والتغيير لم تجد حصتها في كعكة الحكومة الانتقالية ما جعلها ترفع مطالبها وتوجه أحياناً تهديدات مبطنة بالعودة إلى حمل السلاح الذي لم تضعه جانباً بعد، أو استخدام ورقة الضغط المتمثلة بالمطالبة بالحكم الذاتي لجنوب كردفان (جبال النوبة)، وجنوب النيل الأزرق ودارفور وشرق السودان".
ونوّه إلى أنه "نظراً إلى عجز الحكومة الانتقالية في حسم ملفات عدة مثل الوضع الاقتصادي والسلام ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووقف التضخم، وتوفير معاش الناس، ومحاربة كورونا، وغيرها من الملفات بدأت بعض مكونات الحرية والتغيير الحاضن السياسي للحكومة الانتقالية البحث عن حلفاء مستقبليين بخاصة أن الانتخابات تحتاج إلى ترتيبات وتحالفات مبكرة".
 

اتفاقيات سياسية

وأشار الأستاذ الجامعي السوداني إلى أن "ما شجّع هذه المكونات مثل حزب الأمة والحركات المسلحة وحزب المؤتمر السوداني وقوى أخرى هو إحساسها بأن الشارع السياسي بدأ ينقسم تجاه الحكومة، بل بدأت تحركات وتظاهرات ضدها، فضلاً عن ضغوط الشارع للمطالبة بالقصاص لدم شهداء الثورة، فيما لا تستطيع الحكومة وحاضنها السياسي فعل ذلك لأن مَن ارتكب جريمة قتل المتظاهرين هم شركاء الحكم الآن، وعملياً لا يمكن توجيه اتهام إلى بعضهم مثل قائد قوات الدعم السريع (محمد حمدان دقلو، حميدتي)، ورئيس مجلس السيادة (عبد الفتاح البرهان)". واعتبر أن "ضعف قوى الحرية والتغيير وحكومتها دفعا حتى بعض مكوناتها إلى البحث عن حلفاء، مثل تقارب المؤتمر السوداني وحزب الأمة. كما أن هناك مسألة هامة جداً هي القوى الخارجية من دول الجوار والدول الكبرى التي تسعى إلى التأثير في تشكيل الجسم السياسي الذي سيحكم السودان في المرحلة المقبلة".

وتابع أنه "من المستبعد في الواقع السياسي السوداني الحالي حدوث انقلاب عسكري بحماية الثوار وإلى حد ما قوات الدعم السريع، لكن من غير المستبعد الانقلاب السياسي وتشكيل حكومة جديدة تتغير بعض مكوناتها السياسية وتضم حاملي السلاح وحزب الأمة والمؤتمر السوداني وممثلين للثوار، بمباركة دول الإقليم وبعض الدول الكبرى، وبقبول الشارع".
ولفت إلى أن اقتراب موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين في أقل من سنة يجعل المكون العسكري قلقاً على مستقبله لأنه قد يفتح الباب لتقديم العسكريين الذين شاركوا في فض الاعتصامات، إلى المحاكمات، ما يجعل بعضهم يبحث عن أي خيار آخر من خلال اتفاقيات سياسية جديدة تلغي الوثيقة الدستورية وتخلق معادلات دستورية وتحالفات سياسية جديدة تساهم في التوصل إليها ضغوط الحركات المسلحة وبعض القوى الإقليمية".

المزيد من العالم العربي