"الطرق يصنعها المشي"، مثلٌ سارت عليه النساء في موريتانيا للوصول إلى تمثيلهن السياسي في مجتمع ذكوري محافظ. فعلى مدى ستة عقود من النضال استطاعت المرأة الموريتانية أن تضع بصمتها في الواقع السياسي، خصوصاً أن النساء في موريتانيا يحظين الآن بشعبية جارفة أوصلتهن إلى البرلمان والحكومة.
أول وزيرة خارجية عربية
في العام 2009، فوجىء الموريتانيون بتعيين أول سيدة على رأس ديبلوماسية بلادهم. لكن الحقيقة أن الوزيرة ألناها منت حمدي ولد مكناس لم تفاجئ الموريتانيين وحدهم، بل نبهت العالم العربي إلى حقيقة دور المرأة الموريتانية. ومنذ ذلك التاريخ استطاعت النساء الموريتانيات رفع سقف طموحهن السياسي، فزاد تمثيلهن في الحكومة، واستطعن عبر الضغط السياسي خلق آلية لضمان تمييز إيجابي نتجت منه كوتا تفرض لهن حصة بلغت 20 في المئة في البرلمان والمجالس الجهوية.
إلا أن هذا الواقع يعتبره الباحث السياسي عبيد أيميجن شكلياً، ويرى أنه حصيلة "تفاهمات" بين السياسيين دفعت بالمرأة الموريتانية إلى صدارة المشهد السياسي. "لكن الطبيعة الشكلية لهذه العملية عززت حضور المرأة داخل مواقع اتخاذ القرار من دون أن ينعكس ذلك على مستوى المضمون والجوهر".
هذا الطرح تتفق معه الصحافية الموريتانية الزهراء حمود، التي تعتبر أن مشاركة المرأة السياسية "لا تزال دون المستوى مقارنة بحجم مشاركة الرجل. فالنساء داخل الأحزاب مجرد صورة لا أكثر، باستثناء الوزيرة ألناها منت حمدي ولد مكناس رئيسة حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، ولالة منت أشريف رئيسة حزب الحراك الشبابي".
النساء في البرلمان ولكن...
لم يعد مشهد مساءلة برلمانية موريتانية لوزير في الحكومة الموريتانية يستدعي انتباه الموريتانيين. فالبرلمان الحالي المُنتخب، في سبتمبر (أيلول) الماضي، تمثلت فيه النساء بنسبة 19.7 في المئة. إذ تحتل السيدات 31 مقعداً من أصل 157. وتُقدم البرلمانيات أسئلتهن الشفوية والمكتوبة إلى أعضاء الحكومة ويقدن لجان المناصرة الخاصة بالأم والطفل، ويقدمن مشاريع القوانين ليقرّها البرلمان.
إلا أن الوزيرة السابقة والبرلمانية الحالية فاطمة منت خطري ترى أن "تمثيل المرأة في البرلمان اليوم دون المستوى كمياً على الأقل، إذا نظرنا إلى نسبتها ديمغرافياً وإلى أهداف الألفية، التي كانت ترسم هدف 33 في المئة في أفق العام 2015".
وتذهب منت خطري أبعد من ذلك، معتبرةً أن هذا الواقع "لا يمكن أن يمثل الطموح ولا الأهداف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكثيراً ما تُوجه اتهامات إلى البرلمانيات بعدم مناصرة مشاريع قوانين معنية بحقوق المرأة، كمشروع "قانون العنف ضد النوع"، الذي أثار جدلاً كبيراً في موريتانيا على اعتبار أنه يحوي موادَّ مخالفة للشريعة الإسلامية.
يقول أيمجين إن "مشروع القانون رُفض بالإجماع داخل البرلمان، لأنهن صوّتن سلباً ضده".
ثماني وزيرات
تتولى المرأة الموريتانية حالياً ثماني حقائب وزارية، من أصل 24، وهي حقائب التعليم وشؤون المرأة والتجارة والزراعة والأمانة العامة للحكومة والشباب والرياضة والتجهيز والنقل. لكن أيمجين يعتبر أن المرأة الموريتانية "لا تقارن بمثيلاتها في الجارة الجنوبية، أي السنغال". ويضيف "تبوأت المرأة الموريتانية وظائف سامية وحساسة كوظيفة الوزيرة والوالي والسفيرة، لكن هذا لا يقارن بالسنغال التي تتعزز فيها مكانة المرأة باطراد، حتى تبوأت منصب الوزير الأول. مع ذلك، تعد موريتانيا ريادية مقارنةً بجارتيها الشماليتين الجزائر والمغرب".
مرشحة رئاسية
مع انطلاق العد التنازلي لإعلان أسماء المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة في يونيو (حزيران) المقبل، ينتظر المراقبون إعلان سيدة موريتانية ترشحها إلى الانتخابات. والحقيقة أن المرأة الموريتانية شاركت منذ بداية الألفية في منافسة الرجال على مقعد الرئاسة. إذ ترشحت في العام 2003 السياسية الموريتانية عيشة منت جدان إلى الانتخابات، وبذلك تكون أول امرأة عربية طمحت إلى هذا المنصب.