في مرحلة تتغير فيها معالم الأنظمة السياسية، عالمياً، لا يزال لبنان يدفع فواتير اقتصادية متأخرة عندما تحولت البلاد إلى حديقة خلفية وواجهة تجارية لشراكة النظام السوري وحلفاء إيران، بما عرف مؤخراً "السوق المشرقية"، التي تربط بيروت ودمشق وطهران.
مصارف لبنانية
ومؤخراً ونتيجة الخلافات المالية بين الرئيس السوري بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، حيث اتخذ قرار بتفكيك إمبراطوريته المالية. أشارت معلومات إلى أن كثيراً من المؤسسات المرتبطة بمخلوف في لبنان باتت على حافة الانهيار والإفلاس، وبعضها سيقفل أبوابه في الأشهر القليلة المقبلة. ووفق وثيقة أصدرتها وزارة المال السورية، تبين أن لمخلوف أسهماً في 12 مصرفاً ومؤسسة مالية خاصة في سوريا، بينها ستة مصارف لبنانية عاملة فيها، هي: بنك عودة سوريا BASY، بنك بيبلوس سوريا BBS، بنك سوريا والمهجر BSO، فرنسبنك سوريا FSBS، بنك الشرق (تابع للبنك اللبناني الفرنسي) SHRQ وبنك سوريا والخليج SGB، ما آثار مخاوف كبيرة من تأثيرات قد تطال الاقتصاد اللبناني.
لا تبعات مباشرة
وفي هذا السياق، طمأن البروفيسور في الاقتصاد جاسم عجاقة إلى عدم وجود أي تبعات اقتصادية على لبنان جراء الحجز الاحتياطي الذي أعلنه النظام السوري على أسهم مخلوف، كون النظام المصرفي اللبناني مفصول كلياً عن النظام المصرفي السوري لناحية المصارف التي أخذت مؤونات بكامل مساهمتها في المصارف السورية. ولفت إلى أن الفصل بين المصارف اللبنانية العاملة في سوريا ومؤسساتها الأم في لبنان تم منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، معتبراً أنها كانت خطة استباقية منسجمة مع المعايير الدولية وتجنباً لاستجلاب تبعات عقوبات قد تفرض على النظام السوري.
أزمة جديدة للبنان
من جانبه اعتبر المعارض رئيس المكتب السياسي لجبهة الإنقاذ الوطني في سورية الدكتور فهد المصري أن "رئيس النظام السوري بشار الأسد استخدم ابن خاله رامي مخلوف كواجهة له لإدارة قسم مهم من الأموال السورية المنهوبة عبر توظيفها في العديد من المشاريع والاستثمارات داخل وخارج سوريا، حيث كانت عائلة مخلوف الصندوق المالي لعائلة الأسد لسنوات طويلة. ولكن بعد وفاة أنيسة مخلوف، والدة الأسد الابن، بدأت هذه العلاقة بين عائلة مخلوف وبشار تتراجع تدريجاً أمام تصاعد نفوذ حيتان جدد على الساحة السورية، وهم من عائلة الأخرس عائلة أسماء زوجة بشار الأسد".
ولفت إلى أن أموال مخلوف المحجوزة هي في الأساس عائدات بيع النفط والغاز والتي لا تدخل في الموازنة العامة للدولة، بحجة أن "سوريا دولة مواجهة مع إسرائيل وأن 70 في المئة من العائدات مخصصة للجيش والدفاع ولكنها في الواقع كانت تخزن في البنوك اللبنانية والسورية"، مشيراً إلى أن عمليات نهب الاقتصاد السوري ليست جديدة، لكنها ظهرت على السطح الآن نتيجة الخلاف على استعادة الأموال المنهوبة لشعور الأطراف المسيطرة على السلطة باقتراب نهايتها مع اقتراب تنفيذ قانون قيصر".
وأضاف أن "الحجز اليوم على نسبة الأسهم التي يمتلكها مخلوف في عدد من البنوك اللبنانية والعربية تعني أن لبنان بات على موعد جديد مع تأزم إضافي في وضعه الاقتصادي"، مشيراً إلى أن "الأزمة الاقتصادية في لبنان سببت خسائر فادحة ومشكلات عميقة وكبيرة لمئات التجار ورجال الأعمال السوريين"، مؤكداً أن رجال الأعمال والتجار السوريين كانوا الشريك الأهم للبنوك اللبنانية، لأن بيروت كانت المتنفس المصرفي الوحيد للسوريين طيلة حكم حافظ الأسد.
وتوقع أن يتجه الوضع الاقتصادي في سوريا ولبنان نحو الانفجار، "وسنرى الملايين من السوريين واللبنانيين في الشوارع احتجاجاً".
شكوى في واشنطن
يكشف السياسي السوري كمال اللبواني، أن العديد من الشركات والمؤسسات اللبنانية هي واجهة لمخلوف، وهي لطالما عملت منذ الوجود العسكري السوري في لبنان على اختراق النظام المصرفي اللبناني وتحويل الأموال إلى الخارج، وبالتالي اختراق النظام المصرفي الدولي.
ووفق اللبواني، فإن معظم تلك الأموال "مصدرها تجارة مخدرات وجرائم قتل وتصفيات وغيرها من الأعمال الإجرامية"، متوقعاً أن تكشف كل تلك الحقبة السوداء من خلال قانون "قيصر" الذي بات على مقربة أيام من تنفيذه.
وكشف أنه بصدد التحضير للإدلاء بشهادات حول الفساد اللبناني السوري المشترك أمام الكونغرس الأميركي، والدفع باتجاه حجز الأموال المنهوبة من الشعبين، معتبراً أن النظامين شريكان، وانهيار أحدهما يعني انهيار الآخر، مؤكداً أن رزمة كبيرة من العقوبات ستطالهما خلال الأشهر القليلة المقبلة.
شأن سوري داخلي
في المقابل، يعلق مصدر قيادي لبناني في حزب البعث العربي الاشتراكي، رفض كشف اسمه، على وثيقة الحجز الاحتياطي بأنها شأن داخلي سوري وأن القضاء السوري يحقق في العديد من ملفات الفساد التي تطال شخصيات عديدة وليس مخلوف وحده، بهدف استعادة الأموال المنهوبة. واعتبر أن "بعض المصطادين في الماء العكر يريدون استغلال المسار القضائي والإصلاحي الذي يقوم به الرئيس الأسد ومحاولة وضعه في إطار صراع إيراني روسي على بقائه"، مؤكداً أن كل هذه الأخبار المتداولة غير صحيحة.
في المقابل، تشير المعلومات إلى أن الأسد اتخذ قرار "سحب البساط" من تحت مخلوف بعدما بدأ يلعب أدواراً سياسية، وانتقل إلى دعم رجل الأعمال الملياردير سامر فوز الذي حصل على الجنسية اللبنانية في ظروف شائكة منذ عامين تقريباً، وتردد حينها أنها كانت بإيعاز من الأسد إلى حلفائه اللبنانيين.
وتضيف المعلومات أن فوز بدأ بتوسيع أعماله على الساحة اللبنانية.
رد مخلوف
رامي مخلوف كان أكد تلقيه ما وصفه بكتاب رسمي من السلطة يحرمه من التعاقد مع أي جهة تابعة للدولة، لمدة خمس سنوات. وأطلق ابن خال الأسد، تهديداً في منشوره الأخير الذي أكد فيه القرار بحجز احتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة وأموال زوجته وأولاده، جاء فيه "فأرِهم فعلكَ، يا ألله، فقد حان موعد ظهوره. فقد قلتَ إن لله رجالاً، إذا أرادوا، أراد". ولم تعرف هوية "الرجال" الذين جاء على ذكرهم مخلوف.
الحزب السوري القومي الاجتماعي
وتشير المعلومات إلى أن أولى مظاهر الخلاف بين الأسد ومخلوف ترجمت عبر قرار المحكمة العليا السورية بحل الحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث رصد الأسد معلومات عن زيادة مخلوف تمويله لهذا الحزب، ليكون جاهزاً على الساحتين اللبنانية والسورية للعب أدوار سياسية. كما أن انقسام الحزب في فرعه اللبناني يعود إلى الصراعات الحاصلة بين الأجنحة المؤيدة للأسد والأخرى التي باتت تدين بالولاء لمخلوف.