Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سيغير الوباء والاقفال التام وجه العالم التجاري؟

كلام عن إعادة تنظيم عميقة وطويلة الأجل للاقتصاد في أعقاب الأزمة

لقد تأثر اقتصادنا فعلياً بجائحة "كوفيد 19"، ونكاد نواجه اليوم أسوأ ركود في تاريخ المملكة المتحدة، ومن المؤكد أنه ناجم عن حالة الاقفال التّام غير المسبوقة التي فرضها علينا المرض المستجدّ. إنها ليست سوى البداية، وما ينتظرنا بعدها أمرّ!

ثمة كلام كثير عن احتمال خضوع اقتصاد البلاد لعملية إعادة تنظيم أعمق على المدى الطويل، ولنقل إنها تغيرات جذرية في طُرُق عملنا، وتشغيلنا الشركات وتجارتنا مع العالم كله. وقد يستحيل على "اندبندنت" أن تحدّد بكلّ ثقة معالم الاقتصاد البريطاني الجديدة بعد جائحة كورونا، لكن بوسعها حتماً أن تكشف لكم بعضاً ممّا قد يُخبئه المستقبل.

 

هل سيُودّع الموظفون مكاتبهم للأبد؟

لقد بات "العمل من المنزل" أمراً شائعاً في أثناء الاقفال التام. ويرى بعض المحللين أنّ عودة الكثير منّا إلى مكاتبهم ستكون "موضع شكّ كبير".

 لماذا؟ لأنّ الاقفال التّام شكّل دليلاً قاطعاً على إمكانية نجاح مفهوم العمل الجماعي من المنزل. ففي إطاره، سيشعر الموظّفون وأرباب العمل على السّواء براحةٍ أكبر. وبفضله، ستتمكّن الشّركات التي تُعاني ضائقة ماليّة من خفض جزء من تكاليفها الثابتة المرتفعة التي تأتي على شكل بدلات إيجار للمكاتب. وكذلك يمكن لمتطلبات التّباعد الاجتماعي الجديدة في أماكن العمل أن تمنح المديرين سبباً إضافياً للاستمرار في تجربة العمل من المنزل.

وبرأي برنارد لوني، رئيس شركة "بي بي" (BP)، سينمو العمل عن بُعد بقوّة، وسيقضي على الحاجة إلى التنقل من أجل العمل، الأمر الذي سيؤثر بشكل جوهريّ في أسعار النفط العالمية. "هل سيبلغ إنتاج النفط ذروته؟ ممكن. لا أستبعد ذلك أبداً"، حسب لوني.

 

هل سيستعين البريطانيون بوسائل نقل جديدة؟

تُسهم استراتيجية الحكومة الرامية إلى تخفيف إجراءات الاقفال والحجر الصحي في حثّ المواطنين العائدين إلى أعمالهم بعد انقطاع، على تجنّب استخدام وسائط النقل العام كلما أمكنهم ذلك.

وفي المقابل، يعتقد البعض أنّ هذه الاستراتيجية ستكون أكثر استدامة، بمعنى أنّها قد تستمر فترة أطول من المتوقع. وحسب استطلاع أصدرته شركة "سيسترا" (Systra) الاستشارية في مجال النقل الشهر الماضي، يرى خُمس الشّعب البريطاني أنّ القيود المفروضة حاليّاً على التنقلات ستُخفّف من نسبة استخدام وسائل النقل العامة حتى بعد انتهاء الجائحة، إذ يخشى نصف هؤلاء على نفسه من المرض، وينوي ربعهم الاستمرار في تجربة العمل عن بُعد، ويبحث سُدسهم عن وسيلة نقل بديلة.

وقد تُوحي نتائج الاستطلاع المذكور بأنّ السيارات ستكثر في الطريق. لكن الأمر غير وارد بالنسبة إلى أمين مجلس الوزراء السّابق، اللورد أودونيل، الذي يرى أن الأشخاص الذين يُقدّرون تراجع مستويات التلوث نتيجة الاقفال التام سيُطالبون بفرض حظر تجوّل على السيارات في أيام محددة.

"لقد حقّقنا تجربة طبيعية غير متوقعة"، يوضّح أودونيل، "في الماضي، تساءل (ماذا لو لم يكن هناك سيارات؟) أمّا الآن وقد رأوا ما حدث بأمّ أعينهم، وتأثروا به، فقد تكون هذه فرصتهم الذّهبية لإدخال تغيّرات أكثر جذرية على سلوكياتهم".

 

هل ستمسي السوق الإلكترونية سيّد قطاع التجزئة؟

عانت السوق البريطانية أزمة كبيرة قبل تفشي فيروس كورونا، ومردّ ذلك بشكل جزئي إلى طفرة قطاع البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، إذ بلغت المبيعات الإلكترونية أواخر العام الماضي خُمس إجمالي مبيعات التجزئة، وفق "مكتب الإحصاءات الوطنية".

ويظنّ البعض أنّ الاقفال التام سيُسرّع وتيرة هذه العملية، بعدما زاد الطلب على خدمات التّوصيل الإلكترونية بشكلٍ مهول. ومع عودة المملكة المتحدة إلى "الحياة الطبيعية" تدريجياً، يتوقّع أحد الاستشاريين، أن لا "يتخلّى المستهلكون سريعاً عن العادات الشرائية التي اكتسبوها في أثناء الاقفال التام". وبصريح العبارة، يعني ذلك أنّ الحاجة إلى العمالة ستقل في المتاجر والمراكز التجارية، وتكثر في مراكز التوزيع والتوصيل. وخير مثل على ذلك إقدام "أمازون" كبرى الشّركات العاملة في مجال قطاع التجزئة الإلكتروني، على ضم 100 ألف موظف إضافي إلى صفوفها في أثناء فترة الاقفال التام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

هل أصبح قطاع الطيران في خبر كان؟

لقد تأثرت حركة الرحلات بغرض العمل شر تأثر بإجراءات الاقفال التام والحظر المفروض على السفر، ويفترض البعض أن هذا الأمر سيُغيّر سلوكيات القطاع على المدى الطويل.

 ومن وجهة نظر الفيلسوف جوليان باغيني، "من المرجّح أن يُسهم الوضع الراهن في زيادة وعي الناس وقدرتهم على التمييز بين الاجتماعات التي تستدعي حضورهم الشخصي، وتلك التي تتحقق بمكالمة جماعية سريعة وسهلة ومتدنية التكلفة".

ويردف، "إن انكباب الموظفين على استخدام وسائل العمل عن بُعد مثل تطبيق (زوم)، على مدى أسابيع، عوّدهم عليها. بالتالي حتى لو عاودت معظم رحلات الأعمال نشاطها، فإن هبوط معدلاتها لا مفر منه، ما دام أن نسبة كبيرة منها لا تزال خارج الخدمة".

وعلى نحوٍ مُشابه، تتوقع معظم مجموعات الطيران، عدم ارتفاع الطلب على النقل الجوي بعد تخفيف إجراءات الاقفال التام، ما دام الركاب والمسافرون يخشون على سلامتهم على متن الطائرات، وما دام التباعد الاجتماعي جزءاً أساسياً من المتطلبات التنظيمية الجديدة للقطاع.

وقد سبق لغيليوم فوري، الرئيس التنفيذي لشركة "آيرباص"، أن حذّر من ذلك الشهر الماضي، إذ قدّر احتياج الناس إلى ما "بين ثلاث وخمس سنوات"، كي يعودوا ويُفكّروا بالسفر على نحو ما كانوا يفعلون قبل الأزمة، لافتاً إلى إمكانية تحوّل العام 2019 إلى عام "الذروة بالنسبة إلى قطاع الطيران".

 

هل العولمة في تراجع؟

يُمكن القول، إنّ العقود الأربعة الماضية كانت من دون منازع حقبة العولمة، لا سيما بالنسبة إلى السلع. وخلالها، نقلت الشركات الغربية مصانعها إلى خارج الحدود، كي تستفيد من اليد العاملة الرخيصة ما وراء البحار، وكذلك زادت مدخلاتها الصناعية من الخارج مع انتفاء الرسوم الجمركية والمعوقات التجارية الأخرى.

في المقابل، قد تؤذن صدمة فيروس كورونا المستجد، مع ما يصحبها من صعوبة في استقدام تجهيزات الوقاية الشخصية وأجهزة التنفس من موردين في الخارج والقلق الشديد من إمكانية السّطو على الأدوية المصنعة في دول أخرى، بحدوث اضمحلال في العولمة، أقلّه بالنسبة إلى السلع المادية.

وحسب المتخصص الاقتصادي باري إيشنغرين من "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي، "ستسعى الشركات إلى صناعة منتجاتها في أماكن أقرب إلى مقراتها الرئيسة، ولو بتكلفة أعلى، إقراراً منها بمخاطر الاعتماد على عمليات بعيدة، أو استجابة للنقاش السياسي الرامي إلى تحقيق اكتفاء ذاتي من السلع الأساسية".

وقد يُسهم اضمحلال العولمة وما يستتبعه من إعادة التصنيع المحلي، في استحداث فرص عمل جديدة في دول على شاكلة المملكة المتحدة، لكنه قد يتسبب أيضاً بارتفاع الأسعار وتدني الأجور بالنسبة إلى معدل التّضخم، أقله على الأمد القريب.

عدا ذلك، قد يُحفّز اضمحلال العولمة استثمارات الشركات وإنجازاتها على مستوى التكنولوجيا الثورية التي من شأنها أن تُحقق فورات في العمالة، على غرار الطباعة الثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي، وقد تقلب تلك المعطيات نمط عيشنا وعملنا، رأساً على عقب!

ووفق موهيت جوشي، من شركة "إينفوسيز" الهندية لتكنولوجيا المعلومات، "من المفترض بهذه الأزمة أن تُمهّد لبعض التغيرات الضخمة، وعلى بعض القطاعات أن يتجنّب التعرّض للزوال، عبر الخضوع لإصلاحات أو إعادة هيكلة".

© The Independent

المزيد من تحلیل