Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفاة طبيبة جزائرية يعيد نقاش جدل "التعسف الإداري"

إدانات عبر مواقع التواصل لقرارات الحكومة ومطالبة بمراجعة قوانين عمالية مبهمة

أطباء في وقفة احتجاجية عقب وفاة وفاء بوديسة (مواقع التواصل)

تحولت حادثة وفاة الطبيبة الجزائرية وفاء بوديسة وهي حامل في شهرها الثامن، متأثرة بفيروس كورونا، إلى قضية رأي عام، عقب حرمانها من عطلة استثنائية.

وأطاحت الواقعة المأسوية التي فجرت غضباً شعبياً بمدير مستشفى حكومي شرق الجزائر، بعدما أظهرت التحقيقات أنه أَجبر الطبيبة على العمل في قسم الطوارئ بنظام دوام قائم على أساس عمل ليومين وراحة مثلهما، في حين كان يتعين عليه منحها عطلة استثنائية.

لقمة العيش

في المقابل، تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من الرسائل نُسبت الى الطبيبة (28 سنة)، وهي تشتكي رفض طلبها الحصول على عطلة اضطرارية، بخاصة بعدما شُخّص عدد من مرضاها بـكوفيد 19.

وفي تعليق لها، اعتبره البعض "مأسوياً"، كتبت الطبيبة وهي أم لطفلة، أنها تخاف من خسارة عملها واستمرارها في العمل يعود لحفاظها على "لقمة العيش"، ما زاد من حدة الاحتقان في أوساط مستخدمي الصحة الذين يتواجدون في الصفوف الأولى منذ ظهور وباء كورونا في الجزائر.

من جهة ثانية، فتحت الواقعة نقاشاً حاداً بين أهل القطاع وذوي الاختصاص حول بعض القوانين من حامية لحقوق العمال إلى هاضمة لها، في مقدمهم النساء الحوامل باعتبارهن أكثر عرضة للخطر في أماكن عملهن من جهة، وعدم دراية بعضهن بالنصوص القانونية التي هي في صالحهن.

 

 

ضحية التعسف

ترجع المحامية عبيدات نزيهة وفاة الطبيبة وفاء بوديسة لعامل أساسي، تعسف إدارة المستشفى متمثلة في المدير خلال تطبيق المرسوم الحكومي 20-69 المؤرخ في 21 مارس (أذار) 2020، المتعلق بتدابير الوقاية من انتشار وباء كورونا.

وتضيف عبيدات في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن بند المادة الثامنة من المرسوم واضح، التي تُولي عناية خاصة للمرأة الحامل بإدراجها في المرتبة الأولى من المستفيدين من العطلة الاستثنائية مدفوعة الأجر طبقاً لنص المادة 02 من المرسوم ذاته، ومن ثم تليها النساء المتكفلات بتربية أبنائهن الصغار والمصابين بالأمراض المزمنة، وأخيراً من يعانون هشاشة الصحة".

وتؤكد المحامية أنه كان بإمكان الطبيبة تقديم تظلم بعد رفض طلبها الحصول على عطلة استثنائية، أو تدخل زوجها لتقديم المساعدة في التصدي لتعسف إدارة المستشفى عن طريق القيام بالإجراءات القانونية، موضحة "ولأن ذلك لم يحصل فإن الوفاة هي نتيجة المسؤولية التقصيرية للمستشفى التي تسببت بضرر بليغ للضحية ولأهلها".

وفاء مجرد حالة

في المقابل، يجزم الدكتور طايلب محمد، المتخصص في الأمراض التنفسية، أن وفاء بوديسة هي مجرد حالة من حالات كثيرة لنساء حوامل حُرمن من عطلتهن الاستثنائية، منذ ظهور الوباء في البلاد.

وبحسب حديث طايلب مع "اندبندنت عربية"، فإن الواقعة الأليمة التي عايشتها الراحلة، تُحيلنا إلى مسألة القوانين المبهمة التي تصدُر بالعادة من دون مراسيم تنظيمية تُكملها، ما يجعلها تخضع إلى سلطة تقديرية لمديري مستشفيات قد لا يجيدون إدارتها، لأنه لا يمكن الجزم بأن جميعهم بنوايا حسنة.

ويستدل كمثال على ذلك، بالمرسوم الحكومي الخاص بالتدابير الوقائية ضد الوباء المتفشي، المتسم بالغموض لأنه نص على ضرورة حضور جميع مستخدمي الصحة إلى المؤسسات العمومية، في حين يمنح الأولوية في العطلة للنساء الحوامل والنساء المتكفلات بتربية أبنائهن الصغار.

والغريب في الأمر وفق حديث المتخصص في الأمراض التنفسية، ىأن المرسوم الحكومي ينص في بند آخر على وضع ما لا يقل عن 50 من مستخدمي كل مؤسسة وإدارة عمومية في عطلة استثنائية مدفوعة الأجر، متسائلاً "على أي أساس يتم اختيار هذه النسبة، وما الذي يضمن لنا عدم تدخل المحسوبية"؟.

إلى ذلك، دعا الدكتور محمد طايلب الحكومة الجزائرية إلى إعادة النظر في القوانين التي تحكم المنظومة الصحية ورفع اللبس عنها منبهاً إلى "المذكرات الداخلية" التي ترسلها وزارة الصحة إلى مديري المؤسسات الاستشفائية، لتطبيق بعض النصوص القانونية غير أن الأطباء لا يطلعون عليها، وهو ما اعتبره المتحدث أمراً غير منطقي.

وأضاف "نرفض تسيير المستشفيات بشكل إداري لأن ذلك يؤثر في مردودية الطاقم الطبي، ولن يكون في صالح المرضى".

وبالتوازي مع عودة الجدل حول "التعسف الإداري" في تطبيق بعض القوانين، اعترف وسيط الجمهورية بضرورة المراقبة اللازمة لكيفية تطبيق قانون العمل وفي كل الميادين، بخاصة على النساء الحوامل باعتبارهن أكثر عرضة للخطر في أماكن عملهن، وهو ما يستوجب منحهم عطلة قبل موعد الولادة وهو فترة يقوم الخبراء بتحديدها.

وترتكز مهام الوسيط في الربط بين المواطن ومؤسسات الدولة، باستقبال شكاوى المواطنين والمشكلات التي يعيشها ورفعها للسلطات العليا للعمل على حلها.

إجراءات تكميلية

وحذرت النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، الحكومة الجزائرية من "حالة الغليان والقلق التي تعيشها الأسرة الطبية بفعل الظرف الوبائي الصعب من جهة وفاجعة خبر وفاة الطبيبة الأم وفاء بوديسة متأثرة بفيروس كورونا بعد إجبارها على الاستمرار في العمل وهي حامل في شهرها الثامن".

وقال رئيس النقابة إلياس مرابط في حديث لـ "اندبندنت عربية"، إن قرار إقالة مدير المستشفى غير كاف وتنتظر مقاضاته حتى يكون عبرة ولا تتكرر الحادثة في مؤسسات أخرى".

وكشف المسؤول النقابي، أن التعسف الإداري بات متعدد الأشكال ولا يقتصر على العطل وإنما يشمل الجانب التأديبي وحتى منع الموظفين من الترقية والتكوين.

العمل النقابي

في مقابل ذلك، يعيب رئيس النقابة على مستخدمي الصحة العمومية عدم انخراطهم في العمل النضالي النقابي، مبرزاً أنه على الرغم من أن العنصر النسوي يشكل 87 في المئة من قطاع الصحة إلا أن تمثيلهم ضعيف، ويفضلون الطرق الانفرادية في حل مشكلاتهم، ما يعرض بعضهن للابتزاز وأحياناً المساومة، بناء على شكاوى تلقتها النقابة.

ويعتقد أن "التكتل يسمح بخلق فضاء يحمي حقوق العمال ويعتبر كورقة ضغط على كل مدير ظالم يهضم حقوق الموظفين، أو يسعى لاتخاذ قرارات تعسفية".

ولأن وفاء بوديسة، رحلت، ولا يمكن تغيير هذا الواقع الأليم، فإن العاملين في قطاع الصحة بالجزائر يطالبون حكومتهم بإنشاء وظيف حكومي استشفائي، يسمح بحل جميع مشكلات منظومتهم، ويحمي حقوقهم، خصوصاً أن جائحة كورونا أثبتت أن قطاع الصحة يمتاز بخصوصية، ولا يمكن إخضاع موظفيه لقوانين عمالية مثل المدرسة وبقية الإدارات الحكومية.

المزيد من العالم العربي