Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجارة الحيوانات البرية مصدر للمخاطر وليس الأسواق الرطبة

تنقل أمراضاً معدية وتهدد آلاف الأنواع بالانقراض

تقدم الأسواق الرطبة الخضار والفواكه واللحوم والأسماك، وليست الحيوانات البرية من سلعها الأساسية (غيتي)

خلق فيروس كورونا لغة جديدة تماماً. فنحن "نحّدق في صور نكبّرها" لاجتماعاتنا و"نصفق لمزوّدي خدمات الرعاية". ونيويورك "في وضعية توقف" بهدف "تسطيح المنحنى الوبائي" في حين تستكشف بريطانيا كيفية "البقاء في حالة تأهب".

ويُقَال إن عبارة "الأسواق الرطبة"، التي أصبحت مرادفاً للتفشي الأولي للجائحة، مفهومة لدينا بشكل أقل من أي عبارة أخرى. فهي تُستخدَم خطأً كاسم بديل لأسواق الحياة البرية حيث يُبَاع مزيج من أنواع (الحيوانات) البرية في أقفاص. وهناك يمكن أن تنتقل الأمراض ذات المنشأ الحيواني إلى البشر نتيجة للقرب الشديد بينهم وبين الحياة البرية.

الواقع أن الأسواق الرطبة تُعدّ في الأساس أسواقاً للمزارعين الذين يملكون صفوفاً من الأكشاك لبيع الفاكهة والخضار والبيض واللحوم والأسماك الطازجة. ودُفِع بهذه الأسواق إلى دائرة الضوء في أواخر العام الماضي بعدما أدت إحداها في مدينة ووهان الصينية دوراً مشتبهاً فيه بتفشي فيروس كورونا.

ونادراً ما توجد أقسام للحيوانات البرية في الأسواق الرطبة. لكن الخلط بين النوعين من الأسواق يساعد في إذكاء دعوات وسائل الإعلام ومسؤولي الصحة العامة والسياسيين والنجوم المناصرين لرفاه الحيوان إلى فرض منع صريح للأسواق الرطبة.

وقال خبراء لصحيفة "الاندبندنت" إن هذا خطأ يهدد بإدامة صور نمطية خطرة.

وأوضح الدكتور زاك فروليتش، وهو خبير في تاريخ الطعام من جامعة أوبورن الأميركية، أن الخطر في الدعوة إلى حظر الأسواق الرطبة "يخلط بين نشاط هامشي [التجارة بالحياة البرية] ونشاط رئيسي وأساسي وشائع تاريخياً. وقد يشبه ذلك الدعوة إلى حظر أسواق المزارعين ومطاعمهم".

وأضاف "تُعَد الأسواق الرطبة المنظمة، التي تتمتع بعمليات تفتيش وتدريبات مناسبة وقوانين خاصة بالأمان، آمنة تماماً كالأنشطة التي نعتبر خلوها من المخاطر أمراً مفروغاً منه في الولايات المتحدة".

وذكرت دراسة نشرتها الدورية الطبية "ذا لانست" The Lancet، أن 27 مريضاً، من أصل 41 شخصاً أُدخِلوا إلى المستشفيات في ووهان وهم يعانون من فيروس كورونا، كانوا قد زاروا إلى سوق هوونان لبيع المأكولات البحرية بالجملة.

لكن في الحالة الأقدم، لم تكن للمريض علاقة مسجلة مع سوق هوونان، وفي المجمل، لم تكن لـ13 حالة من أصل الحالات الـ41 أي علاقة بالسوق.

وقيل إن قسماً من سوق هوونان لبيع المأكولات البحرية بالجملة باع 30 نوعاً من الحيوانات، بينها جراء ذئاب حية، وزيزان ذهبية، وعقارب، وسنانير الزباد، بحسبما أوردته صحيفة "ذا غارديان". وكانت الصين قد أغلقت السوق في يناير (كانون الثاني) الماضي.

قد لا يجد العلماء أبداً أصول كوفيد-19 نفسها بدقة، ويقول تقرير جديد إن "الدليل معدوم" على أنه أتى من مختبر. وعلى وجه العموم، يتفق الباحثون على أن التفسير المعقول بدرجة أعلى من غيره ينص على أن الفيروس قفز من حيوان إلى البشر في "عدوى غير مباشرة حيوانية المنشأ".

وعلى الرغم من أن عبارة السوق الرطبة تُستخدَم عادة في أجزاء من آسيا، يمكن بالسهولة نفسها أن تشير إلى أسواق أخرى في العالم.

مثلاً، ليس من الشائع الإشارة إلى سوق بايك بلايس في سياتل كسوق رطبة، وفق الدكتور فروليتش، لكنها تشاطر الأسواق الرطبة الموجودة في آسيا بعض الخصائص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتختلف العبارة عن اسم الأسواق "الجافة" حيث تُبَاع بضائع مغلفة أو توابل أو أقمشة، والتي حظيت بشعبية في سنغافورة في أوائل سبعينيات القرن العشرين.

وكما قد تتوقعون، للماء دور كبير جداً في الأسواق الرطبة: فالبائعون يغسلون الأكشاك لإبقائها نظيفة، ويحفظ الثلج اللحوم طازجة، وتوضع المأكولات البحرية في أحواض مليئة بالماء.

وتوفر الأسواق الرطبة طعاماً منخفض التكلفة وطازجاً للمتسوقين من جهة، ودخلاً لمالكي الأكشاك والمزارعين من جهة أخرى. وهي جزء من الحياة اليومية: فهي مكان للثرثرة، والمساومة على الأسعار، وتشارك النصائح حول وصفات المحاصيل الموسمية.

وربطت دراسة أُجرِيت في الصين عام 2012 كثافة الأسواق الرطبة بالتغذية الجيدة للأطفال، ولاسيما أبناء العائلات المتدنية الدخل، وفق ما أوردته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز". وفي بعض المدن الرئيسية، أخذت الأسواق الرطبة تتقهقر مع اختفاء الأحياء القديمة.

ترعرع جيم وانغ في شانغهاي وجال الصين لتعلم المزيد عن المطبخ المحلي. وتسمح شركته، "شانغهاي فودي"، للسياح بالتعرف على ثقافة الطعام الخاصة بالمدينة من منظور محلي.

قال وانغ لـ"الاندبندنت" موضحاً "في تسعينيات القرن العشرين، كانت للأسواق الرطبة طبقات مختلفة للفاكهة والخضار، والمأكولات البحرية، والثروة الحيوانية مثل الدجاج، والوز، والحمام وبعض الطيور الغريبة، وكان في مقدور المرء أن يختار حيواناً حياً فيذبحه له البائع في الموقع، أو كان بوسعه أخذه حياً إلى المنزل فيكون طازجاً أكثر حين يبدأ بالطهي. هذه هي الصورة النمطية لنظرة الناس إلى الأسواق الرطبة الصينية الآن لكن الناس في الغرب يسيئون فهمها كثيراً. فخلال السنوات الـ20 الماضية، أصبحت شانغهاي نظيفة للغاية".

ولفت إلى أن تفشي السارس في عام 2003 دفع السلطات المحلية إلى حظر الدواجن الحية في الأسواق الرطبة. وأضاف "تقع الأسواق الرطبة الآن غالباً على أطراف المدينة، وتتمتع بالشعبية في صفوف الذين تجاوزوا سنّ الـ60، أي المتقاعدين. فهم يقصدونها لأن الطعام طازج ورخيص. ويرغب العملاء الصينيون الأكبر سناً في لمس الطعام والتفاوض مع البائعين وتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء".

وأعطت الأسواق الرطبة الأشخاص الأكبر سناً فهماً متأصلاً لمتى يكون الطعام طازجاً وفي موسمه. عن ذلك قال وانغ "سألتُ أبي مرة لماذا كان سعر بعض الفول الذي اشتريتُه رخيصاً جداً. وعرف فوراً أن الفول لم يعد في موسمه لأن الموسم كان قصيراً جداً، يقتصر على الأسبوع الأول من مايو (أيار)".

واعتبر أن المهنيين الشباب يفضلون السهولة التي توفرها السلاسل الكبرى والتسليم عبر الإنترنت.

وأشار وانغ إلى أن "لدى الأجيال الأصغر سناً في شانغهاي برامج شديدة التنافسية يتحركون وفقها. فالناس يعملون غالباً من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساءً لستة أيام في الأسبوع. وحتى لو كان المرء من هواة الطهي، فلن يذهب إلى سوق رطبة، لأن من المتعب التنقل من بائع إلى آخر، وهذه الأسواق بعيدة عن المباني التجارية الكبرى، فالأمر ليس عملياً. وتضم شانغهاي 27 مليون شخص، بحاجة إلى أماكن يسكنونها. وأصبحت الأسواق الرطبة عبارة عن استخدام سيء للأمكنة".

وأضاف "ومع توفر التسليم عبر الإنترنت، أصبحت الخدمات اللوجستية مذهلة. فالطعام يصلك خلال 30 دقيقة تقريباً والأسعار قريبة منها في الأسواق الرطبة".

وزاد وانغ أن ثمة أسواقاً رطبة جديدة تنشئها سلاسل المتاجر الشهيرة، مثل "دينغ دونغ" و"هيما" Dingdong, and Hema اللتين تملكهما شركة "علي بابا" العملاقة للتجارة الإلكترونية. وأضاف "هذه أسواق رطبة بمعنى أن المرء يستطيع أن يشتري فيها أنواعاً مستوردة حية، مثل  كركند، أو سرطان ملك ألاسكي. فمن المهم جداً للصينيين أن يروا أن الطعام طازجاً".

ويشدد دعاة الحفاظ على البيئة وأنصار رفاه الحيوان، على أن تركيز النشطاء يجب أن يستهدف التجارة العالمية بالحياة البرية، فهي لا تنطوي على مخاطر صحية للإنسان فحسب، بل تهدد كذلك حوالى تسعة آلاف نوع بالانقراض.

ديفيد كوامين، على سبيل المثال، يعمل مستكشفاً، وهو مؤلف كتاب بعنوان "العدوى غير المباشرة: حالات العدوى الحيوانية والجائحة البشرية المقبلة" Spillover: Animal Infections and the Next Human Pandemic. وتحول اهتمامه إلى الأمراض المعدية حين كان يجري بحوثاً حول الإيبولا، وهو ما فتئ يحذر من المخاطر منذئذ.

وقال في إطار اتصال هاتفي أُجري معه هذا الأسبوع "ما علينا أن نفعله هو التعامل مع التجارة الدولية، التي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وتشتمل على بيع الحيوانات البرية التي تؤخذ من موائلها البرية لتُؤكَل، وغالباً ما تُشحَن من بلد إلى آخر".

يُذكر أن قيمة التجارة غير المشروعة بالحياة البرية تصل بحسب بعض التقديرات إلى 20 مليار دولار سنوياً، وفق الإنتربول وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

 

وقال بن ويليامسون، وهو مدير البرامج في فرع الولايات المتحدة لمنظمة "حماية حيوانات العالم"  World Animal Protection US لصحيفة "الاندبندنت" إن المنظمة "لا تعارض الأسواق الرطبة من حيث المبدأ. لكننا نعارض الأسواق التي تبيع الحيوانات البرية ومنتجات الحيوانات البرية".

وذكر في بيان له أن "ثمة معاناة حيوانية هائلة وشديدة ترتبط بتجارة الحيوانات البرية الجارية في أقسام من الأسواق الرطبة وغيرها من أسواق الحياة البرية، سواء كانت الحيوانات قد أُحضرت من البرية أو جرى استيلادها تجارياً في الأسر، وسواء اشترى المستهلكون الحيوانات حية أو ميتة".

وفرضت الصين في فبراير (شباط) الماضي حظراً غير مسبوق في أنحاء البلاد كافة على تجارة الحيوانات البرية كلها واستهلاكها، بما في ذلك الأنواع الغريبة التي تُربَّى في المزارع. وتنظر السلطات الآن في إدخال تعديلات على القانون.

وحذّر كريستوس لينتريس ولايل فيرنلي، وهما خبيران في الأنثروبولوجيا، أخيراً من أن تصوير وسائل الإعلام الغربية الأسواق الرطبة باعتبارها "رموزاً للاختلاف الصيني"  قد ألهب مشاعر معادية للصين.

وبذل الرئيس الأميركي دونالد ترمب وآخرون من أعضاء في إدارته، محاولات لإعادة تعريف كوفيد-19 باعتباره "فيروساً صينياً"، رافضين موقف "منظمة الصحة الدولية" حول عدم استخدام الجغرافيا لدى تسمية الأمراض.

وافاد تقرير لصحيفة "ذا نيويورك تايمز" بأن عدد الأميركيين الآسيويين الذين يبلغون عن تعرضهم لاعتداءات لفظية ومادية ضدهم منذ تفشي فيروس كورونا، قد ارتفع بشكل حاد.

ورأى الدكتور فروليتش أن اعتبار فيروس كورونا مشكلة خارجية من خلال التركيز على مفهوم يبدو غير شائع، مثل السوق الرطبة، يُعَد إشكالياً بصورة عميقة. وقال "هذا يثير مشكلة من منظور الصحة العامة، فمع تكاثر الناس الذين يعتقدون بأن الجائحة آتية من الخارج، يقل انتباههم إلى دورهم هم وإلى المخاطر في بيئتهم ذات العلاقة بهذه الأنواع من الأمراض، ومن خلال التركيز على الأسواق الرطبة، يتجاهل الناس مدى حصول أمور معينة في الولايات المتحدة تساهم أيضاً في ازدياد خطر المرض ذي المنشأ الحيواني".

وأشار الدكتور فروليتش إلى المخاطر التي تشكلها المزارع المكثفة والصناعية.

يُذكر أن  إنفلونزا الخنازير "إتش 1 إن 1"، التي أتت في الأصل من الخنازير، اكتُشفت للمرة الأولى في الولايات المتحدة عام 2009  قبل أن تتحول إلى جائحة قتلت مئات الآلاف من الناس. ولفتت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في تقرير أصدرته عام 2013 إلى أن "صحة الثروة الحيوانية هي الحلقة الأضعف في سلسلتنا الصحية العالمية".

وتتعدى الرغبة في تناول الحيوانات البرية حدود قارة آسيا بكثير. فالدكتور فروليتش قال "أعيش في الجنوب (الأميركي)، وهنا يمكن للمرء العثور على اهتمام بلحوم الأفعى المجلجلة والتمساح. وهذه أشياء لا تُؤكَل في شكل شائع، لكنك ستجدها كنوع من البدع".

أما وانغ فأوضح أن الصور النمطية شائعة حول ثقافة الطعام في الصين. وقال  "أقوم بجولات غذائية منذ وقت بعيد، وقد يسألني حتى أكثر الناس اهتماماً بالطعام إن كان الصينيون يأكلون الكلاب. قد يكون هذا التقليد متوفراً في بضع قرى، لكن الاعتقاد بأن 1.5 مليار صيني يأكلون الكلاب ليس دقيقاً، ويعود بعض هذه الصور النمطية إلى تاريخ الصين. ففي ستينيات القرن العشرين عانينا من مجاعة ضخمة. وكان الاقتصاد عكس ما هو عليه اليوم، واضطر الناس إلى أكل أشياء، لا عن إرادة أو طلباً لمتعة، بل للبقاء".

وأضاف وانغ "تتلخص فكرتي في أن من غير المنصف للغاية تصنيف الصينيين بأنهم يأكلون الوطاويط أو الكلاب في حين أن مساحة البلد تساوي مساحة أوروبا، أما أصل كوفيد-19 فيبدو مرتبطاً بالسوق الرطبة في ووهان. ورأيت الصورة المأخوذة من تلك السوق خلال بيع سنانير الزباد أو الحيوانات الغريبة الأخرى. لكن عبارة "سوق رطبة" لا تعني مكاناً ملؤه الشر. فهذه السوق مجرد مكان يساوم فيه الناس على الطعام ويعقدون صداقات".

(صحيفة "الاندبندنت" تدعم حملة لفرض قيود أشد على التجارة بالحياة البرية)

© The Independent

المزيد من تقارير