Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفنان التشكيلي لا يخرج عن النمطية في الدراما والسينما

مسلسلات وأفلام عربية تكرر الصورة التقليدية والجدل يشمل علاقة الكاميرا بالفن

الفنان التشكيلي كما يبدو في مسلسل "رجالة البيت" (موقع الانتاج)

بين عشرات الأعمال الدرامية العربية التي عُرضت وتعرض خلال الموسم الرمضاني هذا العام كان واضحاً الحضور اللافت لشخصية الفنان التشكيلي في عدد منها. أربعة مسلسلات عربية، من مصر، ولبنان، والكويت، ظهر فيها الفنان التشكيلي باعتباره شخصية محورية داخل العمل، وفق سياقات مختلفة. والأعمال المُشار إليها هي المسلسل اللبناني "النحات" للفنان باسل خياط، والمسلسل الكويتي "شغف" للفنانة هدى حسين، ثم العملان المصريان "ونحب تاني ليه" للفنانة ياسمين عبد العزيز، و"رجالة البيت" للفنان بيومي فؤاد.

في الأعمال الثلاثة الأولى بدا واضحاً أنّ هناك قدراً من الاستعانة بمُتخصصين استطاعوا ضبط الأداء المُتعلق بتفاصيل الممارسة الفنية، بما فيها الحوار حول الأعمال، والاستعانة بالأدوات المناسبة، وهو أمرٌ كثيراً ما يُغفل في الأعمال الدرامية والسينمائية. ففي مثل هذه الأعمال عادة ما يُخلط بين الأدوات والخامات، هذا خلافاً للارتباك في استعمال المفردات المُتعلقة بالفن في أثناء الحوار، غير أن الأعمال الثلاثة حافظت على الحد الأدنى من المصداقية في تعاملها مع الشخصية وفق سياقها، فالشخصيات فيها بدت متوازنة إلى حدّ ما، من دون شطط أو اضطراب زائد على الحد، كما هو معتاد عند التعرُّض إلى شخصية الفنان التشكيلي.

لم يتعد الأمر سوى مسحة رومانسية في ما يخص شخصيتي ياسمين عبد العزيز وهدى حسين، وهو أمر مُعتاد، فالرومانسية هي إحدى الصفات النمطية المعتادة المُرادفة لشخصية الفنان التشكيلي في السينما والدراما العربية.

يُستثنى من ذلك شخصية الفنان بيومي فؤاد في المسلسل المصري "رجالة البيت"، الذي يؤدي فيه دور فنان تشكيلي يبحث عن فرصة للتحقق، وفؤاد بالمناسبة من خريجي كلية الفنون الجميلة. هذا الاستثناء ليس له علاقة بالتفاصيل المُتعلقة بالممارسة الفنية، لكنه يتعلق أكثر بالطريقة التي جرى تناول شخصية الفنان من خلالها، وهي طريقة تتسق وطبيعة العمل الكوميدية بلا شكّ. كان لهذا المسلسل نصيب وافر من الجدل والنقاش على صعيد التشكيليين المصريين، خصوصاً بعد عرض الحلقة الـ16 منه، التي ظهر خلالها بيومي وهو يعرض أعماله داخل إحدى القاعات ضمن معرض جماعي. بدا فؤاد في هذا المشهد مُستهيناً بأعماله إلى حدّ موافقته على بيع إحدى لوحاته لأحد المُشترين بثمن زهيد، كي يستعملها بدل مناشف المرحاض التي نفدت.

أغضب المشهد على ما يبدو عدداً من التشكيليين، وطالبوا الفنان ونقابة المهن التمثيلية بالاعتذار، مُعتبرين أن المسلسل يستخفّ بطبيعة الممارسة الفنية، ويوجّه إهانة إلى التشكيليين. بالفعل قدّمت نقابة المهن التمثيلية، متمثلة في النقيب أشرف زكي، اعتذاراً رسمياً، غير أنّ الأمر لم يكن كافياً للبعض الذين طالبوا بطرد بيومي فؤاد من نقابتهم.

على صعيد آخر، رأى البعض أن استدعاء فكرة الرقابة على هذا النحو أمر مخالف طبيعة الممارسة الإبداعية أو الفنية، أيّاً كان اتفاقك أو اختلافك مع العمل المُقدَّم، كما أن المسلسل كوميدي بالأساس، يعتمد على المبالغة والسخرية، وأن لا مجال لتحميل الفنان بيومي فؤاد وحده وزر مشهد من المشاهد، فهو ممثل يؤدي نصّاً مكتوباً على الورق، وربما لا مجال لديه للقبول أو الرفض، خصوصاً أن المشهد لا يوجِّه إهانة فعلية ومباشرة إلى أحد.

في السينما

وإذا ما تطرّقنا إلى صورة الفنان التشكيلي في الدراما والسينما العربية تبدو هذه الأعمال الأربعة، بما فيها مسلسل بيومي فؤاد، أقلّ حدة في تناولها تلك الشخصية من أعمال أخرى، خصوصاً سينمائيّاً.

في السينما المصرية تحديداً، وهي الأوفر حظاً بالمنطقة العربية في عدد الأفلام التي تضمّنت شخصية فنان تشكيلي. سنجد أنّ الشخصية سينمائيّاً عادة ما تحظى بحضور نمطي في عديدٍ من المعالجات، وهي تُراوح غالباً ما بين الرومانسية الجارفة إلى الاضطراب والجنون أحياناً.

في دراسته حول صورة الفنان التشكيلي في السينما المصرية، راجع المصري علاء عبد الحميد مئات الأفلام المصرية منذ نشأة السينما في بلاده بداية القرن العشرين، وأعدّ قائمة مكوّنة من 143 فيلماً تحتوي جميعها على شخصية فنان تشكيلي، منها خمسة أفلام تلفزيونية، أي أُنتجت بواسطة الاتحاد المصري للإذاعة والتلفزيون. أقدم فيلم أُنتج وعُرض في القائمة كان عام 1937، وآخر عمل أُنتج في عام 2019. بين هذه الأفلام جميعاً لم يكن هناك عمل واحد يتعرّض إلى سيرة ذاتية لأحد الفنانين، سوى فنان الكاريكاتير ناجي العلي في عام 1992 للمخرج الراحل عاطف الطيب، الذي مُنع من العرض في مصر ودول عربية عدة سنوات.

يرى عبد الحميد، في دراسته، أن صورة الفنان التشكيلي في السينما المصرية "لا تبتعد غالباً عن إطار الفنان البوهيميّ، أشعث الشعر، لا يستحم، أو الفنان الفقير، أو المُنقاد إلى شهواته، أو صاحب المشاعر المتطرفة الذي يفتقر إلى التوازن في أفعاله، أو الرومانسي الحالم غير الواقعي، أو شخص تميل تصرفاته إلى الغرابة، أو منطوٍّ وشكاك"، وفي بعض الأحيان "مُجرم".

ويتساءل في دراسته: هل خلقت السينما المصرية بالفعل هذه الصورة النمطية من العدم أم عكست الثقافة الشعبية ووجهة نظر العامة عن الفنانين التشكيليين؟ وإذا كانت صورة الفنان في الأفلام انعكاساً لصورته بالمجتمع، فلماذا عملت السينما على ترسيخ وتأكيد هذه الصورة بدلاً من محاولة التقرّب إلى صورة الفنان التشكيلي بالواقع؟ ويذهب عبد الحميد إلى أن مجاراة الصورة النمطية للفنان التشكيلي بالسينما على هذا النحو قد تكون "وسيلة اتبعها صُنّاع العمل من أجل ضمان نجاح أفلامهم في السوق"، وربما يكون أيضاً "نوعاً من الجهل أو عدم الإلمام بطبيعة شخصية الفنان". وأيّاً ما كانت الأسباب فإن هذه الأفلام رسّخت بلا شكّ صورة نمطية غريبة الأطوار للفنان التشكيلي، ليس في مصر فقط، بل بالمنطقة العربية عموماً. وربما تحضرنا هنا المقولة الرائجة "الفنون جنون"، التي تربط في دلالة قطعية بين الفن عموماً والخلل النفسي.

المزيد من ثقافة