Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الداخل السوري... 8 سنوات "ثورة" المعارِض و"أزمة" المؤيّد

ما زالت سوريا على صفيح ساخن وباتت ذكرى الأحداث الصعبة بمثابة درسٍ قاسٍ، تستخدمها الحكومات لتحذّر شعوبها من مغبّة إطلاق ثورات وانتفاضات شعبية، وتنصح بالتعلم من "الدرس السوريّ"

مقاتلون من قوات سورية الديموقراطية يعاينون مخيماً لعائلات مسلحي "داعش" في الباغوز (أ. ف. ب.)

لا تشبه أزهار مارس (آذار) وهي تتفتحُ على الأرض السورية بقية زهور وورود "الربيع العربي"، فهنا في سوريا تنبتُ "شقائق النعمان" بلونها الأحمر المخضب بالدم بعد ثماني سنوات على انطلاقةِ الانتفاضة الشعبية مع هتافات للحرية بأغصان الزيتون منتقلةً إلى صراع مسلحٍ مستعرٍ بين طرفَي النزاع ممتداً إلى نزاع إقليمي تتحارب فيه دول، وتحالفات داعمة يرافقها حذرٌ يشوب واقع البلاد، من اشتعال فتيل حرب عالمية تدق ناقوسها كبرى الدول العظمى في حال لم تخمدها التسويات الكبرى.

الصراع الدولي والحصار

ولا تزال سوريا على صفيح ساخن أشعل البلاد واكتوى السوريون بناره. وباتت ذكرى الأحداث السورية الأليمة بمثابة جرح أليم في الجسم العربي، أصبحت معه الحكومات تُحذّر شعوبها من مغبّة بدء ثورات وانتفاضات شعبية، وتنصحها بالتعلم من "الدرس السوري". ولعل آخرها ما يحصل مع الجزائريين اليوم بعد انتفاضتهم الشعبية لإسقاط الحكم، إذ ارتفعت أصواتٌ تخشى من "سورنة" الحراك الجزائري والانتقال إلى التسليح والتدويل في حال لم ترضخ السلطة هناك لمطالب شعبها في شأن "العهدة الخامسة" للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

خسرت السلطة في سوريا مساحة كبيرة من الأراضي منذ تحوّل "الحراك السلمي"، إثر حوادث في درعا ودمشق جنوب سوريا في العام 2011، إلى حراك مسلح، لكن سرعان ما انقلبت الموازين بعدها إثر دعم حليفيها الإيراني والروسي منذ العام 2016. واستعادت سيطرتها على الأراضي، وأبرزها مساحات من حلب وحماه وحمص. ويطمح المعارض السوري الدكتور خالد محاميد، في الذكرى السنوية الثامنة للثورة إلى "دفع عجلة الحل السياسي وليجلس العقلاء لحل الخلاف لأن الصراع سوري"ـ وأضاف أن الصراع "سوري بالأساس ولن يحله إلا السوريون". ويأمل المحاميد الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس الهيئة العليا للتفاوض، في تحقيق "المطالب الشعبية وهي السيادة الوطنية ووحدة الأرض والوصول إلى تحقيق ديموقراطية واسعة في البلاد مع ضمان حرية القضاء ونزاهته والاهتمام بالتعليم والصحة".

حروب مقبلة

إلا أنه ما أن التقطت دمشق أنفاسها بعد سلسة انتصارات ميدانية حتى بدأت تتحضّر لشكل من أشكال الحروب المقبلة، فاعتبر عضو مجلس الشعب السوري أحمد مرعي، أنه "بعد سنوات ثمانٍ من المخطط الأميركي، لم يتغير منهج السلطة المقاومة، مع تحقيق انتصارات عسكرية في الميدان لمصلحة السلطة لكنَّ شكلاً جديداً من أشكال الحروب ستواجه سوريا ألا وهو فرض الحصار عليها"، معقباً ذلك بـ "رؤية لمرحلة جديدة مهمة هي مرحلة بناء على المستوى السياسي والاجتماعي نحو الأفضل بالتوازي مع إعادة الإعمار بالتعاون مع شركاء إقليميين".

الاتفاق والحل السياسي

لم تُجدِ نفعاً كل المحاولات الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الحرب السورية مادام السوريون أنفسهم لم يتفقوا بعد على حل سياسي. وشهدت أولى سنوات الحرب صراعاً كلامياً بين مؤيدي السلطة الذين وصفوا ما حدث في العام 2011 بـ "الأزمة"، بينما وصفها المعارضون بـ "الثورة". ويرى مراقبون أن الأمر خرج من يدي طرفي النزاع سلطةً ومعارضةً منذ "أسلمة الحراك الشعبي" ودخول السلاح، "لتتحوّل خيوط اللعبة إلى أتون صراعات وتحالفات دولية في يدها تعقيد وتشبيك القضية أو حلها، فتلعب طهران وموسكو دور الداعم للسلطة بينما أميركا وتركيا ودول أوروبية تقف خلف المعارضة".

ولا تساوي الضربات الموجعة التي تلقّتها سوريا من دمار المنشآت والتراث الإنسانيّ العالمي، والحضارة الإنسانية شيئاً أمام الملايين الذين لقوا مصرعهم وجُرِحوا وهُجِروا وشرِدوا خارج منازلهم. وبلغ عدد طالبي اللجوء 5 ملايين شخص، إضافة إلى أكثر من 6 ملايين نازح، وفق وكالات الأمم المتحدة مع حلول يونيو (حزيران) العام 2017.

الخاسر الأكبر

ويُعتبر الشعب السوري الخاسر الأكبر في هذه المعادلة على الرغم من أن العام 2018 شهد أدنى حصيلة سنوية لضحايا الحرب في سوريا منذ اندلاعها، وذلك بمصرع حوالي 20 ألف شخص وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ووثّق المرصد مصرع 19 ألفاً و666 شخصاً في سوريا في العام 2018، من بينهم 6349 مدنياً، 1437 منهم أطفال. وعلّق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن بالقول "إنها أدنى حصيلة سنوية للقتلى منذ بداية الأحداث في سوريا، في منتصف مارس من العام 2011".

تستبعد المعارضة أن تكون السلطة حقّقت انتصارات على الأرض بل تتهمها بزيادة التدخل الأجنبي في شؤون البلاد، مشيرةً إلى حلفاء دمشق. ويوجه ياسر فرحان عضو الائتلاف السوري الوطني المعارض، الأنظار إلى وجود 14 مليون سوري، أي أكثر من نصف عدد سكان سوريا لا يرغبون في بقاء السلطة، وحطوا في مناطق النزوح ودول اللجوء. وقال فرحان "قطعاً السلطة لم تنتصر وليس نصراً مقدار المساحة التي تسيطر عليها على الأرض وما زالت 40 في المئة من الأرض خارج سيطرتها. وبات تواتر الملاحقات والمحاكم الدولية تصدر قرارات إدانة، وتحرِّك دعاوى ضدها".

ولا تنسى المعارضة السورية الإشارة إلى العقوبات الاقتصادية التي تخنق البلاد قبل أن تبدأ حتى. ويعلّق فرحان، "الثورة مستمرة والشعب السوري مستمر بثورته ولن يعود إلى العبودية بعد استنشاقه هواء الحرية وبعد أن صدحت حناجر السوريين بأن وطنهم لهم وسيعودون إليه".

ويختلف المراقبون في الداخل السوري حول تعرض البلاد لأكبر استهداف لثنيها عن مواقفها ضد إسرائيل ومحاولة ضرب المقاومة، واعتبار ما حدث منذ سنوات ثمانٍ إلى اليوم محاولات "خبيثة" لإضعافها. ويعزو عضو مجلس الشعب أحمد مرعي، الأحداث السورية إلى "مخطط إسرائيلي - أميركي هدفه ضرب النسيج الاجتماعي وخروج سوريا ضعيفة وغير قادرة على حمل مشروع المواجهة ضد إسرائيل". وأضاف "تقديري أن سورية واجهت كل أشكال الحروب على مدى عقود من الزمن، والاستهداف الأساس كان من أجل تغيير طبيعة النظام المناهض للكيان الصهيوني إلى نظام يعمل على التطبيع مع إسرائيل. سوريا لم تسقط واليوم الدولة السورية تعمل على إسقاط هذه الذرائع بتحرير الأراضي السورية وتحقيق السيادة الوطنية".

                                                       

المزيد من العالم العربي